طرابلس 07 سبتمبر 2018 (وال) – قدم مبعوث الأمم المتحدة رئيس بعثتها للدعم في ليبيا، إحاطته حول تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي، عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة (فيديوكونفرانس) من مقر البعثة الأممية في العاصمة طرابلس.
وتحصلت وكالة الأنباء الليبية على إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة أمام مجلس الأمن كلمة كاملة :
السيد الرئيس،
أود أن أهنئ الولايات المتحدة الأمريكية على رئاستها لمجلس الأمن هذا الشهر وأن أشكركم على إتاحة هذه الفرصة لاطلاع المجلس على آخر المستجدات.
السيد الرئيس، أعضاء المجلس الكرام
في جميع الإحاطات السابقة التي قدمتها أمام هذا المجلس، لطالما ذكرت أن الوضع القائم في ليبيا لا يمكن قبوله.
فأعمال العنف التي عصفت بالعاصمة منذ 26 آب/أغسطس أتت على ستار الهدوء الذي كان قد غلف مدينة طرابلس منذ أيار/مايو 2017.
إذ تم نشر الدبابات والمدفعية الثقيلة في الأحياء السكنية وأزهقت أرواح 61 ليبياً وأصيب 159 آخرون بجروح. ومعظم من قضى كان من المدنيين بينهم أطفال. واضطرت العائلات لترك منازلها وأصبح النهب والجريمة أمر مألوف مع انتشار العصابات في الشوارع. ومئات المجرمين هربوا من السجن، فيما كان المهاجرون إما عالقين في مراكز الاحتجاز، أو هائمين على وجوههم في الشارع.
وأصبحت المدينة على شفا حرب شاملة.
وفي 4 سبتمبر، توسطت البعثة لوقف إطلاق النار بين أبرز أطراف النزاع. وقد كان ذلك فاعلاً في إيقاف الاقتتال والبدء في استعادة بعض النظام إلى المدينة.
وتعمل البعثة الآن على حماية هذا السلام الهش أملاً في ترسيخه. ومن أولى الخطوات التي اتخذناها تقديم المساعدة الفنية وبذل مساعيها الحميدة دعماً لوقف إطلاق النار.
والمجموعات التي تعمد إلى انتهاك وقف إطلاق النار يجب أن تحاسب. لذا فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يقفان لهم بالمرصاد فرداً فرداً. فقد تجاوزنا زمن الإفلات من العقاب.
ولن نسمح بتكرار ما حدث في 2014.
السيد الرئيس،
ما اندلاع أعمال العنف هذا سوى الحدث الأخير في سلسلة الأزمات التي عصفت بليبيا. فالأحداث التي أحاطت بمنطقة الهلال النفطي في شهري يونيو، ويوليو كانت بالفعل تهديداً كاد أن يودي بالبلاد إلى هوة الانقسام. وفي الأسابيع القليلة المنصرمة تلقفت البلاد الأزمة تلو الأزمة.
ففي 10 أغسطس، قامت مجموعات مسلحة بطرد عوائل تاورغاء بالقوة من مخيم النازحين في طريق المطار. وبعض النازحين قُتلوا وأصيب آخرون بجروح، فيما لم تسلم المنازل من التدمير ما أجبر هؤلاء الليبيين على الفرار ليصبحوا بلا مأوى للمرة الثانية في غضون سبع سنوات. وبالرغم من الترحيب بعودة عدد من الأسر إلى تاورغاء، ما مجموعه 100 أسرة تقريباً في أواخر شهر أغسطس، إلا أن مدينتهم لا تزال تفتقر إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية، الأمر الذي زاد من صعوبة تحقيق العودة الكريمة لهم. وقد حذرنا جميع المجموعات المسلحة من مغبة تكرار هذه التصرفات غير القانونية البتة. فإجبار الناس على النزوح أمر غير مقبول، فما بالك بممارسة ذلك على من هم في الأصل نازحين. وكانت تلك الرسالة واضحة لكل من تسول له نفسه القيام بذلك.
وبعد الهجوم المريع على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في 2 مايو 2018، ادعى تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم بالقرب من مدينة زليتن بتاريخ 23 أغسطس حصد أرواح أربعة من ضباط الشرطة. فتنظيم داعش ونشاطه موجود في ليبيا وآخذ في الانتشار. وهنا، أنبه هذا المجلس إلى إمكانية أن تصبح ليبيا مأوى للمجموعات الإرهابية باختلاف مشاربها وأطلب من المجلس المساعدة للتعامل مع هذا الخطر المحدق.
وإبان الأسابيع الأخيرة، احتدم القتال بين حكومة تشاد وقوات المعارضة التشادية، وكان الجنوب الليبي ساحة لهذا الاقتتال. فقد اشترك في هذه العمليات العدائية ما يزيد على ألف مقاتل معرّضين الجنوب إلى خطر أن يصبح ساحة معارك إقليمية وملاذاً آمناً للمجموعات المسلحة القادمة من خارج البلاد بما في ذلك التنظيمات الإرهابية. لذا من الضروري أن يتم تنفيذ الاتفاق الذي تم إبرامه مؤخراً بين تشاد والسودان والنيجر وليبيا من أجل ألّا تتحول ليبيا أيضاً إلى ساحة معارك بديلة للآخرين. وقد طلب الموقعون على الاتفاق من المجتمع الدولي تقديم الدعم لتنفيذ هذه الاتفاقيات، وآمل أن ينظر أعضاء المجلس في هذا الطلب بشكل إيجابي.
ولا تزال مدينة درنة في الشرق تشهد اشتباكات متفرقة وقصف جوي. وتعمل الأمم المتحدة على تيسير تقديم المساعدات الإنسانية للأهالي المتضررين في المدينة. وهنا أكرر مناشدتي جميع الأطراف لضبط النفس وحماية أرواح المدنيين الأبرياء.
ولا تزال السجون ومراكز الاحتجاز تعج بممارسات سوء المعاملة والاستغلال، ولا نزال نعاني من صعوبة كبيرة في الدخول إلى هذه المرافق سواء في الشرق أم في الغرب. وقد أخذ اللاجئون وطالبو اللجوء القابعون في مراكز الإيواء باللجوء إلى الإضراب عن الطعام علّهم يجدون مخرجاً من ظروف المعيشة الحالكة التي يقاسونها.
غير أنه لا ينبغي استخدام هذا الوضع كذريعة لأي مجموعة مسلحة لفتح البوابات للإرهابيين والمجرمين المحتجزين في موقع ما لتهجيرهم إلى أماكن أخرى.
وطوال الوقت، يعاني الليبيون من تدهور ظروف المعيشة كما عانوا في السنوات السابقة. والآن، وبالنسبة لكثير منهم، كل يوم يمر ما هو إلا محنة تعصف بهم.
السيد الرئيس، أعضاء المجلس الكرام
يجب ألّا نعود إلى الوضع الذي كان قائماً في السابق.
فخلف كل أزمة تكمن فرصة يتعين استغلالها لمعالجة الأسباب الكامنة وراءها.
فمن أجل إعادة الاستقرار إلى ليبيا، ثمة ضرورة ملحّة لإرساء مؤسسات مدنية وعسكرية قوية وموحدة تعمل لمصلحة جميع المواطنين على حد سواء.
وتركز البعثة جهودها الآن في مجالين متداخلين وهما:
أولاً، ومن أجل ترسيخ وقف إطلاق النار، نعمل على مراجعة الوضع الأمني في مدينة طرابلس بغية الحد من تأثير المجموعات التي تلجأ إلى السلاح لتحقيق مآربها الضيقة.
وفي الأيام القادمة، ستواصل البعثة إجراء مشاورات واسعة النطاق لتعزيز وقف إطلاق النار والمساعدة في وضع آلية للرصد. وفي الوقت ذاته، سنواصل العمل مع نظرائنا الليبيين لتحديد خطوات ملموسة نحو إعادة تشكيل الوضع الأمني في العاصمة ووضع ترتيبات أكثر استدامة.
وسوف تسعى البعثة إلى تيسير هذا الجهد بطريقة شاملة وعملية، واضعة بذلك الأسس لجهود أطول أجلاً تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلاد من خلال إعادة توحيد مؤسسات قطاع الأمن.
فالترتيبات الأمنية المعتمدة في السابق أسهمت في تمكين مجموعات تصرفت بطريقة تقوم على النهب بحق أهالي العاصمة وبحق الدولة وبحق المؤسسات السيادية.
وبالفعل، قام عناصر بعض المجموعات المسلحة العاملة إسمياً تحت إشراف وزارة الداخلية باختطاف وتعذيب وقتل موظفين في مؤسسات سيادية، بينها المؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار.
ولقيت انتقاداتنا العلنية للممارسات القائمة على النهب والتي تقوم بها المجموعات المسلحة في أرجاء العاصمة ترحيباً حاراً من الليبيين الذين ضاقوا ذرعاً بالعيش على خط الفقر بينما تُنهب مواردهم الوطنية على أيدي مسلحين أصبحوا من أصحاب الملايين. وفي كثير من الحالات، كان لمواقفنا أثرها الناجع. فحالة ارتهان الدولة هذه لا بد لها من نهاية، ولكن ليس لفائدة مجموعات مسلحة أخرى، بل من أجل تحقيق السيطرة الكاملة للسلطات الشرعية. ولدعمكم في هذا الشأن أهمية بالغة.
السيد الرئيس،
تتمثل ثاني أولويات البعثة في معالجة القضايا الاقتصادية التي تشكل أساس الأزمة وتتسبب في تدهور الحياة اليومية للمواطنين في جميع أنحاء البلاد. أود أن أقول بصراحة أنه إذا لم يتم وضع حد للسلب، فإن الفرص تتضاءل أمامنا في إمكانية إحراز أي تقدم في الإصلاحات الاقتصادية أو العملية السياسية.
لذا فإننا نحث على العمل على الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها والتي تعدّ ضرورية وطال انتظارها. وأدعو مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق الوطني إلى المضي قدماً وعلى الفور في الإصلاحات المتعلقة بسعر صرف العملة والدعم الحكومي.
كما إننا ملتزمون أيضاً بالدعوة إلى توزيع أكثر إنصافاً للثروة في ليبيا، لا يركز على استرضاء المجموعات بناءً على قوتهم العسكرية، بل على تأمين معيشة المواطنين بناءً على احتياجاتهم.
وترى البعثة في طلب رئيس الوزراء، فائز السراج، للدعم الدولي لإجراء مراجعة مالية فرصة ثمينة لتحقيق الشفافية والمساءلة بشأن كيفية إدارة ثروات البلاد.
واستجابة لطلب مجلس الأمن من البعثة في 19 تموز/ يوليو تقديم اقتراحات بشأن طرائق إجراء هذه المراجعة، فقد انخرطتُ في العمل مع شركاء ليبيين ودوليين.
وقمت بجمع محافظ المصرف المركزي الليبي المعترف به دولياً في طرابلس ورئيس المصرف المركزي الموازي في الشرق في اجتماع في مكتب البعثة من أجل الاتفاق على المعايير العامة للمراجعة. وفي 24 أغسطس، قدم الأمين العام إلى هذا المجلس مقترحاتي بشأن كيفية المضي في المراجعة.
وقد بعثت هذه العملية التمهيدية أملاً، حيث رحب العديد من الليبيين باجتماع هذين المسؤولَين وهو أمر لم يحدث طوال السنوات الأربعة الماضية. وكانت تلك خطوة أولى نحو توحيد المصرف المركزي، والتي بدورها تعدّ خطوة هامة للغاية نحو توحيد البلاد.
السيد الرئيس، أعضاء المجلس الكرام
عندما تتوقف العملية السياسية، سيعتقد البعض أن هناك فرصة لفرض التغيير عبر فوهات البنادق.
وقد اتخذ الشعب الليبي قراراً واضحاً حول كيف ينبغي ان يحدث هذا التغيير – من خلال الانتخابات وبشكل سلمي وديمقراطي. وقد انعكس هذا بشكل واسع أثناء مشاورات الملتقى الوطني – وهناك تقرير قيد الإعداد بهذا الشأن.
ليس من المستغرب أن الليبيين يريدون تغييراً في قيادتهم السياسية. فقد تم انتخاب أعضاء مجلس النواب منذ أكثر من أربع سنوات من قبل خمسة عشر بالمائة من السكان. وتم انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للدولة، الذي يمثل جزءاً بسيطاً من أعضاء المؤتمر الوطني العام، قبل ست سنوات. فيما تولت حكومة الوفاق الوطني مهامها ليس من خلال الانتخابات، بل بالتعيين وكثير منهم لم يمارسوا مهام عملهم منذ فترة طويلة.
ولكي يتم إجراء الانتخابات الوطنية، يجب استيفاء عدد من الشروط التي تستلزم جهداً كبيراً لتحقيقها، إلا أنها قابلة للتحقيق. وتعمل الأمم المتحدة جاهدة لوضع هذه الشروط موضع التنفيذ، وتشكر المجتمع الدولي على دعمه لها.
مرة تلو الأخرى، وعد مجلس النواب بتشريع قانون الاستفتاء والانتخابات. وبعد ثلاث جلسات كُرست لقانون الاستفتاء، وتأخيرات عديدة، أخفق مجلس النواب في سنّ هذا القانون. ولم يدخر أولئك الذين لديهم مصلحة في إبقاء الوضع الراهن أي جهد لمقاومة التغيير المطلوب.
لن أزوق الكلام، فالكثير من أعضاء مجلس النواب يخفقون في القيام بعملهم على النحو الواجب. ويسعون إلى تخريب العملية السياسية لتحقيق مآرب شخصية خلف ستار الإجراءات. فالأمر واضح، هم ببساطة ليست لديهم النية في التخلي عن مناصبهم. وقد وضعوا أحكاماً قانونية يبتغى منها البقاء في السلطة إلى الأبد.
ومن أجل طموحات شخصية للبعض، دفع جميع مواطني ليبيا أثماناً باهظة.
أرحب بأي تقارب بين المجلسين وأنوّه باجتماعاتهما الأخيرة في طرابلس غير أنه يتوجب توجيه هذا النشاط لتحقيق تقدم في العملية السياسية، وليس لضمان إطالة عمر المجلسين.
واتساقاً مع تعليمات الأمين العام للأمم المتحدة، فقد استنفدت كل الطرق التقليدية في سبيل الدفع بالعملية التشريعية إلى الأمام. وإلى يومنا هذا، لا تزال هذه الطرق إما مسدودة أو أنها مصممة بحيث لا تفضي إلى أية نتيجة.
فإذا لم يتم تشريع القانون قريباً، فإننا لن نستمر في هذا النهج.
إذ ثمة سبل أخرى لتحقيق التغيير السياسي على نحو سلمي وسوف نتبناها دون تردد، وبكل حماس بالتأكيد.
السيد الرئيس، أعضاء المجلس الكرام
أدرك تمام الإدراك أن أعضاء هذا المجلس ليسوا محض متفرجين على الأزمة الليبية، ويرغبون في إنهائها في أسرع وقت ممكن. إن موقفهم الموحد والحاسم والصريح هو ما يحتاج الليبيون سماعه، إذا ما أريد لمواطني هذا البلد أن ينعموا بالسلام والهدوء اللذين يتوقون إليهما. ( وال – طرابلس) ع ع