درنة 07 يوليو 2020 (وال) _ المكان، غرفة العناية الفائقة في مبنى وحدة العيادات المجمعة محمود الهريش “مجمع الهريش” الواقع في منطقة وسط البلاد في مدينة درنة، ثالث أكبر المدن في الشرق الليبي، تربض في جوانبها الضيقة فقط أربعة أسرّة، ومثيلها في العدد، أجهزة تنفس صناعي أحدها لا يعمل، هذا ما ذكرته فنية عناية فائقة “أمينة عيسى”، زمن مباشرتها العمل داخل المرفق الطبي في العام 2014 .
تحدثتنا، “أمينة” عن المعاناة التي عاصرتها داخل غرفة العناية الفائقة، خلال سيطرة التنظيمات الإرهابية على المدينة قائلة:”تعرضنا مراراً خلال عملنا في فترات الأزمة، للسب والشتم، وكان النقص في الأدوية والمستلزمات، مصدر أرق دائم لنا، ورغم ذلك لم نخذل المرضى”، وتؤكد:”ما همنا الناس واعتقاداتهم، تعرضنا لمواقف تم فيها رفع السلاح أمام وجوهنا، لكننا لم نخف ولم نيأس”.
وتضيف:”في هذا المكان المتهالك، تعلمنا وتألمنا في جوانبه، وفرحنا مع فرحة خروج مريض، وبكينا لموت أشخاص كنا نعرفهم وآخرون لم نكن نعرفهم عاشوا معنا داخل حوائط المستشفى أياماً وشهوراً، غادرت هذه الغرفة أرواح، وظلت أخرى كُتبت لها العافية” .
“مرت على درنة فترات صعبة، كنا نعمل على حالات أصيبت بطلقات ناريّة من المواجهات التي شهدتها أحياء المدينة، وحالات أخرى مُصابة جرّاء حوادث وحروق، كنا نعلم كخلية نحل، بل كنا كالجنود في ساحات الحرب”، هكذا تصف “أمينة” الحال، وعلى الرغم من نُكران الجميل تقول”لم نُهزم ولم نضعف” .
وخلال أوقات عملها صباحاً ومساءً، عاشت أمينة وفق حديثها، ساعات طويلة لا محل فيها للنوم، حتى خلال أيام العُطل الرسمية،والأعياد الدينية، لم تُطالب الأطقم الطبية بزيادة معاشاتهم، بل أن هنالك من كان يعمل بدون أن يتقاضى أي مكافأة، وما كان همهم إلا راحة المريض وطمأنة ذويهم، عدا المتطوعين الذين تواجدوا فترات الازدحام، وساهموا كثيرا في إنقاذ العديد من الأرواح .
تقول أمينة:”لم نميز بين مريض فقير أو غني، أو من أي عائلة أو من أي مدينة قادم، الكل هنا سواسية، ولا مكان للوساطة هنا”، وتواصل:”نبتعدوا عن مشاكلنا ونبتسموا للمريض، ولا نرغمهم على سماع أوجاعنا، بل نصطبر كي نشجعهم، وحتى حين نمرض لا نتوقف كأننا كائنات غير بشرية” .
درنة، التي عاشت حصاراً منذ العام 2011، واستمر قرابة 7سنوات، نتيجة سيطرة عناصر تنظيم القاعدة الجهادي، وجماعة التنظيم الإرهابي “داعش”، لم تتحر إلا حين قرّر سكانها الانتفاضة على تلك الجماعات الإرهابية، والالتحام مع قوات الجيش الليبي، كتبوا خلال سنوات كفاحهم انتصارات تفخر بها الأجيال القادمة، وأُعلن في الثامن والعشرين من يونيو العام 2018، تحرير المدينة وعودة الحياة الآمنة وبداية الاستقرار المعيشي والنفسي، وعودة الحركة التجارية في كامل أحيائها ومينائها البحري . (وال _ درنة)
رصد: فاتح المناع