درنة 16 سبتمبر 2023 (وال) – استيقظت مدينة درنة شرق البلاد يوم التاسع من شهر سبتمبر الجاري على كارثة هزت سكون ليل المدينة، حيث جرف سيل وادي درنة الأحياء المتاخمة لضفتيه والحق أضرارا كبيرة بالأحياء الواقعة وسط البلاد.
وراح ضحية هذه الكارثة الآلاف من سكان هذه المناطق وعلى اختلاف زوايا سرد الحادثة إلا أن الرواة اتفقوا أن ما حدث كان أمراً تعجز الألسن عن وصفه، حيث سمع سكان المدينة صوت انفجار دوّى في ساعات متأخرة من الليل وبعد ما يقارب 15 دقيقة تبعه انفجارٌ آخر وما هي إلا دقائق حتى غمرت مياه سيل الوادي أحياء وسط المدينة متدفقةً بقوة وسرعة جارفة في طريقها كل شيء .
الساعات الأولى
الساعات الأولى من الصباح فقد الاتصال بكل أحياء مدينة درنة نتيجة تضرر شبكات الاتصال وانقطاع الكهرباء، ووصلت بعض الأخبار التي تفيد أن حوالي 150 من أهالي وسط البلاد لقوا حتفهم وأن المفقودين لا تتجاوز أعدادهم المئات.
ومع ارتفاع الشمس بدأ أهالي الأحياء الواقعة أعلى مدينة درنة يشاهدون آثار الدمار الذي حل بالمنطقة ليسارع البعض في محاولة الحصول على مواقع توجد بها تغطية لشبكات الاتصال من أجل إبلاغ الجهات الحكومية بالواقعة مع انهيار معظم المنافذ المؤدية إلى وسط البلاد وحتى التي تربط المدينة بالمدن المجاورة لها مثل رأس الهلال وسوسة والقبة والبيضاء وشحات، وتعرُّض هذه المدن إلى فيضانات وانقطاع للطرق مما جعل الأمر أكثر صعوبة.
درنة مدينة منكوبة
التصريحات الحكومية الأولى بعد وصولها إلى المدينة، أكدت أن الوضع في درنة أصبح كارثياً، وسارع رئيس مجلس الوزراء بالحكومة الليبية أسامة حماد بإعلان درنة مدينة منكوبة وفي مداخلة هاتفية على أحد الفضائيات دعا كل الأجهزة والمؤسسات إلى الاستنفار والتوجه وبشكل عاجل وفوري لمدينة درنة، كاشفاً أن أعداد الضحايا ستكون صادمة للجميع وأنها ستفوق الآلاف.
ومع دخول وحدات القوات المسلحة العربية، وفرق الهلال الأحمر الليبي وعدد من المتطوعين إلى الأحياء التي دمرها الفيضان بدأت ملامح الغموض تزول وتتسرب بعض الصور عبر شبكات التواصل الاجتماعي رغم انقطاع الاتصالات تظهر الدمار الكبير الذي خلفه الفيضان وحجم الكارثة الذي حل بها .
روايات الناجين
وعند تجوُّل موفد وكالة الأنباء الليبية في اليوم الثاني لبطن الوادي لتوثيق الأضرار وإجراء مقابلات مع أهالي الأحياء الناجين والتي جرفها السيل بدأت ملامح الخراب تؤكد أن الضحايا سيرتفع عددهم إلى الآلاف، وأن المأساة لن تكون سهلة على أهالي المدينة فتلوّن شاطئ درنة جراء السيول وحطام المنازل والجثث التي تملأ المكان والسيارات التي جرفها السيل، تؤكد أن عاصفة دانيال لم تمر مرور الكرام على وادي درنة.
الناجون من ذوي الضحايا وأهالي الحي رغم ذهول الصدمة، تؤكد رواياتهم هي الأخرى أن انفجار السد أعطى إنذارا قصيراً لم يسمح لنا حتى بالفرار من المنطقة دون جمع الأغراض، فبين انفجار السد الأول والثاني لم يتجاوز الوقت 15 دقيقة وبعد ذلك جرف الوادي أحياء بسكانها مخلفاً الآلاف من الضحايا والدمار في البنية التحية للمدينة والاتصالات والكهرباء وكل الطرق الرئيسة والفرعية والجسور التي تربط المدينة ببعضها البعض .
مسجد الصحابة الواقع على ضفة وادي درنة الشرقية والذي ضم في جواره قبور صحابة رسول الله لقرون طويلة لم ينجُ كذلك لترافق قبور الصحابة أهالي الحي إلى شاطئ مدينة درنة بعد جوار طويل، وجرف السيل تلك القبور ليسوقها نحو البحر .
وصول فرق الإنقاذ الأجنبية
وفور وصول فرق الإنقاذ الأجنبية إلى مدينة درنة مجهزة بأحدث تقنيات البحث تحت الأنقاض من مختلف الدول التي أبدت جاهزيتها للمشاركة في أعمال البحث عن المفقودين تمكنت وبالفعل من إنقاذ بعض العالقين والمحاصرين تحت الأنقاض ليرسم ذلك أملاً للكثيرين في إمكانية نجاة المفقودين من ذويهم .
اجتمع الليبيون بعد سنوات من الانقسام
وفي مساجد المدينة وداخل ميادينها ومؤسساتها، اجتمع الليبيون بعد سنوات طويلة من التشتت والانقسام من شرق البلاد وغربها وجنوبها، وبدأ تدفق القوافل حاملة المعونة والإغاثات موفرة كل أنواع الدعم المتمثل في المواد الطبية الخاصة بالإسعافات الأولية والمواد الغذائية والسلع الأساسية ومياه الشرب والملابس لتتجلى بعد عقد ونيف من الزمن صورة التلاحم الوطني الليبي بعيداً عن كل الاختلافات التي وقعت في تلك السنوات .
تراص صفوف القوات المسلحة العربية الليبية والمؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني والمتطوعين شكّل خلية عمل كبيرة رفعت عن أهل مدينة درنة ثقل الأزمة ومرارة الموقف الذي لم تشاهد المدينة خاصة ولا البلاد عامة موقفاً يماثله، وما زالت هذه الخلايا تقدم لمدينة درنة الدعم والمساندة المادية والمعنوية. (وال – درنة) المراسل : عبد السلام المشيطي / مصور : عبد السلام الفيتوري