بنغازي 12 فبراير 2021 (وال) – يُصنف النهر الصناعي أحد أكبر المشاريع المائية في العالم، و الأكثر أمانا بيئيا، لاختلافه عن الانهار المفتوحة، فهذه الأخيرة تلوثها جملة من المخالفات، بينما تسير مياهه عبر أنابيب مغلقة معتمدة تقنية الانسياب الطبيعي المرتكزة على تدرج الارتفاعات فوق سطح مياه البحر وهو قائم على توزيع نسب المخصصات المائية بين الزراعة والشرب والصناعة .
وللمشروع الذي يعتبر أحدى مؤسسات الدولة المستقلة ماليًا، قانونان الأول لتمويل 10 \1983 والذي سبق نظيره الثاني المُقر بإنشاء جهاز تنفيذ وإدارة النهر الصناعي 11\1983 .
استكشاف المياه خلال التنقيب في الجنوب
وعن أكثر من ثلاثة عقود من العمل يحدثنا مدير إدارة المشروعات بالجهاز المهندس “عبد السلام بالأشهر” قائلا “دراسته المبدئية جاءت باستكشاف كميات من المياه أثناء عمليات التنقيب في الجنوب الليبي، وارتأت الجدوى الاقتصادية توصيلها إلى الشمال لما يعانيه من شح المياه الصالحة للشرب، وصنع أكثر من 600.000 أنبوب، تجاوز إنتاج المرحلة الأولي 250.000 منها .
وجاء إنشاء حقل آبار “السرير” و”تازربو” عبر منظومة أنابيب ضخمة تقلها إلى خزانات التجميع بــ”أجدابيا” – خزان الموازنة – وصولا لخط “بنغازي” من ثم إلى خط “سرت ” كمرحلة أولي، والثانية نقل المياه من جبل “الحساونة” إلى المنطقة الغربية عبر المسار الاوسط (الشرقي)، والثالثة ربط الأولى بالثانية، المراحل المنجزة أنتج في كل منها خمسة مليار متر مكعب، وأوقفت الرابعة وهي نقل المياه من حقل ابار “غدامس” إلى “زوارة” و “الزاوية ” منذ العام 2011 ، و هناك مرحلة مستقبلية تحت الدراسات حاليًا وهي منظومة “أجدابيا طبرق”، الخطة ارتكزت على تخصيص خمسة مليار دينار ليبي لاستكمال مراحلة بهذه الأخيرة وتغذية المنطقة الشرقية .
التكلفة اثنتي عشر مليار دينار ليبي
بالأشهر تابع “نقوم بتزويد فتحات التغذية على مسار خط النهر في المرحلتين الأولى والثانية بالمياه الصاحة للشرب، وبرجوع للحساب الختامي للعام 2010 بلغت التكلفة اثنتي عشر مليار دينار ليبي على مدى سبع وعشرون عاما، لافتًا إلى أنه حقق عائداته على أقل تقدير – توفير مياه صالحة لشرب – فلقد عان الجزء الشمالي من “بنغازي” إلى”طرابلس” و”المنطقة الساحلية “؛ نقص في مياه الشرب و تداخلها بالبحر وتلوث المخزون الجوفي بالصرف الصحي، المستفيدين اليوم حوالى 70% من السكان .
وعن عمليات التغذية للمدن يفيد “بلاشهر” ( وفق منظمة الصحة العالمية استهلاك الفرد 200 لتر يوميا، “بنغازي” تصل إلى 280000 متر مكعب من المياه في اليوم (وبعملية حسابية على عدد سكان بنغازي مثلا، الحصة تتراوح ما بين 300:350 -تلاحظ تجاوزنا للمعيار العالمي “بمعدل التحضرم” .
“طرابلس ” 450000 فقط وهذا التراجع نتيجة الاعتداءات على 120 بئر وسرقة رؤوس الكوابل في حقل “الحساونة”؛ مما أفقدنا 400000 متر مكعب، نحن غير معنيين بمشاكل الشبكة أو التوزيع وهي اختصاص أصيل لشركة المياه والصرف الصحي والتي تعان جملة من المشاكل على رأسها تهالك الشبكة والهدر من قبل المواطن – الذي يعتبرها للأسف سلعة رخيصة الثمن.
الدولة الرقابية
وذكر “هنا تأتي مسؤولية الدولة الرقابية، إضافة لعدم وجود محطات لمعالجة للمياه المستعملة التي تستخدم في ري المسطحات الخضراء وأعمال التنظيف وغيرها من الاستخدامات غير البشرية .
وبالعودة لبنة إنشاء الجهاز “أجريت العديد من الدراسات حول تكلفة التحلية، واستجلاب ناقلات ضخمة للمياه فكانت ضخمة جدا، عكس الاستثمار في المياه الجوفية من خلال النهر الصناعي الذي لم يتجاوز قيمة إنتاج 1000اللتر 220 درهم، عمليات الضخ تتم بالانسياب الطبيعي، فمثلا حقل ” تازربوا ” على ارتفاع 273م فوق سطح البحر و”السرير” 190 و “أجدابيا” 90 تقريبا و تصل إلى” بنغازي ” في 50 متر فوق مستوى سطح البحر .
المشاكل
ويؤكد – مدير إدارة المشروعات بجهاز تنفيذ و إدارة النهر الصناعي – أن معظم المشاكل التي يمرون بها هي خارجة عن إرادتهم ناتجة عن مشاكل في التمويل والخسائر التي تسببت بها الجماعات الإرهابية وعمليات التخريب الناجمة عن قلة وعي المواطن “يوجد محطة توليد للطاقة الكهربائية في حقل الآبار ولكن عندما يحدث إظلام تام في الشبكة في بنغازي تتأثر محطة الضخ بالمدينة وهذه مشكلة، حادثة العام الماضي على سبيل الذكر وليس الحصر، عبث أحد المواطنين بصمام محطة “أجدابيا” فأتلفه لتنفيذ توصيلات غير شرعية وخرجت كميات كبيرة من المياه تصل إلى 200000 متر مكعب .
ويتابع أن “السرير” تم تدمير خزانات الوقود الخاصة بمحطة الكهرباء، و” تازربو” أيضا وقُتل بعض المستخدمين وسُرقة الآليات، المرحلة الثانية حقل “آبار الحساونة”، تم نهب الكوابل الكهربائية والنحاس، وشهدت دخول مجموعات مسلحة، ومهدده بإيقاف المياه لغرض الابتزاز لأطراف أخرى لإطلاق مساجينهم . منظومة “القرضابية إسدادة ” تم سلب معظم الصمامات منها .
الاعتداءات
ويعلل استمرار العبث في مواقع الجهاز المترامية الأطراف إلى قلة وعي المواطن واستهتاره بالقيمة الحياتية للمياه، بالرغم من الحملات المكثفة ووجود العبارات تحذيرية في تلك الأماكن “تعاونت الجهات الأمنية في الحد من تلك الأفعال غير المسؤولة وصحبتها مجهودات كتيبة حماية النهر، ولكن يحتاج الأمر إلى تكاثف أوسع وجهود أكبر، داخل المدن تمثلت الاعتداءات في مخلفات القمامة والبناء وخزانات الصرف الصحي بالقرب من المنظومة الرئيسية والاعتداء على حرم المشروع، سرقة المياه والتوصيلات غير الشرعية، للآسف لا يدركون إذا انقطعت المياه عن مدينة “بنغازي” مثلا لا يوجد بديل آخر، وهنا علينا أن نوضح مهمتنا في تزويد المدن وغير معنين بتزويد الأفراد، طالبات التوريد تأتي من شركة المياه والصرف الصحي فنقوم بتغذية وفق فتحات معينة .
إيقاف التمويل
وحول مشاكل لإيقاف التمويل يجيب – مدير ادارة المشروعات بجهاز تنفيذ وإدارة النهر الصناعي – “للجهاز ذمة مالية مستقلة عن الميزانية العامة، المواطن هو الممول الرئيسي من خلال تحصيل رسوم غير مباشرة ، مثلا من مبيعات شركة “البريقة لتسويق النفط” تردنا 4 قروش عن كل لتر وقود، وربع دينار عن كل أسطوانة غاز طهي، وهي الوحيدة المشكورة التي لم تتوقف إرادتها لصالحنا، وندفع من خلالها المرتبات وشراء قطع الغيار، بينما توقف مصرف ليبيا المركزي عن توريد حصتنا من رسوم فتح الاعتمادات، وامتناع الخزانة بتحصيل الرسوم الجمركية الخاصة بالتبغ المستور أو ضريبة المصنع محلي وللآسف الجميع يتهرب لمنع تمويل النهر .
موضحًا “نتيجة احداث العام 2011 توقفت معظم المشاريع المقدرة بالمليارات نتيجة القوة القاهرة نظير خروج الشركات الأجنبية، فمثلا وصلة “الكفرة تازربو ” المعين استكمالها خلال العام 2015، كذلك عمليات التصنيع ، ومشاريع الكفرة بتكلفة 3 مليار لتوسعة الحقل النوبي الواقع في المربع الحدودي “الليبي” “المصري” “التشادي” “السوداني”، جزؤه الأكبر داخل أراضينا. اليوم نقوم بتشغيل ولدينا عقود محلية بسيطة لعرض الصيانة، وفي حقل آبار” السرير” و” تازبوا” فتحنا باب التواصل مع الشركات المنفذة لمشروع محطات المعالجة، وتم توريد قطع الغيار وباشرنا في العمرات، ونحن بصدد إنشاء المنطقة الصناعية التي دمرت بالكامل نتيجة الاشتباكات المسلحة .
محطات المعالجة
منوها “لسنا بصدد المنافسة بين النهر و التحلية، ومن الضروري إعادة حسابات مخصصات المياه من خلال محطات المعالجة لاستثمارها في ري المسطحات الخضراء وغيرها من الانشطة التجارية التي تعتمد على استهلاك المياه ويقتصر الجهاز على مياه الشرب فقط للمحافظة على الآبار الجوفية .
ويؤكد “بالأشهر” أن المشروع هو المصدر الوحيد للمياه في ليبيا لذلك مهمة الدولة تمويله والمحافظة على ما أنجز منه واستكمال مراحله لاستفادة الليبيين حتى لا نقع في شرك حروب المياه القادمة، فالعالم اليوم أكثر تقدما باستثمار المياه المتجددة (الأمطار) بدل من استنزاف الخزانات الجوفية، ومؤخرا المياه العابرة للحدود كتجربة الاستثمار الزراعي في البلدان الغنية بالمياه ولدينا تجربة “الإمارات” و”السعودية” . (وال – بنغازي) هـ ش