تونس 17 يناير 2021 (وال) لم ينجح أبو القاسم الشابي في نشر ديوانه “أغاني الحياة” وهو على قيد الحياة، ولم ينجح إلا في نشر كتابه “الخيال الشعري عند العرب” الذي تعرض بسببه لشتى أنواع النقد والهجوم، فظل يكابد من أجل أن يطبع ديوانه لكن المنية وافته ولم يظهر الديوان إلا سنة 1955.
ولم يكن الديوان كاملا، فقد أعيد نشره سنة 1966، وظلت الطبعات كل مرة تضيف إليه قصائد جديدة مكتشفة هنا وهناك، حتى نشرت الأعمال الكاملة سنة 1994، وحسبنا أن أمر تجميع النصوص قد انتهى وحسم الأمر في تراث الشابي المخطوط، قبل أن تخرج علينا جمعية “الشابي والتنمية الثقافية والاجتماعية” أواخر العام الماضي بمجلد مهم في 250 صفحة تحت عنوان “ظلال النخيل.. نصوص شعرية ونثرية ورسائل تنشر لأول مرة”، وقدم لها وحققها الدكتور علي الشابي. أصل الوثائق يقول المحقق الدكتور علي الشابي في مقدمته للكتاب “في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 خصني الصديق الأستاذ “جلال الشابي” ابن شاعرنا الفذ أبو القاسم الشابي، بالاطلاع على وثائق والده الحافلة بالبدائع مما نشر منها وما لم ينشر، فعكفت على دراستها وأمعنت في أمرها، فجمعت ما لم ينشر من أدبه شعرا ونثرا فنيا ورسائل منه وإليه” .
ويذكر المحقق أنه وجد صعوبة في تحقيقها، وقد مر على تلك النصوص التي كتبها الشابي بقلم الرصاص ما يقارب الـ90 سنة
ويعد الباحث المحقق أن “هذه النصوص إضافة حقيقية يجد فيها دارسو الشابي طلبتهم، ففيها من إشراق لغته ومذهب أخيلته وبديع صوره، ووقد أحزانه ومؤتلق وطنيته ما لا يدانى”، وهكذا يعود صوت الشابي يشدو بعد أكثر من 86 سنة.
والحق أن المشهد التونسي بمؤسساته الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، يسعى منذ سنوات إلى التنقيب عن الذخائر المختفية والمنسية لمؤسسي حداثة الثقافة التونسية، خاصة منهم أدباء ومفكري الثلاثينيات. وقد سبق لمؤسسة بيت الحكمة، أن أطلقت مخطوطا مجهولا للمؤلف التونسي طاهر حداد “الجمود والتجديد في قوتهما”، غير أن الشابي لم يكن شاعر “محليا أو إقليميا” كما يقول المحقق “إنما شاعر عالمي متفرد في فنه يخاطب الإنسان أيا كان وفي أي زمان وفي أي مكان”، لذلك جاء الكتاب تحت اسم “أبو القاسم الشابي شاعر الإنسانية”.
لماذا اختار “ظلال النخيل” عنوانا؟ يثبت المحقق أنه اختار هذا العنوان لأسباب عدة، أبرزها بيت الشابي: إعلان وذهبت للنهر الحزين وفوقه هجعت على حزن ظلال نخيل، ويستحضر أيضا أن ظلال النخيل كانت مهرب الشابي ابن مدينة توزر الجنوبية الصحراوية، وكثيرا ما كان يهرع إلى ظلال النخيل بالواحات منقطعا عن البشر والعالم الصغير، ليطلق عنان أفكاره وخياله الإنساني الرحب، حتى أن صديقه الشاعر مصطفى خريف -كما يثبت الأكاديمي التونسي علي الشابي سليل عائلة الشابي- كتب له رسالة بتاريخ 14 فبراير/شباط 1931 يقول فيها “كيف يمكنني أن أحادث صديقي أبا القاسم الهادئ الوادع تحت حفيف الجريد الحالم وعلى ضفاف الينابيع المنسكبة على الرمال نقية كالطهر، هانئة كالطفولة
ويورد المحقق أمثلة أخرى على تعلق الشابي بالنخيل وظلاله من رسائل أدباء عصره ونقاده، من محمد الحليوي إلى محمد البشروش، ومن شعره ونثره.
. وينهي المحقق تقديمه بوصف الشابي بأنه شاعر الإنسانية، وأعظم شاعر عرفته تونس في تاريخها منذ الفتح الإسلامي.( وال ـ تونس) ح م