نيويورك 16 فبراير 2018(وال) – طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من المدعية العامة لـ “المحكمة الجنائية الدولية” فاتو بنسودة التحقيق مع المتورطين في جرائم محتملة ضد الإنسانية ضد أهالي تاورغاء، كجزء من جهودها المتواصلة للتصدي للانتهاكات الجسيمة الجارية في ليبيا.
جاء ذلك في تقرير لــ “هيومن رايتس ووتش” اليوم قالت فيه: إن الجماعات المسلحة والسلطات المدنية في مدينة مصراتة الساحلية الليبية تمنع عودة آلاف الأشخاص من أهالي تاورغاء إلى بلدتهم بعد 7 سنوات من نزوحهم القسري.
وأشارت في تقريرها لوفاة رجلان بسكتة دماغية منذ الأول من فبراير 2018، في ظل ظروف متدهورة تمر بها الأسر العالقة في مخيمات صحراوية مؤقتة تفتقر إلى المرافق الصحية الكافية.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويستن: “منع 40 ألف نازح قسرا من العودة إلى ديارهم من قبل ميليشيات مصراتة وسلطاتها، بعد 7 سنوات من العيش في ظروف مزرية، ووصفته بالعمل القاسٍ ويدل على الانتقام.
وطالبت ليا ويستن ما أسمته سلطات طرابلس بالتحرك لضمان العودة السالمة لمن كانوا في طريقهم بالفعل إلى تاورغاء، ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم”.
وذكر التقرير أنه في 1 فبراير الجاري، منعت مليشيات مصراتة عودة آلاف الأشخاص إلى تاورغاء.
وأشارت إلى أن جهود العودة جاءت بعد قرار طال انتظاره من “حكومة الوفاق الوطني غير الدستورية”، المدعومة أُمميا، لبدء عملية العودة.
وبينت أن هذه الجهود استندت إلى اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة بين ممثلي مصراتة وتاورغاء، نص على المصالحة بين المجتمعات المحلية وتعويض ضحايا الجانبين.
وأوضحت أن ميليشيات مصراتة هجرت 40 ألفا على الأقل من سكان تاورغاء من مدينتهم عام 2011، كعقوبة جماعية لدعمهم الزعيم المخلوع معمر القذافي، وارتكاب بعضهم- تاورغاء- انتهاكات ضد سكان مصراتة. منذئذ، تشتتوا في مختلف أنحاء البلاد في مخيمات مؤقتة ومساكن خاصة.
وذكر التقرير محاولة الآلاف العودة منذ 1 فبراير الجاري.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش هاتفيا في 2 و12 فبراير مع عماد إرقيعة، الناشط والمكلف بالإعلام عن “المجلس المحلي تاورغاء”، وهو الهيئة الرئيسية الممثلة لأهالي تاورغاء المهجرين والتي تنسق الإغاثة. وقال ” إنه عندما حاول سكان تاورغاء العودة إلى بلدتهم في 1 فبراير، أحرقت جماعات مسلحة من مصراتة الإطارات، ضايقت الناس، وأطلقت النار في الهواء لتخويفهم.
وبينت أن هذا السلوك أُجبر النازحين على التراجع عن نقطة التفتيش 14 ومنطقة تُعرف باسم طريق النهر الصناعي في 1 فبراير، وتكرر مرة أخرى في 4 فبراير، وتابع إرقيعة موضحا للمنظمة إنه في 4 فبراير الجاري، أصابت جماعات مسلحة من مصراتة إيتيمه محمد جبريل، امرأة من تاورغاء، داخل سيارة قريبها.
وقال إرقيعة إن العائلات نزحت إلى مخيمات مؤقتة أقيمت حديثا شرق تاورغاء، وفي قرارة القطف، 35 كيلومتر شرق تاورغاء. تقيم بين 240 و300 أسرة في خيام وفرتها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، بالإضافة إلى عدد غير معروف ممن يقيمون مع أصدقائهم أو أقاربهم في المدينة القريبة.
وفي هراوة، 280 كيلومتر جنوب شرق تاورغاء، كان عدد غير محدد من العائلات يقيم في 20 إلى 25 خيمة، وآخرون يقيمون في مسجد وقاعة كبرى في البلدة قدمها المجلس البلدي. في بني وليد، على بعد 100 كيلومتر جنوب غرب مدينة تاورغاء، أُضيفت 55 أسرة وصلت حديثا إلى 230 عائلة هناك كانت قد نزحت من تاورغاء منذ 2011.
وقالت ويتسن: “لدى السلطات الليبية والأمم المتحدة أدوار مهمة تلعبها ضد المفسدين من مصراتة. ومن المسيء أن تستخدم جماعات مصراتة العنف لمحاولة تخريب اتفاق تم التفاوض عليه منذ فترة طويلة، بعد قبولها حزمة تعويضات سخية”.
وقال إرقيعة إن عدد السكان في المخيمات متفاوت، مع رحيل عائلات كثيرة إلى طرابلس ومدن أخرى بسبب الظروف الجوية القاسية وسوء الصرف الصحي ونقص الرعاية الصحية والمعيشة السيئة.
وأضاف إن رجلين عانيا من سكتات دماغية وتوفيا في حادثتين منفصلتين. وقال إن الشاعلي أبو ناب (65 عاما) توفي في 1 فبراير في “مركز طرابلس الطبي”، على بعد 245 كيلومترا من مكان إقامته، بينما توفي محمد أحمد بركة في بلدة ترهونة في 12 فبراير، بعد إصابته بسكتة دماغية قبل يومين.
وورد في التقرير أنه في 13 فبراير، اندلع حريق حوالي الساعة 10 ليلا في خيمة في قرارة القطف، بعد أن حاولت عائلات طهو العشاء، بحسب إرقيعة. تسببت الحادثة في إصابة امرأتين من تاورغاء بحروق خفيفة، بحسب ما قال.
وذكر التقرير أنه في 31 يناير 2017م ، أصدر مسمى “المجلس العسكري مصراتة”، ومسمى “رابطة أسر الشهداء والمفقودين”، ومسمى “مجلس أعيان مصراتة”، بيانا يعارضون فيه عودة سكان تاورغاء التي كانت متوقعة في 1 فبراير 2018، مطالبين بتأجيلها. وأدعى البيان أن ثمة أجزاء من اتفاق الوساطة الأممي لم يتم تنفيذها.
وجاء في التقرير أن هيومن رايتس ووتش، تحدثت هاتفيا في 12 فبراير مع، رئيس المجلس المحلي في تاورغاء وكبير مفاوضيها، عبد الرحمن الشكشاك،. قال فيه إن البعض في مصراتة عارضوا عودة سكان تاورغاء، رغم الاتفاق وتلقيهم 25 بالمائة من التعويض الذي وعدت به حكومة الوفاق الوطني غير الدستورية، كدفعة أولى للضحايا من الجانبين. وبين أن الاتفاق ينص على تقديم 463 مليون دينار ليبي (348 مليون دولار أمريكي بحسب سعر الصرف الرسمي) كتعويضات، ومن المقرر حصول الضحايا من سكان تاورغاء على 170 مليون دينار ليبي، وفقا لمقابلة الشكشاك مع موقع “الوسط” الإخباري.
وأشار التقرير لقول الشكشاك إن حكومة الوفاق الوطني قدمت أيضا دفعات إلى وزارة الداخلية، وزارة الحكم المحلي، والقوات الموالية للحكومة في المنطقة الوسطى لتسهيل العودة.
وبين التقرير محاولة سكان تاورغاء العودة إلى بلدتهم في عدة مناسبات منذ نزوحهم القسري، ولكن منعتهم ميليشيات مصراتة في كل مرة، بذريعة قتالهم إلى جانب قوات القذافي خلال نزاع 2011 وارتكابهم جرائم حرب في مصراتة.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن ميليشيات، ومعظمها من مصراتة، نهبت تاورغاء عام 2011، وهدمت وأحرقت مبانٍ عدّة في البلدة. منذ عام 2011، وكانت الجماعات المسلحة من مصراتة مسؤولة عن انتهاكات متعددة ضد أهالي تاورغاء، منها إطلاق النار على مخيمات النازحين من البلدة، الاحتجاز التعسفي، الإخفاء القسري، والتعذيب.
وكشف تقرير هيومن رايتس ووتش عن نقص في المساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد سكان تاورغاء. وأن ما أسمته السلطات الليبية، لم تلاحق سوى الجرائم المنسوبة إلى سكان تاورغاء، وأدانتهم غالبا بتهم القتل وحيازة أسلحة بصورة غير مشروعة، وحكمت على المدانين بالسجن وحتى الإعدام.
وذكر التقرير أنه لم يقاضَ أحد، خصوصا من ميليشيات مصراتة، لتهجير سكان تاورغاء قسرا أو لأي انتهاكات خطيرة أخرى ضدهم.
وأشار التقرير إلى أن “المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي” تنص على أن النزوح ينبغي أن يكون لفترة محدودة، وليس “أطول مما تقتضيه الظروف”. وبينت أن القانون الدولي ينص أيضا على أن للمدنيين المهجرين قسرا أثناء النزاع الحق في العودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن دون شروط.
وورد في التقرير أن بعض الانتهاكات المرتكبة كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين، بما في ذلك التعذيب والاحتجاز التعسفي والتشريد القسري، تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وبين أن “لجنة الأمم المتحدة الدولية لتقصي الحقائق حول ليبيا” خلصت، في تقريرها الصادر في مارس 2012، إلى أن ميليشيات مصراتة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية ضد سكان تاورغاء، وأن التدمير المتعمد لتاورغاء “كان لجعلها غير صالحة للسكن”.
وذكر التقرير أن المُدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية مكلفة بالتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، والإبادة الجماعية التي ارتكبت في ليبيا منذ 15 فبراير 2011.
وجاء في التقرير لقد توصلت أبحاث هيومن رايتس ووتش في ليبيا منذ عام 2011 إلى وجود انتهاكات مستشرية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قبل أطراف النزاع؛ منها الاعتقال التعسفي الجماعي الطويل الأجل، التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، التهجير القسري، والقتل غير المشروع. في مواجهة الفظائع المتصاعدة.
ودعت هيومن رايتس ووتش المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع تحقيقاتها بشكل عاجل في الجرائم الخطيرة الجارية التي ترتكبها جميع الأطراف، بما فيها الجرائم المحتملة ضد الإنسانية.
وأشار التقرير لقول بنسودة إن الوضع في ليبيا لا يزال يشكل أولوية لمكتبها، وإنها لن تتردد في استصدار أوامر اعتقال جديدة إذا ما دعمت الأدلة ذلك.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه بالنظر إلى الجرائم الخطيرة المرتكبة في ليبيا والتحديات التي تواجه السلطات، فإن ولاية المحكمة الجنائية الدولية لا تزال حاسمة لإنهاء الإفلات من العقاب في ليبيا.
وتابعت هيومن رايتس ووتش قولها إنه على مجلس الأمن الدولي، الذي منح المحكمة الجنائية الدولية ولاية عام 2011، بالعمل مع الدول الأعضاء في المحكمة، ضمان الدعم والموارد السياسية للمحكمة لتوفير العدالة بشكل كامل ومنصف لأسوأ الجرائم الدولية في ليبيا.
وقالت ويتسن: “على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية الالتزام بالتحقيق مع المتورطين في جرائم خطيرة ضد أهالي تاورغاء. في الوقت نفسه، أن ما أسمته السلطات الليبية ملزمة بالسماح لهؤلاء المهجرين بالعودة إلى ديارهم بأمان، دون تعرضهم لخطر الانتقام”.(وال- نيويورك) س ع / ع م