بنغازي 08 فبراير 2020 (وال) – واقع نراه علي أرض صلبة يجسد في ثوب العطاء والإيمان بالله وبالذات، واقع يزرع فينا النظر بعين الرضى وتخضر فيها حقول الإيجابية والحب والخير والبناء، وعمارة الأرض والأنفس .
هم يعيشون بيننا ولم نرهم بعين الإبداع، رأيناهم فقط بعين الاحتياج، هم قوة وعطاء وحب وبناء، أثبتوا أنفسهم بقوة عطائهم وأرسلوا لنا رسائل أن لا شيء مستحيل، وأن كل شيء قابل للتغيير طالما نحن موجودون .
ذوو الإعاقة في بلادنا، قوة بشرية تعطي لنا كل يوم درساً، في العطاء والمثابرة والنجاح والتميز والإبداع، “حامد الجبالي”معاق شلل رباعي، برزمن بين ركام الوجع في محطات الحياة التي نعيشها الآن في بلادنا، ليقول لنا :”مازال الخير قائم ومازالت الحياة تعطي ثمار البناء والحب والنجاح والسلام” .
يقول حامد الجبالي ابن الخامسة والأربعين ربيعاً ” شاء القدر أن أتعرض منذ 25 عاماً مضت لحادثة سير في مدينة طرابلس، نتج عنه إصابتي بكسر في العمود الفقري وتهتك بالنخاع الشوكي، الحادثة تسببت في إصابة “حامد” بشلل رباعي في الأطراف العلوية والسفلية وما تبعها من مشاكل صحية ونفسية .
واستطاع “حامد” بعد ثلاث سنوات وفق حديثه معنا، أن يتغلب على وجعه، وأن يكسر ألمه على صخرة الإيمان بقضاء الله وقدره، وأن ينفض عنه غبار الإعياء، وأن يمضي قدماً طارقًا بابًا جديدًا من أبواب الأمل والرغبة في الحياة .
درس “حامد” قبل أن يجلس على كرسيه المتحرك، علم الهندسة الميكانيكية، وبما أن كل شيء بدأ يتغير في حياته، غيّر مجال اهتماماته واتجه إلى دراسة أخرى وعلم آخر يتماشي مع واقع إصابته .
اهتم “حامد” بدايةً بالجانب الإعلامي، يقول :” إيماناً مني بأن الإعلام له دور في بناء الإنسان وبناء الأوطان، بشرط أن يكون إعلام ذو هدف وأن يكون من يرسل رسائل الأمل والجد، ذو رؤية وهدف واضح، لبناء مجتمع ودولة علي أركان قوية يعمها الخير والحب والسلام” .
واضطلع وبدون أي كلل في تحدٍ لعجزه، فكتب ونشر عن قضايا المجتمع ووضع رؤى وحلول، في أكثر من صحيفة وموقع الإلكتروني، من بينها صحيفة أخبار بنغازي، وصحيفتا الفجر، والشمس، وبات له مقال ثابت في صحيفة قورينا تحت عنوان “مجرد رأي” كنقد ساخر حسب قوله .
كما شغل “حامد” مدققاً لغوياً في أحدى الصحف، وعمل مراسلاً لوكالة أنباء الشرق الأوسط في حينها لفترة محدودة، ثم كانت له العديد من اللقاءات الإذاعية والتلفزيونية، التي كان يطرح من خلالها قضايا المجتمع، منها زواج القاصرات والزواج من ذوي الإعاقة، والتعامل مع المراهقين ومشاكل عقوق الوالدين وتعامل الأخوة الذكور مع شقيقاتهم، وآثار العديد من القضايا من بينها مشاكل رياضة ذوي الإعاقة .
إلى جانب اهتماماته بالقضايا المجتمعية، ألقى “حامد” وهو جالس على كرسيه المتحرك، العديد من المحاضرات التنورية وفقاً لوصفه، ونظم ورشاً لتوعية لطلبة التعليم الثانوي عن ذوي الإعاقة وكيفية التعامل معهم وكيفية تقبل فكرة الإندماج، وأيضا كيفية التعامل مع مفهوم الحرية بطرق سليمة وصحية .
كما نظم ورشاً تناولت أهمية إدارة الوقت وقيمته في الجانب الدراسي، وطرق التفوق الدراسي، وبرامج عديدة أهتم كي يستفيد منها الطلبة، يضيف حامد:”هذا النشء المهم من أبنائنا الذين نعول عليهم في بناء الدولة الحديثة ، وأدعو جميع من يهمهم الأمر الاهتمام بالتعليم ورفع مستوى وعي الثقافة للطالب” .
واتجهت اهتمامات “حامد” نحو منهجية التنمية البشرية ، والاقتداء بسيد الخلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبدأ يقرأ ويتابع لبعض علماء التنمية البشرية وعلى رأسهم المرحوم الدكتور إبراهيم الفقي رائد التنمية البشرية بالوطن العربي، وأصبح مدربا معتمدا دولياً .
ونال “حامد” بعد جهد ونضال على الرخصة الدولية في التدريب من مؤسسة ثروة العقل الماليزية، ورخصة دولية في التدريب من الأكاديمية الكندية، والرخصة الدولية في التدريب من أكاديمية العداقي، والرخصة الدولية في التدريب من المعهد الدولي البريطاني للتدريب ومن البورد الأمريكي ومن مؤسسة التكامل الاقتصادي العربي التابع لجامعة الدول العربية، ومركز ضيف الغزال ومركز رؤى ومركز التواصل ببنغازي، ودرع المدرب الأفضل العربي من الأكاديمية الكندية .
كما تحصل على قلادة الإنسانية من منظمة حقوق الطفولة وذوي الإعاقة، وتحصل علي دبلوم التربية الخاصة لأطفال التوحد وأطفال متلازمة داون سندرووم واضطرابات السلوك والنطق للأطفال، يقول “حامد”:”عملت في هذا المجال مديراً لأحد المراكز ثم مديراً لأكاديمية المثابر الدولي لقسم الفئات الخاصة” .
لم يتوقف محدثتنا عن العطاء رغم ظروفه الصحية، وقام بتدريب العديد وإلقاء محاضرات في مجال التنمية البشرية للعديد من الفئات العمرية “أطفال، طلبة، شباب، كبار”، وتخرج علي يديه مجموعة من المدربين والمدربات يعملون الآن في حقول التدريب سواء التنمية البشرية أو التربية الخاصة .
“شاركت في العديد من المؤتمرات داخل وخارج الوطن، وجرى تكريمي في مؤتمر في المملكة المغربية، وكُرمت في مؤتمر في مهرجان القاهرة الدولي للمبدعين من ذوي الإعاقة، وتحصلت علي ماجستير في التنمية البشرية”، “حامد” يقول أنه مارس رياضة تنس الطاولة وتحصل على كأس بنغازي وميداليتين برونزية وذهبية في إحدى المسابقات على مستوي ليبيا .
تكللت محطات حياة “حامد” العلمية والمهنية مطلع هذا العام وتحديداً بتاريخ 31 يناير الماضي، بحصوله على درجة الدكتوراه المهنية في مجال التنمية البشرية من جامعة الإسكندرية، وتحصل على دكتوراه فخرية في مجال حقوق الإنسان وذوي الإعاقة من مركز البحوث والدراسات العلمية بالقاهرة .
وهنا تأتي الخاتمة المفتوحة كون أقران دكتور حامد الجبالي، والطامحين أمثاله، تجدهم دائماً متعطشين لمنابع العلم، فلا يوجد سقف لطموحاتهم، وينهلون من كل ماهو جديد، وتعلمنا قصص كفاحهم أن لا شيء صعب ولا شيء مستحيل مادمنا مؤمنين بذاتنا . (وال – بنغازي) م ن / ف ع