تقرير | سالم سويري
بنغازي 01 ديسمبر 2020 (وال) – الإشاعة أمرٌ سيئ دائماً، تحرّمها الأديان وتأباها الأخلاق، ولكن لها تأثيراً كبيراً على الأفراد والمجتمعات في كل زمانٍ ومكانٍ، وبخاصةٍ في أزمنة الأزمات الكبرى والأحداث الخطيرة، فحينما يشعر الإنسان بضعفه والخطر المحدق به يلجأ لأي قشةٍ تنقذه من الغرق.
وتعد الإشاعة ظاهرة اجتماعية قديمة، عمرها من عمر “التواصل الاجتماعي” حتى في أقدم أشكاله، ويستمر انتشارها وتأثيرها في عصر التقنية الفائقة غير عابئة بما انجزه البشر من علم وثقافة وتقدم.
ومن بيئاتها اليومية المثلى الأوقات التي نقضيها مع الزملاء في مكاتب العمل ومع الأصدقاء والمعارف في المجالس والمقاهي حيث نتسقط أخبار المجتمع والناس والأحداث.
الإشاعة كانت ولم تزل سلاحاً خطيراً في الحروب والصراعات السياسية وقد أصبحت مع تطور الدولة الحديثة وأجهزتها صناعةً قائمةً بحد ذاتها تقوم بها الدول المتصارعة وتصنعها ضد بعضها بعضاً، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
الفرد مستريب من الدولة منذ القدم، وفي لحظات الأزمات الخانقة كالحروب الطاحنة أو تفشي الأوبئة يبدأ الفرد في تصديق كل ما يُقال، وغالبية الناس ليس لديها القدرة على تمييز الأخبار والأحداث وفحصها والتأكيد منها ومن مصادرها وصدقها أم كذبها ومن هنا يأتي خطر الإشاعة.
وفي الغالب، تزدهر الإشاعة في المجتمعات المغلقة، ففي ظل غياب مصادر للمعلومة موثوق بها، يميل الناس إلى التقاط الأخبار من أفواه الكذابين والأفاكين، ويعملون على تمطيط الخبر وتحويره، وفق اهوائهم الشخصية، وميولهم العرقية والمذهبية، ووفق مصالحهم الفردية أو الفئوية.
وكثيرا ما يجد الناس في الإشاعة متنفسًا يعبرون من خلاله عن رغبتهم في إحداث تغيير سياسي شامل، أو إجراء إصلاحات واسعة على النظام القائم، مثل تغيير واسع على كابينة الحكومة القائمة.
وفي المقابل، كثيرا ما يشرف النظام الحاكم على صناعة الإشاعة، وبثها في الناس من أجل معرفة ردود أفعالهم مسبقا حول أمور يريد النظام إجراءها مستقبلاً أو في القريب العاجل، منها على سبيل المثال: “التمديد للرئيس الحالي او الزيادة في الضرائب او رفع أسعار بعض السلع والخدمات، وغير ذلك من اشاعات جس النبض”، بحسب أراء خبراء علم الاجتماع.
تستهدف الشائعات أمورا كثيرة، لذلك يمكن تسميتها بـ “الحرب المعنوية والنفسية”، وتكمن خطورتها أنها تستخدم ضد أشخاصٍ وأفراد معينين فتجذبهم إليها ليصبحوا أدوات لانتشارها دون أن يدركوا مدى خطورتها.
ويمكن تلخيص أهداف الشائعات كالآتي: “إضعاف الروح المعنوية للمجتمع المدني، وإشغال الفكر الإنساني أو تعطيله عن التعامل مع حقائق الأمور، وذلك بالتفاعل مع الشائعات وتصديقها والترويج لها، إضافة إلى زرع الريبة والشك في نفوس أفراد المجتمع الواحد، مع التشكيك في رموز وقيادات المجتمع والسعي لزعزعة الثقة بين فئات المجتمع المتعايشة”.
كما أنها تهدف إلى زرع الفتنة وبث الفرقة وتعميق الفجوة بين مكونات المجتمع، ونشر القلق والخوف في نفوس الناس، مع بث روح الهزيمة النفسية بين الأفراد ليسهل بعد ذلك اختراقها والتحكم فيها.
وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها في أوقات توقع الخطر، وهي أوقات الحروب والقلاقل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن الناس يتوقعون كل شيء خلال هذه الأوقات، وهذا هو سبب انتشار الشائعة لأن الناس في هذا الوقت عندما يسمعون أية معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها.
ولا أحد ينكر أن للشائعة آثار نفسية وحسية بالغة، وهي بمقدورها القضاء على مجتمعاتٍ كاملة إذا لم تواجه بطريقة فاعلة وواعية. وتزداد خطورتها إذا كانت هناك جهة أو (جهات) تروج لهذه الشائعة بغرض تحقيق أهدافها ومبتغاها وما أكثرهم في مجتمعاتنا العربية.
وللقضاء على الإشاعة، يقترح الاخصائيين الاجتماعيين أن يكون الدواء من أصل الداء، أي أن يتم انتهاج الرد الفوري على الإشاعة، وتقديم الأدلة والاثباتات على عدم مصداقيتها.
ولفت بعض الإخصائيين على أهمية الحرص على قياس نوع الشائعة وتحديدها لمعرفة كيفية التعامل معها سواء بتجاهلها لعدم أهميتها أو تتبع مصدرها، أو الرد بتصريحٍ رسمي يحدده المسؤولون.
كما شدد الاخصائيون على الدور الكبير لوسائل الإعلام في إيضاح المعلومات وإيصالها بالشكل الصحيح، ووجوب تخصيص ناطقين إعلاميين يعملون على إيضاح ما قد يتم الاستفسار عنه. (وال – بنغازي) س س