بنغازي 29 أبريل 2019 (وال) – لدى الكتب القوة على نقلنا لأمكنة وأزمنة غير مألوفة، وتفتح أمامنا أفكارًا وطرقًا جديدة للتفكير، هو ليس يومًا عالميًّا للكتاب، بل هو أيضًا إحياء ذكرى من بذلوا جهدًا من أجل البشرية، فالكتب ليست مجرد أوراق طبعت عليها جمل، بل هي “بشر” حاضرون معنا، حتى لو اندثرت أجسادهم.
يحيي العالم يوم 23 أبريل من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للكتاب ولحقوق النشر والتأليف، مستندًا في تحديد هذا اليوم بالذات إلى ولادة أو وفاة عدد من أهم أدباء العالم فيه، إذ توفي في هذا اليوم عام 1616 ميلادي كل من الكاتب الإسباني ميشيل دي سرفا نتس مؤلف “دون كيخوته” الشهيرة، التي تعد أول رواية بالمعنى الحديث في العالم، كذلك رحيل الشاعر البريطاني الشهير وليم شكسبير، صاحب المسرحيات العظيمة التي لا يزال الناس يقرؤونها ويعيدون تقديمها في مطبوعات جديدة أو على خشبة المسرح، وأيضا لإبراز مكانة الكتاب والمؤلفين، والتعبير عن تقديرها لكل من أسهموا في إنشاء طريق التقدم الاجتماعي والمعرفي والثقافي ووضعوه في خدمة الناس.
وتم الاتفاق على يوم اختارته منظمة اليونسكو عام 1995 ميلادي، وانطلقت فكرة هذه الاحتفالية الأممية من إقليم كتالوني الإسباني، حيث من التقليدي في هذا اليوم بالذات إهداء وردة عند شراء كتاب.
بالثقافة تُبنى الأوطان
فاعليات سبقت الحدث (بنغازي بين سطور الثقافة) من أبرز الفاعليات التي سبقت اليوم العالمي معرض الكتاب في كلية الهندسة جامعة بنغازي، حيث شهد إقبالًا شبابيًّا واسعًا على معرض الكتاب الذي يقام لأول مرة داخل كلية الهندسة في 13 أبريل الجاري تحت شعار “العلم نور” بتنسيق من قبل اتحاد طلبة كلية الهندسة والاتحاد العام لطلاب الجامعة.
وشارك عدد كبير من المكتبات، ودور النشر من بنغازي، وكذلك عروض لمواهب الطلبة من رسم وتصوير وأشغال يدوية، بالإضافة إلى مشاركة من اللجنة الوطنية لألعاب الخفة والخدع البصرية، وتضمن الختام تكريم لكل من أسهم في إحياء هذا المهرجان من مشاركين ومتعاونين.
وقال رئيس اتحاد طلبة كلية الهندسة جامعة بنغازي ورئيس اللجنة المنظمة لمعرض الكتاب داخل الكلية تامر الجلالي :”نظمنا معرضًا داخل مكتبة الكلية التي تتم صيانتها بعد دمار الحرب، وبمجهودات ذاتية، هذا المعرض يسهم في إخراج الطلبة من ضغط الامتحانات والدراسة”.
وأضاف الجلالي :”هذا المعرض من أكبر المعارض داخل جامعة بنغازي، وشارك فيه أكثر من 12 مكتبة ودار نشر داخل المدينة، والمكتبة المركزية بجامعة بنغازي، وأيضا بمشاركة ألعاب الخفة، ومعارض للصور، والتحف والكروشي لإبراز مواهب الطلبة داخل وخارج الكلية”.
وأشار رئيس اتحاد الطلبة إلى أن الدعوة للمعرض كانت عامة لجميع طلبة مدينة بنغازي للمشاركة فيه مؤكدًا أن الإقبال كان كبيرًا جدا، وغير متوقع، وكانت الفرحة كبيرة.
فاعليات ضمن الحدث
“تاناروت” تردم رماد الحرب (رصيف القراء يتحدى الدمار) كل مرة تفاجئنا (تاناروت) بإحيائها لليوم العالمي للكتاب على طريقتها الخاصة، وهذه المرة كانت وجهتها إلى (وسط البلاد) بالتحديد شارع عمر المختار المعروف بشارع المكتبات في مدينة بنغازي، لإيصال رسالة “رغم الدمار سنبني مدينتنا بالثقافة والعلم”، وأيضا لإعادة إحياء الشارع بالقرّاء تحت شعار (رصيف القراء).
ويقول أحد الزوار: “أسعدني نشاط تاناروت، والرسالة التي يريدون إيصالها”.
وقالت زائرة: “كان يومًا مميزًا جدًا، مليئًا بالفاعليات من قراءة، وعزف، وتبادل ثقافات وغيرها”.
تاناروت لخصت معنى ما كتبه الأديب الراحل الصادق النيهوم “يارب، دع سماءك تمطر كتبًا، دعها تمطر مدارس جيدة ومعلمين وكتبًا” في (رصيف القراء).
البيضاء تجالس الكتاب
وفي السياق ذاته، استضافت جامعة عمر المختار في مدينة البيضاء عددًا من المكتبات، ودور النشر لإحياء اليوم العالمي للكتاب، ضمن معرض ضم قائمة مليئة بأسماء مؤلفات تسر الناظرين، وكتب قيّمة ومتنوّعة.
وحرصت الجامعة أن تبرز الكتّاب الليبيين في معرضها وكان من أهمهم: عبد الباسط أبوبكر محمد، عبد الله هارون، خديجة بسيكري، والصادق النيهوم، وعائشة إبراهيم، ونجوى بن شتوان، والأديب إبراهيم الكوني.
يونسكو: ثقافة الكلمات
واحتفلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف تحت شعار “افتح كتابًا.. تفتح أذهانًا”.
ويهدف الاحتفال هذا العام لدراسة واستعراض الطرق المناسبة لنشر ثقافة الكلمات المطبوعة، والسماح للجميع بالوصول إليها، وذلك من خلال برامج محو الأمية وموارد تعليمية مفتوحة، ودعم التوظيف في مجال النشر.
وأعلنت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، مدينة الشارقة في دولة الإمارات العربيّة المتحدة عاصمة عالميّة للكتاب لعام 2019، وذلك بناء على توصية من لجنة استشاريّة اجتمعت في مقرّ الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات في لاهاي، ووقع الاختيار على الشارقة نظرًا للطبيعة الابتكاريّة.
وتم إعلان مدينة الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019، لتكون أول مدينة خليجية تنال هذا اللقب، والثالثة في الوطن العربي، بعد كل من مدينة بيروت والإسكندرية، والتاسعة عشر على مستوى العالم.
بغداد العاصمة المثقفة
وتميزت العراق هذه السنة بعاصمتها بغداد التي تقرأ، وأصبحت تطبع وتنشر أيضًا، وذلك عبر احتفالية كبيرة قامت بها دور النشر والمكتبات وسط العاصمة، لتثبت للعالم بأن الشعب العراقي ليس بالشعب القارئ والمثقف فقط، بل هو من علم الأجيال الأبجدية منذُ آلاف السنين، وما يحدث الآن من ثورة بالكتابة والطباعة والقراءة والنشر مجتمعة في ظل الظروف الصعبة هو إنجاز كبير يستحق أن نفخر به عربًا.
القراء في القاهرة متعة
واحتفلت مكتبة القاهرة الكبرى، التابعة لقطاع شؤون الإنتاج الثقافي، باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف تحت شعار “القراءة متعة لا تنتهي”.
وتم إهداء كل الزوار كتابًا، ذلك تقديرا لدور الكتاب والمؤلفين لما يقدمونه من إيصال رسالة ثقافية، وتشجيع أفراد المجتمع على القراءة والاطلاع، خاصة بين الشباب.
تصنيف عالمي
من أضخم مكتبات العالم تأتي في المرتبة الأولى مكتبة الكونجرس 30 مليون كتابًا، ثم في الثاني المكتبة الوطنية الصينية 22 مليون كتابًا، والثالث مكتبة الأكاديمية الروسية للعلوم 20 مليون كتابًا، وفي المرتبة الرابعة المكتبة الوطنية الكندية 18.800 مليون كتابًا، وفي الخامسة المكتبة الوطنية الألمانية 18.500 مليون كتابًا.
ما يدعو للأسف الشديد أن عدد المكتبات العامة في الدول العربية مجتمعة لا يزيد على (4500) مكتبة من كافة الأحجام وربما عدد المكتبات العامة ذات الوزن والأهمية في الوطن العربي لا يتعدى الألف مكتبة فقط، هذا يعني أن لكل 71 ألف نسمة من السكان العرب مكتبة عامة واحدة فقط، بدلا من 12 مكتبة حسب المعايير الدولية.
ورغم عديد من الفاعليات الكثيرة في هذا الصدد، مازالت الدول العربية، وبالأخص دولة ليبيا، تتصدر قائمة الدول غير القارئة.
لكن سيظل القائمون على هذا النوع من الاحتفاليات مستمرين في القيام بها على الرغم من كل ما تعانيه دولتنا من صراعات ونقص الإمكانيات، وسيظل شعارهم نقرأ لنعرف فنتثقف. (وال – بنغازي) م ن / ع ط / ع ع