طرابلس 30 نوفمبر 2020 (وال) – كثرت الفصائل المسلحة والمليشيات في طرابلس، وهناك أربع فصائل كبيرة، أهمها وأكثرها نفوذًا مليشيا “الردع” التي يترأسها الإرهابي عبد الرؤوف كارة، والتي تراوح عدد عناصرها في 2012م بين 1500 إلى 2000 شخص، وهو ثالث أقوى ورابع أكبر تشكيل ميليشياوي في طرابلس، والذي تأسس عام 2012م.
عبد الرؤوف كارة.. تاريخ من الجرائم
وتعود أصول زعيمها “عبد الرؤوف كارة”، إلى بلدية سوق الجمعة بشرق طرابلس، حيث يبلغ من العمر 40 عامًا، ويزعم أنه ينتمي للتيار السلفي، ومنذ العام 2012م يسيطر كارة، على سجن معيتيقة سيئ السمعة، حيث يتم تعذيب المدنيين بشتى أنواع التعذيب ويوجد به المعتقلون الذين لا يخضعون لأي محاكمة.
ولعبد الرؤوف كارة تاريخ حافل في عمليات التعذيب والقتل، حيث يُسبب اسمه الخوف والذعر بين المدنيين في مدينة طرابلس، والذي نصّب نفسه القاضي الشرعي بسجن معيتيقة يحكم بالإعدام والسجن والإفراج وفقا لأهوائه وأفكاره وليس اعتمادًا على قانون أو نصوص قضائية، في معارضة علنية لحقوق الإنسان.
وكان كارة أحد القادة الميدانيين بالعملية الإرهابية “فجر ليبيا”، حيث تم الإبلاغ عن جرائمه لمجلس الأمن الدولي في تقريره لعام 2015، وهو المسؤول الأول عن تهريب الأسلحة إلى داخل مدينة طرابلس وجميع أنحاء ليبيا.
الطريق إلى الشرعنة
وفي ظل “اللجنة الأمنية العليا” التي شكّلها المجلس الوطني الانتقالي في ديسمبر 2011م لجمع العناصر المشاركة في ثورة فبراير تحت مظلة واحدة، تم تحويل أفراد مجموعة “الردع” إلى رجال شرطة في طرابلس، وتم منحهم الموارد الإدارية اللازمة، ورغم كل الجرائم التي ترتكبها بحق المدنيين في ليبيا يتم تعريفها على أنها كيان مرتبط بـ “وزارة الداخلية” في حكومة الصخيرات المرفوضة، لديه الاستقلال المالي.
مكافأة السراج
وبسبب ارتباطها بعلاقة قوية بشخص رئيس ما يسمى “المجلس الرئاسي” لحكومة الصخيرات المرفوضة فائز السراج؛ فقد تمتعت مليشيا الردع بمميزات كبرى، كان أهمها القرار رقم “555” لعام 2018م، الذي نصّ على تحويل المليشيا إلى “جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب”.
وينصّ القانون على إعادة هيكلة مليشيا الردع، وضمّ جميع منتسبيها إلى جهاز أمني جديد يسمى “جهاز الردع”، بمعداتهم ورواتبهم ومقراتهم، ومنحها صلاحيات موسعة منها؛ مراقبة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومنح أعضاء الجهاز صفة “مأموري الضبط القضائي”، ومصادرة الأموال والأملاك المضبوطة وتخصيصها لتمويل الجهاز.
وكمكافأة أخرى للخدمات التي قدمتها مليشيا الردع لحكومة الصخيرات المرفوضة، المدعومة من قبل تركيا، تولى الإرهابي كارة السيطرة على إدارة “المصرف الليبي الخارجي” الذي يقدم خدمات الإقراض ليس فقط للقطاع الخاص، ولكن أيضًا للهيئات الحكومية.
مطار معيتيقة.. في قبضة الردع
وتتمثل قوة المليشيا وزعيمها عبد الرؤوف كارة، في عدة عوامل، أهمها السيطرة على نقطة مهمة استراتيجيًا وهي المطار الدولي الوحيد العامل في غرب البلاد “معيتيقة” واتخادها إياه مقراً لها، والذي تمر عبره جميع عمليات تهريب الأسلحة للمليشيات في طرابلس.
كما يتم استخدام مطار معيتيقة بنشاط من قبل الأمم المتحدة والبعثات الأجنبية والمنظمات الدولية، وجاء ذلك في أحدث تقرير لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أي أن قدرة حكومة السراج المرفوضة على الاتصال بالمنظمات الدولية، والتي بفضلها تجري هذه الحكومة حوارًا مع العالم، تعتمد على تجمع زعيمه الإرهابي عبد الرؤوف كارة.
البعثة الأممية تتهم “الردع” بارتكاب الجرائم
وفي 18 مارس الماضي، أعربت البعثة الأممية عن قلقها العميق إزاء الزيادة الأخيرة في عمليات الاختطاف والاختفاء القسري بالمدن والبلدات في أرجاء ليبيا من قبل الجماعات وإفلاتها التام من العقاب، متهمة المليشيات وعلى رأسها “الردع” بارتكاب هذه الجرائم، موضحة أنها اختطفت المدير العام لشركة الخطوط الجوية الأفريقية في مطلع الشهر ذاته، وأفرجت عنه بعد خمسة أيام، لتعود وتختطفه مرة أخرى بعد يومين من ذلك.
العفو الدولية توثق مداهمة المقاهي
وأكدت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها، أن مسلحين تابعين لمليشيا الردع، داهموا في أكتوبر من العام الماضي، اثنين من المقاهي في طرابلس لترهيب النساء الحاضرات دون مرافقة ذكر من أسرهن، وطلب المسلحون الاطلاع على وثائق زواج رواد المقهيين واصطحبوا الرواد الذكور الذين كانوا مع صديقات إلى خارجهما للاستجواب، وقالوا للنساء إن عليهن أن يكن بصحبة أزواجهن أو أقاربهن الذكور.
ومثلت الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الردع الإرهابية كثيرًا من التقارير التي رُفعت إلى منظمة الأمم المتحدة ففي عام 2017م، وفي 9 أكتوبر، تعرض صحفيان كانا متجهين لتغطية القتال في طرابلس، إلى إطلاق نار بطرابلس وأصيبا، وفي 27 أغسطس، ألقت قوات الأمن التابعة لحكومة الصخيرات المرفوضة، القبض على مصور ونقلته إلى سجن معيتيقة في طرابلس، حيث احتجز دون تهمة حتى 9 سبتمبر وتعرض لجميع أنواع التعذيب.
وضمن مسلسل جرائم الردع ما كشفه شهود عيان، بأن أحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين تم القبض عليهم بمدينة سرت عام 2016م ويدعى إبراهيم العماري، ذبح والديه وأخته واثنين من أبناء أخته بمنطقة بن عاشور، بعد إطلاق سراحه من قبل مليشيا الردع التي يترأسها عبد الرؤوف كاره، أثناء تحرير طرابلس.
وقبضت مليشيا باب تاجوراء، المتمركزة في شارع الظل المجاور، على الجاني، وقامت بتحويله إلى سجون مليشيا الردع بمعيتيقة من جديد، بعدما أفرج عنه الفترة الماضية خلال تحرير طرابلس بعد الصلاحيات الواسعة التي تحصلت عليها المليشيا بموجب قرار السراج رقم “555”.
تستعين بالدواعش والمتطرفين
وأطلقت مليشيا الردع العديد من المتطرفين خلال فترة الحرب للاستعانة بهم في القتال، ومن هؤلاء من ينتسب لتنظيم داعش وآخرين لمجالس شورى بنغازي ودرنة، فيما لايزال المُفتي المعزول الصادق الغرياني وتياره يطلبون الإفراج عن البقية بدعوى أنهم “ثوار”.
وأُفرج عن الدواعش والإرهابيين بدعاوى وحجج مختلفة؛ منها ما تم بضغوط سياسية وعسكرية داخلية وخارجية كانت المخابرات التركية على رأسها، وأخرى تمت بواساطات اجتماعية ومناطقية وتعهدات واهية كبادرة حسن نية من مليشيا الردع تجاه هؤلاء الذين يصفونها بـ”المدخلية”.
ويأتي إفراج الردع عن الإرهابيين والدواعش الذين يرتكبون الجرائم الجنائية في شوارع طرابلس ومدنها، في حين لا يزال الأسرى، داخل سجونها، رغم تحصلهم على براءة منذ أكثر من سنة، دون تنفيذ القرار حتى الآن.
وفي الوقت الذي ترفض فيه حكومة الصخيرات المرفوضة الانصياع لأحكام القضاء، تقوم مليشياتها المُتحكمة في السجون وبأوامر منها بالإفراج عن مساجين من الردع ذوي السوابق في جرائم القتل والتصفية والاغتيالات والخطف والابتزاز، للانضمام إلى محاور القتال في طرابلس وبأعداد خيالية من هؤلاء المجرمين.
وليست هذه الوقائع ببعيد، حيث أكد مصدر مُطلع أن مليشيا الردع أقدمت على إطلاق سراح أحد إرهابيي بنغازي الذي كان مسجونًا لدى المليشيا في أحد سجونها، ويُدعى أيمن أبوبكر عبدالخير إدريس الزوي الشهير بـ”أيمن قرون” من سجنه في معيتيقة.
وأشار المصدر إلى أن الإرهابي قرون، المُفرج عنه بايع تنظيم أنصار الشريعة 2012م ومنها انتقل إلى تنظيم الدولة الإرهابي داعش، في مدينة بنغازي 2014م، وأنه يملك ملفا مُثقلاً بجرائم القتل والتصفية والاغتيالات والخطف والابتزاز وموثقة ومثبتة في مدينة بنغازي خلال الأعوام 2012 و 2013 و 2014م.
وفي ديسمبر 2019م شنت مليشيا الردع، هجومًا على مقر مليشيا ثوار طرابلس، التابعتين لـ “وزارة الداخلية” بحكومة الصخيرات المرفوضة المدعومة دوليا، بزاوية الدهماني، ونقلت أسرى النظام الجماهيري من المقر إلى سجن الردع بقاعدة معيتيقة الجوية.
ونقلت مليشيا الردع خلال الهجوم، الساعدي القذافي، ومدير جهاز الاستخبارات الليبية السابق اللواء عبد الله السنوسي، وأمين الهيئة العامة للإذاعة سابقا، عبدالله منصور، ورئيس الوزراء في النظام السابق، البغدادي المحمودي، إلى سجنها.
اقتلاع العيون
واستمرارًا لجرائم التعذيب بسجون الردع سجل الشاب رجب المقرحي الذي تعرض للتعذيب في سجن معيتيقة مقطع فيديو اتهم فيه المدعو فتحي باشاغا بأنه قام باقتلاع عينه بملعقة، موجهًا رسالته التي تُفند تفاصيل الواقعة إلى الأمم المتحدة، مطالبًا بإخضاع مرتكبي هذه الجريمة للمساءلة القانونية.
ووجه المقرحي، في المقطع المرئي، رسالته إلى الأمم المتحدة، قائلاً: “في صيف عام 2019م، احتُجزت أنا رجب المقرحي بمركز الاحتجاز معيتيقة سوق الجمعة طرابلس تعرضت للعنف الجسدي المنتظم والتعذيب طوال فترة وجودي في السجن مما أدى لإصابتي بجروح جسدية أدت إلى اقتلاع عيني”.
وروى المقرحي، أن باشاغا جاء إلى السجن الذي كان به، قائلاً: “أجد صعوبة في تحديد موعد وصول الوزير بالضبط، فكنت محتجزًا في ظروف غير إنسانية ولم أتمكن من تتبع التواريخ بدقة، وأثناء زيارة فتحي باشاغا تم إحضاري برفقة سجناء آخرين، إلى رئيس السجن آمر ميليشيا الردع عبدالرؤوف كارة”.
وأفاد المقرحي، أنه في القاعة التي تم نقله إليها، كان هناك بالإضافة إلى الحراسات عبدالرؤوف كارة وفتحي باشاغا، قائلاً: “طوال ذلك الوقت كانت يدي مكبلتين بالأصفاد، دون أن يطرح علي أي سؤال اقترب فتحي باشاغا وأرغمني كي أجثو على ركبتي ثم ثبت رأسي، حينها رأيته ممسكًا بملعقة وقربها نحو وجهي، وفي اللحظة التالية شعرت بألم حاد ثم فقدت الوعي”.
وتابع: “عندما عدت إلى وعي في الزنزانة تبين لي أنه تم فقع عيني، وأكد السجناء الذين كانوا معي في وقت الحادثة أن فتحي باشاغا اقتلع عيني بالملعقة التي كان يُمسك بها ولم يتم تقديم المساعدة الطبية المطلوبة لي”.
وأكد المقرحي، أن التعذيب تم بحضور وبمشاركة ممثلي السلطة الليبية، وهم على وجه التحديد، عبد الرؤوف كارة، وفتحي باشاغا والحراسات، مشيرًا إلى أنه لم يلجأ إلى المؤسسات الوطنية الداخلية المعنية لحماية مصالحه، قائلاً: “لم أكن لأفعل خوفًا من أعمال انتقامية من شأنها أن تُتخذ في حقي من قبل ممثلي سلطة حكومة الوفاق”.
وفاة اللواء مسعود تكشف الانتهاكات
ووثقت واقعة وفاة سعد مسعود، الانتهاكات التي تجرى داخل سجون الردع، حيث ظل يعاني من المرض لفترة طويلة دون أن يتم إخبار ذويه، ليتوفي بعد معاناة مع المرض في سجون الردع التي بقى فيها منذ سقوط طرابلس سنة 2011م حتى أبريل 2020م، رغم صدور حكم ببراءته.
وعلى رأس الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الردع تحت قيادة كارة، اختطاف البحاث الروس مكسيم شوغاليه والمترجم سامر حسن علي في طرابلس، قبل أكثر من عام ونصف، بسبب عملهما على استطلاعات رأي عن الانتخابات الرئاسية. (وال – طرابلس) س س