بنغازي 26 فبراير 2022 (وال) – تتجه أنظار العالم هذه الأيام نحو الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا والتوترات الحاصلة في المنطقة، والتي تنذر بوقوع أزمة اقتصادية في العالم أجمع، حيث تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في ارتفاع أسعار الحبوب عالمياً، ما آثار مخاوف بتداعيات كبيرة على الدول المستوردة.
الدولتين مصدراً أساسياً للمواد الغذائية
وبقراءة مركّزة يمكن رصد الدور التنافسي الذي تلعبه أوكرانيا مع روسيا كمصدر أساسي للمواد الغذائية الأساسية (حبوب، زيوت، لحوم) لعدد كبير من الدول العربية، التي تعتمد على واردات القمح عبر البحر الأسود، حيث تعتمد دول عربية كثيرة من بينها ليبيا، على استيراد القمح الروسي أو الأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، وهي في عمومها دول تعاني من أزمات معيشية قد تزيد معاناة شعوبها جراء ارتفاعات محتملة في أسعار القمح، نتيجة قلة حجم المعروض في السوق العالمي.
وتمثل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 30 في المائة من حجم المعروض في الأسواق العالمية، وكذلك ما يتعلق بمواد غذائية أساسية أخرى مثل (الذرة والزيوت النباتية)، وتعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم وروسيا في المرتبة الأولى، الأمر الذي يجعل التجار يخشون أن تؤثر الحرب الحالية على حركة الحبوب، و تدفع المستوردين للبحث عن بدائل للإمدادات القادمة من منطقة البحر الأسود.
العزوف عن زراعة القمح والشعير في ليبيا
فليبيا بعد تعدد الأزمات التي مرت بها، أصبحت تعاني من الجفاف الزراعي، وذلك بسبب عزوف الكثير من المزارعين في المناطق الجنوبية عن زراعة القمح والشعير، نظراً لغياب الدعم الحكومي والحرب المستمرة وانقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى عدم شراء محصولهم من قبل القطاع العام أو الخاص، بحسب كلام رئيس جمعية مزارعي فزان السيد (عثمان الطاهر)، حيث وصل إنتاج ليبيا من القمح والشعير خلال العام الماضي إلى 100 ألف طن، فيما تستهلك البلاد نحو 1.26 مليون طن سنويا،
وفي تصريحات صحفية، قال الخبير في الاقتصاد الزراعي (علي غيث): إن عمليات استيراد الحبوب تتزايد في ليبيا مع تعثر المشاريع الزراعية في الجنوب الليبي.
ولفت، إلى أن الأسواق العالمية ستتأثر مباشرة بالأزمة وتداعياتها، خصوصاً في ظل انشغال أجنحة السلطة بالصراعات الداخلية.
وأشار غيث إلى أن هناك ارتفاعاً في أسعار دقيق المخابز بنسب تتفاوت ما بين 10% إلى 15%، وأن الأسعار مرجحة للارتفاع مرة أخرى، في حالة عدم تدخّل الحكومة بتوفير أي دعم للخبز.
ارتفاع سعر قنطار الدقيق
وبدوره، قال نقيب الخبازين في ليبيا، السيد (اخريص أبولقاسم) في تصريح صحفي: أن سعر قنطار الدقيق وصل اليوم السبت إلى 275 ديناراً بعد أن كان أمس 210، والتجار الجملة أغلقو محالهم أمام هذا الارتفاع الهائل.
وتابع اخريص: أنه يستغرب التحجج بالحرب في أوكرانيا مع أن المحصول المزمع توريده لليبيا منها مازال في طور الزراعة، في حين يرتفع سعر مخزون المورد منذ عدة أشهر داخل مخازن شركات المطاحن.
وأشار إلى أن أصحاب المخابز لديهم مخزون يكفي ليومين أو ثلاثة أيام، وننتظر تدخل الدولة، ووضع ما يلزم من إجراءات.
ولمعرفة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على استيراد ليبيا “للقمح”، التقت ــ وكالة الأنباء الليبية ــ الأستاذة المتعاونة في كلية الاقتصاد بجامعة بنغازي والمهتمة بالشأن الاقتصادي (أميرة صالح فليلفل)، حيث أوضحت: أن جميع الدول ستشهد تأثيرات على الوضع الاقتصادي، خاصة وأن الطرفين لهما تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، مما يعني أن العالم يواجه إشكاليات في سلاسل الإمدادات سواء الجوية، أو البحرية، أو البرية، وهذا سينعكس على حجم السلع المتداولة في العالم، إضافة إلى ارتفاع فواتير شركات التأمين على البضائع مما سينعكس على الأسعار، حيث سنشهد موجة من ارتفاع السلع، بخاصة في منطقة الخليج العربي التي تعتمد على استيراد غالبية السلع من الخارج.
ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين
وأضافت: أن الأزمة الحقيقية لليبيا ستكون في الشحن وليس التوريد، لأن ظروف الحرب سترفع تكاليف الشحن والتأمين في ظل ارتفاع المخاطر، حتى و إن تفادت ليبيا نقص إمدادات القمح، سيكون اﻷثر المباشر للحرب الروسية الأوكرانية هو ارتفاع قيمة فاتورة الدعم بالملايين وربما مليارات الجنيهات.
وتابعت فليفل: يمكن أن تستورد ليبيا القمح من (أمريكا أو كندا أو أستراليا أو الأرجنتين)، بدل روسيا وأوكرانيا، و لكن هذا الحل له ثمن مرتفع، سيكلف خزينة الدولة الملايين لبُعد المسافة، وارتفاع أسعار الشحن، وتأثر سلاسل الإمداد العالمية المتضررة بالفعل منذ بدء جائحة كورونا.
تجارة الحبوب ستقفز لمستويات قياسية
وأوضحت أستاذة الاقتصاد: أن التجارة العالمية للحبوب سوف تقفز إلى مستويات قياسية هذا الموسم، وقد تبلغ واردات ليبيا من القمح مليوني طن سنوياُ.
وأكملت: أن ليبيا في حاجة لبناء مزيد من صوامع الحبوب، إما حول مناطق الموانئ أو في جنوب البلاد.، حيث تبلغ سعة صوامع الحبوب في ليبيا حالياً 500 ألف طن، فالقمح ينظر إليه أغلى سلعة في ليبيا ويعتبر مكوناً رئيسياً للغذاء في البلاد.
واختتمت أستاذة الاقتصاد: ليبيا لديها مساحات شاسعة فلماذا لا نستغلها في زراعه الحبوب، وحتى نأخذ في الحسبان مثل هذه الظروف، و لا تنتظر لقمه عيش من الخارج، بل نصدر نحن لجميع العالم، فأرجوا من الجهات المسؤولة في الدولة استغلال أراضي البلاد وإعادة التنوع الاقتصادي، وفتح وتجديد ما أقفل من مصانع بعد سقوط النظام السابق. (وال – بنغازي)
تقرير: هند عيسى