بنغازي 24 مارس 2023 (وال) – تحدث رئيس مؤسسة إرثنا للتراث والثقافة فرج غيث، عن أهم عادة تراثية عند أهالي مدينة بنغازي طيلة أيام شهر رمضان المبارك وهي (خبزة التنور)، والتي يرجع تاريخها لــ 7000 عام، قبل أن يتخذها الليبيين عادة تراثية لهم إمتدت لمئات السنين.
وقال فرج غيث لمراسل وكالة الأنباء الليبية، إن لشهر رمضان لدى أهالي مدينة بنغازي عاداته وتقاليده وطقوسه وذكرياته، وتختلف تلك العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية عن سائر أشهر العام، إذ أنه شهر صلة الرحم واللقاءات الأسرية وجلسات السمر حتى السحور، ومن أبرز هذه العادات التَّواصل الاجتماعي، والتَّزاور بين الأسر والأقارب والأصدقاء، وموائد الإفطار الجماعيَّة داخل البيوت وفي الساحات لإفطار الصائمين وخاصة المقيمين في المدينة.
العادات والطقوس
وحول أشهر الطقوس الرمضانية لدى أهالي المدينة، أضاف غيث”أشهرها مائدة الرحمن في حي البركة العريق، وغيرها من العادات والتقاليد التي يعتبرها أهلنا موروثًا اكتسب من جيل بعد جيل، ولايزالون متمسكين بها رغم تغيُّر نمط الحياة في وقتنا الحالي، وتتميَّز هذه العادات بأنَّها ذات طابع خاص يشعر من خلاله الأهالي بأنَّها تغمرهم بالإحساس والرَّحمة والسَّعادة، وذلك لأن المدينة تمثل فسيفساء سكانية لكل سكان ليبيا، فهي تمثل وطن في مدينة لها تاريخ ناصع البياض”.
وأوضح غيث أن “التنور يعتبر من ضمن العادات القديمة التي لازالت موجودة رغم تطوُّر الحياة، موروث غذائي متجذر حافظ على خصوصيته وتقاليده الراسخة في بنغازي، منذ وقت كان لشهر رمضان ظروفه الخاصة التي فرضتها صعوبة الحياة، فكانت المرأة البنغازية سند الرجل في التغلب على مصاعب الحياة وتدبير شؤون البيت والاستمتاع بطقوس 30 يومًا من الصيام”.
صناعة التنور
و أشار غيث إلى أنه “قبيل انتشار الأفران أو المخابز؛ كان التنور هو الوحيد الذي كانت جداتنا وأمهاتنا تقوم بتحضير رغيف الخبز من خلاله، وكان هذا النوع من رغيف الخبز مرتبطًا ببساطة الحياة وصعوبتها في آن واحد، ففي باحة المنزل أو على سطحه، عادة ما يتربع التنور (الفرن التقليدي) بشكله الدائري الأنيق، فرن مصنع من مادة الطفلة والطين والحجارة، ويُصنع أيضًا من (الشهيبة) وهي رماد بيت نار المخبز العربي، وتعجن وتتحول إلى مادة قوية.
واسترسل، تحتاج صناعة التنور إلى عدة أيام، بداية من تحضير مادة الطفلة والطين والحجارة أو باستجلاب (الشهيبة) من (الكوُشة)، ففي العادة عندما يقوم قشاش الكوشة بتنظيف بيت نار الكوشة يقوم بتعبئة هذا الرماد في أكياس للإستفادة منه في عمليات البناء والتشييد”.
وتابع غيث لمراسل (وال): “تمر صناعة التنور بعدة مراحل تبدأ بجلب وتنظيف التراب الأحمر المخصص لصناعته، والذي يخلط مع الماء ويترك لمدة يومين، ومن ثم يضاف له الملح والتبن لتقوية الطين وزيادة تماسكه، ثم تبدأ مرحلة عجن الخليط مع بعضه لتبدأ عملية البناء بلف الطين على شكل حلقة دائرية بقطر 1 متر، وبإرتفاع 30 سم وسماكة 3 سم، ومن ثم يُترك هذا النموذج لليوم الثاني حتى يجف، ثم تليها مرحلة لف وسط التنور، ويتم وضع دوائر من الطفلة التي تخلط بالطين أو من (الشهيبة) فوق بعضها، الأكبر ثم الأصغر وتلف فوهة التنور قبل أن يعرض التنور لأشعة الشمس حتى يجف بشكل نهائي”.
وأكمل: “في مرحلة أخرى يوضع المجسم المبدئي وسط غرفة بيت التنور على أن تترك مصطبة على جانبيه محشوة بطبقات من الحجارة والطين، تساعد في استدارة الرغيف باليدين وتسمح بصنع باقي المعجنات الأخرى، كما تساعد في حماية التنور من الكسر، حتى يصل التنور إلى مستوى معين تكون فيه فتحته أصغر من قاعه، بعدها يقوم الصانع بتسويته من الداخل، وعند تنفيذ هذه الملحقات يصبح التنور جاهزًا للعمل، وينتشر التنّور في معظم المناطق الليبية، مع بعض الاختلافات البسيطة في حجمه، وفي المادة التي يُصنَع منها، وفي ارتفاعه وسعته أيضًا”.
معلم المدينة
وذكر أن “في بنغازي كان الحاج علي الغرياني أفضل من يصنع في (التنانير)، وكل ما يتعلق بالصناعات الفخارية، وكان محله الذي لايزال معلم من معالم مدينة بنغازي التراثية يديره أحفاده من بعده، ويوجد في مفترق شارع سورية، حتى أن هذا المفترق أصبح يطلق عليه اسم (مفرق الدرابيك)، في إشارة للمحل الذي يصنع آلة (الدربوكة) من الفخار، رحم الله الحاج الغرياني وطيب ثراه”.
مراحل صنع الخبز
هذا و عند بدء التحضير لرغيف الخبز تقوم المرأة بإحماء التنور أي إشعال نار متقدة بداخله، حيث لا يقبل التنور غير الحطب والقش وقودًا له، وهذه المهمة تقوم بها المرأة، التي تكون قد قامت بعجن الدقيق وتخمير العجينة، وربما تكون قد قامت أيضًا بطحن الشعير أو القمح وتحويلها إلى دقيق، وهي منهمكة في ترقيق العجين بحرفية.
خبز لذيذ بمكونات بسيطة؛ أهمها الماء ودقيق الشعير ودقيق القمح، قد تجعله متاحًا للجميع، لكن فوهة اللهب التي تولج فيها المرأة يدها حتى المرفق تقريبًا هي التّحدي الحقيقي، حتى أن هناك من صارت تتفنّن في حجم الرغيف ودِقّة استدارته، حتى يُخَيّل إليك أنها ترسم قُطرَه بـ (فرجار) خفيّ، لتحافظ على الحجم ذاته لجميع أرغفتها، وتتحكم ببراعةٍ في قوة اشتعال الجمرات، ليحصل كل رغيف على لونه البني الطازج، تمامًا كباقي إخوته، ليعطي في نهاية المطاف خبز ليبي تقليدي وفواح، وللرأي أن يصفه ما شاء، فالعين ما تزال تعشق قبل القلب أحيانًا.
يعتبر رغيف خبز التنور من ألذ وأطيب أنواع الخبز، ويزداد عليه الطلب في أيام شهر رمضان ويفضلون تناوله مع الشوربة الليبية بلحم الخروف الوطني، ومعظم الليبيين لديهم رؤية خاصة بأن خبز التنور واللبن لا تشترى من أي أحد، في دلالة على ضرورة نظافة المصدر.
فوائد التنور
وفي السياق، بين الطبيب باسم عيسى فوائد خبز التنور؛ قائلا إن لخبز التنور قيمة غذائية وصحية عالية، باعتبارها تمثل غذاء متكاملا تحتوي على القمح وقشوره ونخالته، وتحتوى أيضًا على العديد من المواد المعدنية والفيتامينات التي يحتاجها الجسم لزيادة نشاطه وقوته، إضافة إلى فائدتها للمعدة والأمعاء ولمرضى السكري ولأصحاب الأوزان الثقيلة ولأمراض الجهاز العصبي.
وركز الطبيب باسم عيسى على أن خبزة التنور تُساعد على هضم المواد الغذائية وامتصاصها بشكل جيد، كما تُساهم في طرد السموم خارج الجسم، وتفيد الرجال ومرضى القولون، لذا يمكن اعتبارها غذاء مفيدًا بكل مقاييسه نظرًا لعدم دخول أي مواد كيماوية في صناعتها. (وال) ن ع/ ر ت
كتب| نور الهدى العقوري