بنغازي 29 يناير 2020 (وال) – استوقفني عملها رفقة زميلاتها داخل قسم الكُلى في مركز بنغازي الطبي، واهتمامهن الكبير بالمرضى ومدهِن جسوراً للتودّد والتقرّب مع كل مريض يتلقى الغسيل الدموى كلٌ حسب موعد جلسته المرهقة بحسب وصفهم لها .
لم ألحظ حرجاً من العم “علي العقيلي” والذي كان يتلقى جلسة الغسيل على أحدى وحدات التنقية الدموية، عندما استأذنته الاختصاصية الاجتماعية أمباركه العريبي لالتقاط صورة صحبتها كنت قد طلبتها لإرفاقها مع تقريري الصحافي .
أمباركه تقول، في سردها عن أهمية دور الاختصاصي الاجتماعي في المجال الطبي وتعاونه مع الطبيب والمسؤولين في الفريق الطبي المعالج لتذليل الصعوبات والمشاكل الاجتماعية، أن الهدف هو مساعدة المريض للوصول إلى الشفاء بأسرع وقت ممكن، والقضاء على المشاكل التي يعاني منها في البيئة المحيطة، ونشر الوعي والثقافة الصحية للوقاية من المرض، وربط المستشفى بالمجتمع الخارجي ومؤسساته .
باشرت الاختصاصية الاجتماعية أمباركه عملها في قسم الرعاية الاجتماعية مطلع العام 2010 في مركز بنغازي الطبي، أكبر المراكز الطبية في المنطقة الشرقية، وضم القسم قرابة 40 موظفاً وموظفة يحملون شهادات جامعية تخصص علم الاجتماع والنفس، بقيادة أول رئيس للقسم منذ إنشاءه آنذاك “مرعي الفسيي” .
وتابعت “نحن بدأنا العمل في وحدة الغسيل الدموي في شهر نوفمبر العام 2013، لكن الغسيل بدأ في شهر ديسمبر، وأقيم حفلة الافتتاحية مع إحياء اليوم العالمي للكلى ” .
وحدثتنا أمباركه عن طبيعة العمل في وحدة عناية القلب CCU :” تختلف الحالات التي ترد إلى الوحدة، ما بين جلطات وانسداد في الشرايين وارتفاع في الضغط وعدم تنظيم نبضات القلب”، متابعة “أول ما نحكي مع المريض نحسّسه بالأمان قبل أي شىء، ونسال عن أحواله ووضعه الصحي، وبمجرد أن حسّ بالأمان معايا وبدأ يحكيلي نعرف طبيعة شكواه وكيف تعرض للجلطة” .
وتعود مسببات دخول المرضى للوحدة بحسب الاختصاصية أمباركه، إلى ظروف كل مريض، فمنهم من تعرض لمشاكل اجتماعية وواجهته مواقف شَعَر بسببها بالحزن الشديد، وتقول:”شعورهم بالاطمئنان ناحيتي هو أهم مرحلة تساعدني في سبر أغوارهم ومعرفة أمور كثيرة عن حياتهم وأوضاعهم المعيشية، كذلك نحن لا نصرف الأدوية نحن علاجنا معنوي فقط” .
يختلف أسلوب التواصل مع المرضى من اختصاصي إلى آخر، عني فأنا لا أكتب ملاحظاتي أمام المريض الذي أتابع حالته المرضية، واكتفي بتقديم استبيان يحتوي معلومات عنه”، ولا يقتصر دور الاختصاصي الاجتماعية، على الاستماع إلى المرضى وتعبئة الاستبيانات المعدة لدراسة حالاتهم وإدراجها في الملفات وحفظها، بل يتعدى دورها هي وزميلاتها إلى تقديم المساعدة وتوفير العلاج عبر التواصل مع المنظمات الأهلية .
وترى الاختصاصية الاجتماعية أمباركه أن دروها يقتضي أيضاً التخفيف بما يتراوح نسبته من 60% إلى 70% من حالات الاكتئاب والقلق لدى المرضى أثناء تواجدهم في المركز الطبي، وترتفع نسبة جهودها بالأخص مع المرضى الناجين من محاولة الانتحار وحالات الإدمان ومرضى الأورام، وإحالة البعض منهم على اختصاصي نفسي.
ويواجه الاختصاصيون الاجتماعيون صعوبات في كتابة التقارير حول حالة المرضى المشرفين على متابعة أوضاعهم، حيث كان يُنظر إليها من قبل إدارة المركز بعد مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام، أما بعد أحداث 17 فبراير وأحداث معركة الكرامة فالأوضاع كما أخبرتنا “مباركة” اختلفت، فأحياناً لايوجد أي استجابة خاصة من ناحية توفير الأدوية، كما أن أغلب التحاليل باتت غير متوفرة بسبب الوضع السائد في البلاد وقلة الإمكانيات في المركز.
العمل في قسم الرعاية الاجتماعية انطلق في شهر أغسطس من العام 2010، بعناصر تقول محدثتنا:” بسيطة جداً موزعة على الأقسام، ثم بدأ العمل بنشاط حيوي واضح وملموس داخل المركز الأمر الذي أدى إلى زيادة مجموعة كبيرة من الأختصاصيات الاجتماعيات .
وكذلك الاختصاصيات النفسيات، حيث تم توزيعهن على جميع الأقسام خلال الفترتين الصباحية والمسائية لكي يكون العمل متكاملاً داخل المركز ومن أجل المرضى، والتواصل مع عائلاتهم لتحقيق السرعة في معالجة المريض” .
ولكي نسبر غور قسم الرعاية الاجتماعية ونستعرض تاريخ إنشائه، كان لنا لقاء مع أول رئيس للقسم، أستاذ مرعي الفسيي، في مكتبه داخل المجمع الصحي الكيش، بصفته الحالية مديراً عاماً للمجمع، بعد أن شغل أيضاً مديراً للشؤون الإدارية والمالية في مركز بنغازي الطبي ما بين عامي 2017 و2018 .
“بدأنا في تأسيس قسم الرعاية الاجتماعية في بداية افتتاح مركز بنغازي الطبي في العام 2009 أو ما اشتهر محلياً ب”مستشفى 1200 سرير”، ويقول الفسيي:”تولى إدارة المستشفى حينها، دكتور محمد جبريل البريكي وكانت الإدارة شراكة ما بين الإدارة الليبية والشركة الفرنسية دينوس” .
يقول الفسيي:”السياسة التي كانت متبعة داخل المركزآنذاك هي عدم وجود مرافق للمريض كونه مستشفى مرجعي، ومن هنا جأت فكرة تعيين اختصاصي ونفسي كبديل عن المرافق الطبي، يتابع وضع المريض الصحي بالتواصل مع الطبيب المسؤول، وتسجيل ملاحظات المريض حول الخدمات المقدمة له سواء العلاجية أو خدمات النظافة والإعاشة وغيرها “.
تقارير شهرية عن الخدمات المقدمة داخل المركز الطبي، تتناول بدءً من عامل النظاقة إلى الاستشاري، كان الاختصاصيين الاجتماعيين يعدونها، إلى جانب تقارير أسبوعية تطبع باللغتين العربية والانجليزية تُحال إلى الشئون الإدارية، ورئيس هيئة التمريض الفرنسية “باتريشيا” .
ويحدثنا مرعي الفسيي”: الملاحظات كانت تؤخذ بعين الاعتبار، وكانت إدارة المركز تتابع بالكامل كل ما يتعلق بأوضاع المرضى واحتياجاتهم اليومية وفقاً للتقارير التي يعدها القسم دون أي تأخير” .
تواجد الاختصاصي الاجتماعي يقول الفسيي، خفّف الحمل عن الأطباء في التعامل مع أسرة المريض، وبات تواصلهم فقط مع الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، كما خفّف أيضاً من أوقات الزيارة، وعدم إزعاج الطبيب في أوقات مروره على المرضى .
وأكد الفسيي أنه:”وبناءً على التقارير التي نعدها داخل القسم، كانت تصرف المستخلصات المالية لشركات الإعاشة والنظافة، طبقاً لنسبة الرضا عن تلك الخدمات والتي يُقرها المرضى ضمن استمارات استبيان يقوم الاختصاصي الاجتماعي بتعبئتها”.
واُدرجت خدمات الرعاية الاجتماعية إلى مجال الطب في بريطانيا خلال العام 1880، لأهميتها في دعم الإجراءات الطبية المرتبطة بالخطط العلاجية للمرضى النفسيين بعد خروجهم من المستشفيات.
واضطلعت جمعيات أهلية بمهام الرعاية بمن لاعائل لهم، تلا ذلك ظهور الخدمة الاجتماعية الطبية المتخصصة في مدينة نيويورك في العام 1904، وإنشاء أول قسم للخدمة الاجتماعية في مستشفى ماساشوستس العام 1905، وتأخر ظهور خدمات الرعاية الاجتماعية والنفسية في المرافق الطبية في مستشفيات الدول العربية ومن بينها ليبيا سنوات طويلة ولم تفعّل بالصورة المطلوبة وهو ما أكدته وزير الصحة السابق في حكومة الكيب فاطمة الحمروش .
ويجري في المراسلات الرسمية كتابة “أخصائي اجتماعي” و”أخصائي نفسي” وهو خطأ مشاع أيضاً لدى عامة الناس، المفتش التربوي بديوان تعليم بنغازي علي مخلوف انتقد القاعدة التي تقول أن “خطأ شائع خيرٌ من صحيح مستحدث”، ويقول بأنها قاعدة استحدثت في الصحافة لتبرير الخطأ لا للوقوف عنده بجدية وتعديله تماشياً مع اللغة العربية الصحيحة .
الاستشاري التربوي نادية البكوش قالت أن مصطلح “أخصائي اجتماعي” أخذ حيزاً كبيراُ من الجدل إلا أنه المصطلح لا يزال مستخدماً إلى وقتنا هذا . ( وال – بنغازي) فاتح مناع