بنغازي 22 فبراير 2021 (وال) – جدة ثمانينية مقعدة؛ أنهكها المرض وتبضع الورم في أعضائها ترقد على المقعد الخلفي لسيارة ابنها في الموقف الداخلي للمركز، لا تقوى على النزول وصولا إلى العيادة الخارجية، تنتظر مدير المركز الوطني للأورام في بنغازي الدكتور “على الزناتي”، الذي اعتاد على حد قولها مرافقها للتوجه حيث مرضاه من كبار السن و غير القادرين على السير .
وأم أربعينية تجلس في المقعد الأخير لصالة الانتظار، قدمت من “غريان” إلى “بنغازي” بحثا عن التصوير المقطعي بعد أن أوصدت أمامها أبواب نظيره في “صبراته”؛بسبب اعتصام الأطباء، اصطحبت معها زوجها وصغارها الأربعة الذين توقفوا عن الدراسة؛ لغياب من يتولى أمورهم أثناء سفر والدتهم الداخلي للعلاج .
هناك مرضى من”الأصابعة”، و”وادي البوانيس”، و”ترهونة “، و “جالو”، و”سبها “، وغيرها من المدن و البلدات الليبية جميعهم أشادوا بمستوى الخدمات والتعامل الحسن، لمقدمي الخدمة داخل المركز الوطني للأورام “بنغازي”، الأمر الذي دفعنا للولوج داخل أقسامه ووحداته للتعرف أكثر على الخدمات الطبية المقدمة على مدار الأسبوع .
نقص الجرعات وتخوف المرضى
“فجرية بالحسين” رئيس قسم التمريض تقول “التمريض يلعب دورا أساسيا داخل القطاع الصحي، مرضى الأورام يعتبرون أكثر حساسية من غيرهم، فبعضهم متخوف من المرض، و الآخر يفكر في أسرته التي يعولها، ومنهم من يقلقه هاجس نقص الجرعات أو الأدوية الباهظة الثمن، نلجأ دائما لتقديم العون عن طريق المتبرعين وأصدقائنا في المستشفيات، نسعى لتقديم أفضل مستوى من الخدمة، وفي المقابل لا نحظى بأي تأمينات صحية أو للإصابات أثناء العمل و هذا الوضع عام على جميع العناصر الطبية المساعدة، و للأسف عندما يطرق ذوينا باب أي مرفق صحي لا يقابلون بالمعاملة نفسها، نفتقر للإجراءات الاحترازية لتعامل مع الأمراض السارية ولمجابهة “الكورونا ” فلم تمدنا الوزارة بشيء يذكر .
التهميش ينهش عناصرنا الطبية
وبينت ” بالحسن” أن هناك مجموعة تعمل معنا منذ عامين، و لم يتقاضوا أي مرتب حتى يومنا هذا، فأرجو عدم تهميش العناصر الطبية المساعدة .
وتضيف “يؤذينا مشهد الأطفال الخاضعين للعلاج الإشعاعي فبكاؤهم يدمي القلوب، ونحاول التخفيف من حدة الموقف على نفسياتهم بتوفير الألعاب وبعض من الترفيه على نفقاتنا الخاصة، لرسم الابتسامة على وجوههم لمقاومة المرض ” .
العلاقات الخاصة في المرتبة الأولى
“فتحية سباق العبيدي” مدير إدارة الفنيين و التمريض من جهتها، تقول “فيما سبق عانينا نقص الفنيين واستدركنا المشكلة؛ باستقطاب الخرجين، وإعطائهم الدورات اللازمة داخل المركز وفي المملكة الأردنية الهاشمية، و اليوم يقومون بتدريب طلبة المعاهد العليا .
كذلك نعاني من النقص المتكرر لمواد التشغيل، فمثلا نحن نعتمد على صبغة (ارتفافينس 370 ) المستعملة في فحوصات تحديد مكان الورم ومواضع انتشاره، ونعول في كل مرة على علاقتنا الشخصية مع الزملاء في إطار التعاون المتبادل داخل قطاع الصحة (شيلني ونشيلك) و على رأسهم مركز القلب، ونحن على هذا الحال منذ أسبوعين، و اليوم أبلغتنا الإدارة بأنها تستطيع أيضا بعلاقاتها الخاصة توفير بعض الكميات ” .
المرضى بين ألم وأمل
وتؤكد ” العبيدي” أن جهاز الإمداد يحدد مسبقا الكمية التي يوردها لنا، و التي لا تتناسب في معظم الأحيان إن لم يكن جلها مع احتياجنا، و بالتالي الاستمرار غالبا يعتمد على المجهودات شخصية، وأرجو من الحكومة أن تلتفت لهذه الشريحة المرضية فعلاجها باهض جدا .
وبينت “العبيدي” أن تكلفة الجرعة الواحدة تقدر بــ (8000 ) دينار “كل أسبوعين المريض بحاجة إلى جرعة”، منهم من باع منزله وممتلكات أسرته من أجل توفير ثمنها فهذه من أقصى أمنياته، كما أنصح بضرورة الكشف المبكر خاصة النساء وعدم الخوف والتهرب من الفحوصات، فاكتشاف المرض باكرا يساعد على سرعة الشفاء” .
جهود المركز جبارة
وفي ذات الشأن، يوضح رئيس قسم الأشعة العلاجية “محمد الشكري”أن المركز يعد الوحيد في شرق البلاد، الذي يقدم هذا العلاج الأساسي لمرضى السرطان، ونستقبل جميع المحالين إلينا من كافة أنحاء ليبيا شرقا و جنوبا و غربا، الأورام المشخصة أكثرها حميدية، ومعظم المتردين كانوا لأجل الاستئصال، مثل الثدي والرئة و الأورام النسائية والرقبة والرأس والدماغ.
ووضح ” الشكري” نعمل بجهاز واحد يستقبل ما بين (40 إلى 100) مريض يوميا، مدة الجلسة (20) دقيقة كحد أقصى، منهم من يحتاج إلى واحدة، وبعضهم يصل إلى (35)، ونحن بصدد استلام جهاز أشعة علاجية ثاني” .
لم توفر حتى أبسط الأدوية
رئيس قسم المخازن الطبية “حاتم الفرجاني” يقول “منذ الربع الأخير للعام الماضي 2020 لم نحظ، بأي تزويدات من جهاز الإمداد الطبي؛ لعدم قدرتهم على توفير احتياجاتنا وفي أبسطها الأدوية، للمترددين على العيادات الخارجية والمصاحبة لحالات العلاج الإشعاعي، نتلقى بين الفينة والآخرى بعض التبرعات من الخيريين والمنظمات – الأدوية يصعب على المريض الحصول عليها – بالإضافة إلى التعاون المتبادل مع المستشفيات الحكومية لتوفير بعض النواقص لضمان سير العمل اليومي” .
معاناة منذ زمن
الدكتور “علي محمد مفتاح الزناتي” مستشار طب أول في علاج للأورام بالكيماوي و نظام الأشعة الإشعاعي – مدير عام المركز الوطني للأورام بنغازي يقول “مشكلة الأورام قديمة، ومعاناة مرضاها متجذرة في صعوبة تلقي العلاج والخدمات الصحية المناسبة محليًا – لذلك يتجول بين الدول العربية و الأوروبية -؛ نظرًا لنقص الإمكانيات أهمها مكان مناسب للإيواء والعلاج.
وبين ” الزناتي ” أنه في فترة التسعينات كان لدينا فقط قسم للأورام في ” الهواري العام” و بعد إقفاله لغرض الصيانة الطويلة المتطاولة، تحول القسم إلى مستشفى الجمهورية، ومن ثم إلى مركز بنغازي الطبي بداية العام 2011، علاج مرضى الأورام في شيء اسمه قسم، هو جريمة بحد ذاتها لاحتياجهم لمركز تخصصي، عام 2018 كلفت بإدارة مركز بنغازي للأشعة العلاجية و التشخيصية، سعيت حثيثا بمساعدة الدكتور “سعد يعقوب” ورئيس الوزراء لإيجاد مكان يأويهم، وعلى هذا الاعتبار تم إعادة تسميته نوفمبر العام نفسه إلى المركز الوطني للأورام بنغازي، فلاسم حديث والمكان قديم.
وقال ” الزناتي” الدولة الليبية بيروقراطية الورق عندما تفكر في إنشاء مرفق مستقل يتسألون أين الموقع، لذلك قمنا بتغيير الاسم، علما أنه أنشئ عام (1994) كوحدة أورام، فالمركز يقتصر على عيادات خارجية والعلاج الإشعاعي و الأشعة التشخيصية،
شكرا لكل من قدم دعما
وبين ” الزناتي” حاولنا التوسعة من خلال المساحة الخالية داخله المقدرة بــ (3000) م، و تم إدراجه ضمن أولويات لجنة استقرار بنغازي، وخُصصت الميزانية، وصمم البناء الجديد هندسيا على ثلاثة مباني، الأول عيادة اليوم الواحد، يستقبل فيها المرضى لتلقي العلاج الكمياوي، والثاني للإيواء من (4 إلى 5) طوابق، والثالث الطب النووي، وتليها الخدمات المصاحبة من الأدوية الباهظة، ولكننا دخلنا في صدام مع صندوق الضمان الاجتماعي، المالك للأرض المشيد عليها مدينة الهواري الطبية، لا يحق للصحة الانتفاع دون مقابل، خاصة أمام ديون القطاع المتراكمة لديه، والشكر موصول إلى عميد البلدية دخل مناقصة مع مركز الإيدز وليكون نصفه إيوائي تابع لنا، أيضا نشكر “بنغازي الطبي” لاحتوائهم قسم الأورام” .
جهود قائمة ولكن المعاناة مستمرة
وواصل ” الزناتي” حديثه وقال “معاناتنا مستمرة في الأدوية، بالرغم من الجهود المبذولة من جهاز الإمداد الطبي و لكنها غالية الثمن ، و بحاجة لمبالغ كبيرة ولدينا عراقيل أخرى تقف في طريق سرعة توفيره مثل مصرف ليبيا المركزي، و ديوان المحاسبة مخصصاتنا تردنا من وزارة المالية بطرابلس، فنحن نتعاون مع الجميع؛ لأننا نقدم الخدمة للجميع، تعاملنا مع الإمداد بنغازي وطرابلس ساهم في عدم وقوعنا في مختنق الإفلاس من الأدوية، و المركز يعد المرجعية العلمية للأورام شرق البلاد، لدينا أقسام في طبرق و البيضاء و المرج و إجدابيا و سرت و سبها ” .
دعوة ورجاء لكل إنسان
ودعا”الزناتي” كل ليبي غيور على البلاد، مسؤول وغير مسؤول، مد يد العون لهذه الشريحة، فمشكلة مرضى الأورام شبيهة نوعا ما بالأمن القومي على حد تعبيره وتتطلب تكاثف الجميع .
واعتذر ” الزناتي” بشكل شخصي لجميع مرضى الأورام، لأي تقصير في تقديم خدمة أو عدم توفير؛ نظرا للظروف الراهنة في البلاد، وللانقسام الحاصل السياسي ومصرفي وحكومي، وجميعها يثقل كاهلنا في تقديم مستوى أفضل من الخدمات .
وأنهى ” الزناتي” حديثه قائلا “أرجو أن نرى هذا المركز مشيدا على أرضية صحيحة، يقدم خدمات صحية المرضى أرهقوا فوق مصابهم فهم يسافرون لدول أخرى لإجراء بعض الفحوصات أو الجراحات، نحن نريد أن نكون نواة لتقديم خدمة متميزة في بنغازي ”
وفي الختام عبر جميع من صفحناهم من أطباء وفنيين، خلال هذه الجولة ، عن آسفهم أمام أي مريض يقف عاجزا عن توفير ثمن العلاج، راجيين من الجهات، أخذ القرار بضرورة تحطيم جدار العراقيل أمام سرعة توفيرها مجانا لهم خاصة وأنها باهظة لدى القطاع الخاص . (وال – بنغازي) تقرير : هدى الشيخي