تقرير : مروة الصبيحي
بنغازي 07 يوليو 2020 (وال) – شهدت مدينة سبها وعدد من مدن الجنوب الليبي حالات تنمّر جراء ظهور عدد من الحالات المصابة بفايروس كورونا رغم ظهورها في مدن أخرى من البلاد، فيما لا تنحصر خطورة الفايروس في سهولة انتقاله وسرعة الانتشار فقط، بل تمتد إلى نظرة بعض الأشخاص السلبية إلى الحالات المصابة والتي قد تصل إلى حد “التنمر”.
ورغم تأكيد الأبحاث العلمية أن كورونا يصيب الكل دون تمييز، يلجأ البعض إلى إخفاء إصابته أو إصابة فرد من أسرته بالفايروس، تجنبا للوصم الاجتماعي الذي يتعرض له حتى بعد التعافي.
وحذرت المنظمات الدولية المعنية بشؤون الصحة من تفاقم الوباء الذي أصاب معظم دول العالم، نتيجة إخفاء المصابين إصابتهم خوفا من قسوة النظرة الاجتماعية لهم.
واعتبر عدد من المواطنين من سكان مدينة سبها وعدد من مدن الجنوب إن مدنهم لم تكن السبب في استياء الوضع الوبائي المحلي في البلاد، لافتين إلى أنها كانت ضحية الإهمال الذي جعل الوباء يدخلها ويجعل منها بؤرة وبائية في ظل نقص الإمكانيات.
وقال المواطن سليمان الفزاني إن التنمر على سبها وسكانها كان جائرا، وأن من حق سبها أن تتنمر على من نقل الوباء إليها أولئك الذين سمحوا بدخول حاملي المرض عبر المطارات والمنافذ في مناطق غرب ليبيا، دون حجرهم طبيا لحين تبين سلامتهم.
وأضاف أن المجاملات وعدم تطبيق التدابير الاحترازية والوقائية بشكل حازم كان لها الأثر السلبي في وصول الوباء لسبها التي تعاني نقصا في الإمكانيات.
وأشار إلى أن تاريخ البشرية لم يذكر محاسبة أي شخص كان ضحية للإصابة بوباء أو نقله كون الجوائح لا تستثني أحدا.
ويزيد الوصم الاجتماعي من الرعب لتفاقم حالات الإصابة نتيجة إخفاء البعض إصابته، فيما بات غياب الوعي لدى الكثيرين بخطورة الفايروس وأعراضه وطرق انتقاله كلمة السر وراء حالات التنمر التي شهدتها بعض المجتمعات عقب تفشي الجائحة.
من جهته، قال المواطن محمد فرج إن مسوؤلية غياب ثقافة التعامل مع جائحة كورونا تعود لعدم وعي بعض المواطنين بالمخاطر النفسية الناجمة عن أزمة الفيروس المستجد، باعتبارها محور المرحلة المقبلة، والتي يطلق عليها علميا مرحلة ((التعايش مع الفايروس))، و تتمثل خطورة الاستهانة بها في كونها المنطلق الحاسم للحد من انتشاره.
وأضاف أن تنمّر بعض المواطنين على المناطق والمدن التي تكاثرت فيها أعداد المصابين يحول دون وعي المرضى بأهمية هذا التعايش، لكون المواطن القاطن بتلك المدن أو حتى النازح منها إلى مدن أخرى في حال ملاحظته للتعنيف اللفظي الذي يطال سكان المدن القادم منها يدفعه إلى إخفاء التاريخ الحقيقي لنزوحه، بل ورفضه لتطبيق إجراءات السلامة المعتد بها دوليا وبهذا يتخذ سلوك عدائيا في التعامل مع الفيروس.
وتابع قائلا إن “سلوك والتزام المواطن هو العامل الأكثر حسما في المواجهة وتقليل عدد الإصابات المحتملة، سواء على مستوى الممارسة في الشارع، أو من خلال التفاعل مع المؤسسات والهيئات المختلفة التي بدأت هي الأخرى في تطبيق الإجراءات الوقائية والاحترازية التي يتعين أن يلتزم بها المواطنين”.
من جهتها، عبرت المواطنة الليبية النازحة من مدينة سبها إلى بنغازي “فاطمة عبد السلام” عن أسفها لما وصفته بالتهجم اللفظي والمعنوي السافر على سكان مدينة سبها القادمين إلى مدينة بنغازي.
وقالت إن بعض سكان المدينة يحمّلون سبها وسكانها مسؤولية انتشار الفايروس مؤخرا في المدينة، مشيرة إلى بعض المدن الأخرى التي شهدت الحالات الصفرية للمرض ولم تشهد حالة التنمر ذاتها مثلما شهدتها سبها، معتبرة أن سبها ليست “ووهان الصينية” في ليبيا !!
ونددت بسخرية بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي من المرضى بالفايروس في سبها، ونشرهم لخطاب الكراهية والعنصرية والتحريض على قطع التعامل والابلاغ عن المواطنين ذوو الأصول الجنوبية (سبها) القادمين إلى بنغازي حتى قبل انتشار جائحة كورونا.
ولفتت السيدة فاطمة عبدالسلام أن لهذا السلوك نتائج عكسية تهدد الأمن الصحي لكافة المواطنين الليبين في مختلف المدن، موضحة أن سلوك التنمر العدائي على مرضى الفايروس أو حتى المدن التي شهدت انتشارا لعدد من الحالات من شأنه أن يؤثر على مصداقية المرضى وحتى الأشخاص المشتبه في إصابتهم، من خلال تكتمهم المقصود في الإعلان عن أعراض المرض أو الإصابة في حال كانت موجودة.
ومن ناحية نفسية، أوصت الاختصاصية النفسية الدكتورة سعاد المجبري في حديثها لوكالة الأنباء الليبية – لتجنب مخاطر التعرض للتنمر لسكان أي منطقة من المناطق التي ظهر فيها الوباء يجب أن يخضعوا للحجر الصحي لحماية الآخرين بعد احتكاكهم بشخص مصاب حتي يبتعدون عن التنمر وتحميل المسولية في سرعة انتشاره والبعد عن الوصم القاسي.
ودعت المجبري إلى الابتعاد عن الإساءة سواء كانت لفظية جسدية ونفسية، كاشفة أنها تأتي نتيجة لشعور المواطنين بالخوف من الإصابة بالوباء، ولذلك يستخدمون التنمر على المصابين، أو النزوح لعدم قناعتهم بالإجراءات الاحترازية والحجر الصحي اعتقادا منهم بأنه غير محكم وأنه مخالف لعاداتنا وتقاليدنا كونه يحث على البعد الاجتماعي.
دينيا، قال رئيس اللجنة العليا للإفتاء الشيخ أحمد محمد عبدالحفيظ في اتصال مع وكالة الانباء الليبية “ليعلم كل مَن قد أصيب بهذا المرض أن كل شيء بتقدير الله عز وجل، فليصبر وليحتسب، وليوقن أن شفاءه بيد الله سبحانه الذي يقول للشيء كن فيكون، وأن الله سبحانه قال في محكم آياته: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم).
وأضاف “ليلجأ إليه سبحانه بالدعاء، وليستعمل الرقية والتداوي بما ثبت في السنة، ولا يهمل التداوي بالأدوية التي يأمره بها الأطباء في هذا المجال، فيأخذ بأسباب الشفاء ويكون توكله على الرحمن الرحيم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء”.
ودعا الشيخ أحمد عبدالحفيظ المرضى بالمكوث حيث هم، وأن يجتنبوا مخالطة الغير، حتى يرفع الله ما بهم، وكي لا يكونوا سببا لإصابة غيرهم، قائلا: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في “الطاعون”: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه).
وتابع بالقول “من كان في عافية من الله عز وجل ولم يصبه ذاك المرض؛ فليحمد الله عز وجل، وليأخذ بأسباب الحفظ والوقاية، وليحذر أن يسخر من غيره أو يهزأ به ممن ابتلاهم الله عز وجل، فإنه لا يأمن إن استهزأ بإخيه المبتلى؛ أن يعافي الله أخاه ويبتليه هو، إضافة إلى أن الاستهزاء والسخرية بأخيه لا تجوز أصلا، قال الله عز وجل: (يأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن)، فليتق الله المسلم وليحذر هذه الأفعال التي هي من أسباب سخط الله وعقابه”.
و اختتم رئيس اللجنة العليا للإفتاء حديثه مخاطبا رجال الأمن والشرطة المعنيين بحظر التجوال بين المدن مثنيا على مجهوداتهم الطيبة في هذا المجال، و لافتا الى توصيته بأن يتقوا الله عز وجل، وأن يحافظوا على الأمانة التي أسندت إليهم، فهم مكلفون بمنع التنقل بين المدن، أو بمنع الناس من الخروج من المدن التي وجدت بها بعض الإصابات، لكي لا يتفاقم الوضع وتصعب السيطرة على الوباء، وحتى لا ينتقل الوباء إلى المدن الأخرى، محذرا من التساهل في عملهم موضحا انه يعتبر تضييع للأمانة، وتسبب في انتشار الوباء، ومخالفة لأوامر ولاة الأمر بالخصوص، مستشهدا بقول الله عز وجل في كتابه الكريم: (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).(وال – بنغازي) م ص / ع ع