طرابلس 21 نوفمبر 2023 م (الأنباء الليبية) – أكد خبراء ماليون واقتصاديون أن انخفاض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الصعبة في السوق الموازية أو (السوداء) كما تُوصف في الشارع الليبي، بعد فترة طويلة من الاستقرار النسبي، يعود إلى عدة أسباب أبرزها فرض المصرف المركزي مؤخرا إجراءات أكثر تشددا على فتح الاعتمادات ومنعها على بعض الشركات وإلغاء اعتمادات أخرى إلى جانب قلة المعروض في السوق الموازية.
وزارت مراسلة لوكالة الأنباء الليبية السوق الموازية في ميدان الساعة خلف مبنى المصرف ليبيا المركزي، ولا يُعرف هل هي مجرد مصادفة أن تتخذ هذه السوق هذا الموقع في ظهر المصرف المركزي أم هي دليل قائم على غياب الدولة وسيطرة شخصيات متنفذة على حركة العملة الخضراء وتداولها، حيث استطلعت آراء بعض تجار العملة الذين رفضوا ذكر اسمائهم.
وقال ( أ ، م ) ، وهو تاجر عملة التقته مراسلة (وال) في السوق الموازية: إن هذه السوق بالنسبة لي باب رزق أشتري فيه الدولار وأبيعه في نفس اليوم بعد أن أجني من خلفه عدة دراهم مع وجود احتمالات ربح بسيط شبه مضمونة واحتمالات خسارة وإن كانت قليلة.
وأضاف، اعتقد أن أسباب ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار محصورة في داخل مصرف ليبيا المركزي الذي قلص عمليات تنفيذ الاعتمادات فارتفع السعر مباشرة، معتبرا أن حركة الدولار في السوق الموازية مرتبطة ارتباطا كاملا بحركته في المصرف المركزي ، لأن الدولار مصدره المصرف المركزي فقط لا غير حسب رؤيته.
وشدد في هذا الخصوص على ضرورة أن تضع الحكومة قوانين قابلة للتنفيذ للسيطرة على حركة فتح الاعتمادات ، لأن معظم المستفيدين من الاعتمادات- حسب قوله – ليسوا تجارا حقيقيين وإنما هم مضاربون في العملة يتحصلون بطرقهم الخاصة على الدولار من المصرف المركزي ولا يستوردون مقابله بضائع بل يتاجرون به في تركيا والإمارات وغيرها مقابل نسبة لأطراف أجنبية في هذه الدول ثم يضخون الدولار مجددا في السوق السوداء في ليبيا، مؤكدا أن كل المسؤولين والتجار وكذلك المواطنين يعرفون ذلك.
وتابع ( أ ، م ) قائلا: إن الارتفاع الجنوني مؤخرا لسعر الدولار أما الدينار سببه أيضا سعي التجار الحقيقيين للحصول على العملة لتغطية التزاماتهم السابقة مع الشركات الخارجية وإقبال الذين لديهم مبالغ طائلة من العملة المحلية على شراء الدولار خشية استمرار معدل انهيار الدينار الليبي.
وقال التاجر – الذي يبدو أنه، بحكم عمله في السوق الموازية، مطلع على ما يدور في كواليس المصرف المركزي والمصارف التجارية والخاصة – إن تعقيدات المصارف تساهم كذلك في ارتفاع سعر الدولار مشيرا في الخصوص إلى أن مصرف الأمان لا يمنح بطاقة الـ 10 آلاف دولار إلا بعد 60 يوما من إيداع المبلغ بالدينار الليبي، والمصرف التجاري يشتغل بمعدل معاملتين في اليوم فقط، والمصارف الأخرى جمدت شحن هذه البطاقة لنقص العملة الصعبة التي يتحكم فيها المصرف المركزي.
وخلص إلى أن العملية برمتها تخضع لقاعدة العرض والطلب، وعندما زاد الطلب على الدولار في السوق الموازية ارتفع سعره أمام الدينار، معتبرا أن الحكومة والمصرف المركزي هما المسؤولان مباشرة عن هذا الارتفاع وليست السوق الموازية.
من جهته اتهم تاجر العملة ( ع ، أ ) دون تردد من أسماهم بـ “مافيا العملة والاعتمادات وبعض مدراء المصارف والموظفين في أقسام العملة بالمسؤولية المباشرة عن الارتفاع الأخير في سعر الدولار ، قائلا: إن تجار العملة في السوق الموازية ليست لديهم أية علاقة بسعر الدولار من حيث ارتفاعه أو انخفاضه وإنما المصدر الرئيسي والوحيد للدولار وهو المصرف المركزي ومن ثم المصارف التجارية والخاصة التي تقوم ببيع الدولار وشحن البطاقات.
وأضاف أن انفكاك العلاقة بين “مافيا الدولار ومدراء المصارف ستجعل الدولار يتراجع أمام الدينار الليبي بشكل سريع أمام العملات الصعبة” مشيرا إلى أن ما أسماها (المضاربة الوهمية) التي نشهدها اليوم لم تصنعها السوق الموازية وإنما صنعها جميع الذين يصلون إلى الدولار من داخل المصرف المركزي من المتنفذين في الدولة .
من جانبه أرجع الخبير المالي ومدير سوق الأوراق المالية في ليبيا سابقا ،سليمان الشحومي، ارتفاع أسعار العملة الأجنبية غير العقلاني مقابل الدينار الليبي مؤخرا في السوق السوداء في ليبيا إلى ما وصفها بالعشوائية والشائعات والمضاربات والمعلومات عن الوضع المالي وتوفر السيولة .
وقال الشحومي، لمراسلة (وال): إن مسأله أسعار الصرف وتذبذبها خلال الفترة الأخيرة في السوق الموازي والتغيير الحاد و غير المسبوق وارتفاع العملة لأرقام قياسيه ، وعودتها بعد ذلك إلى وضعها لحد ما دليل على عشوائية كبيرة، فالسوق تحركه الشائعات والمعلومات أو مدى توفر العملة أو مدى سهوله انسيابها من قبل البنك المركزي.
وأضاف، لاحظنا أن المصرف المركزي بدأ في الفترة الأخيرة بالتعاطي مع هذه المسائل وقدم نوعا آخر من أنواع التحويلات وهو بطاقه الـ ( 100 ) ألف دولار، والتي ربما مازالت لم تختبر بشكل جيد ، غير أنه أشار إلى أن ذلك يدل على أن المصرف المركزي يتعاطى مع الأوضاع بشكل عام ويحاول تهدئة الثوران غير المنتظم وغير العقلاني لأسعار العملات الصعبة أمام الدينار والذي مرده الحقيقي يرجع للمضاربات غير الحقيقية في السوق .
وتابع الخبير المالي في تحليله قائلا: نعرف أن المشكلة كان لها علاقه ببعض القيود الكمية التي وضعها البنك المركزي في الفترة الأخيرة في محاولة للسيطرة والحد من عمليات غسيل الأموال، ما قد يكون أرسل – بحسب رأيه – إشارات سلبية للسوق الموازي ، موضحا أن البنك المركزي لازال يبدي استعداده أو قدرته على مواجهة الطلبات ويقدم القيمة المناسبة التي يحتاجها السوق سواء كان لعملية الاستيراد أو الحوالات الشهرية.
ولفت الشحومي إلى أن هناك معالجات يجب القيام بها على المدى الطويل، غير أنه لاحظ أنه لا يوجد في الوقت الحالي أي مبرر للتذبذب الرهيب الذي حصل في الأسعار والتغير الكبير في السوق الموازي.
من جانبه يرى رجل الأعمال الليبي البارز ” حسني بي ” أن العملة تحولت في ليبيا إلى سلعة بمعنى أن العملة يدعمها الاقتصاد الوطني وأن فرض سعر معين لأي شيء لا يعني أن هذا هو سعره الحقيقي لأن السعر الحقيقي هو الذي يحدده العرض والطلب.
وأوضح “بي” ” في تصريح لـ (وال) أن دور العملة في الأساس هو قضاء حاجيات الناس سواء كانت بالدولار أو الدينار فإذا توفر الدينار ونقص الدولار يرتفع سعر الدولار والعكس صحيح وهذه معادلة طبيعية وهي أساس الاقتصاد، أي قانون العرض والطلب.
وأكد أن أكثر من ( 40 ) في المائة من النقد الليبي مخزّن في البيوت ويتعامل به الناس ما يعني أن هناك أعمالا كثيرة تتم خارج المنظومة المصرفية وقد تكون سببا في غسيل الأموال الذي يُعد جريمة في كل القوانين.
وأشار رجل الأعمال حسني بي إلى أن ليبيا لديها ثروة مالية من عوائد النفط واحتياطي من النقد الأجنبي يُقدر بـ ( 85 ) مليار دولار ، وبالتالي تستطيع السلطة على سبيل المثال إصدار قرار بفرض إيداع الأوراق النقدية فئة الـ 20 والـ 50 دينار لدى المصارف في بحر شهر وإلا تصبح غير نافذة ، وبذلك تفرض الانتقال إلى التعامل بالدفع الالكتروني وبطاقات الائتمان والصكوك لتسيطر على تداول العملة في السوق.
واتهم “بي” السلطات بخلق المشاكل من خلال تخلف المنظومة المصرفية والقيود على حقوق السحب والتحجج بشعارات السيادة غير الواقعية وغير المنطقية ، قائلا ” إن مثل هذه الحجج ليس لها أي دور في العملية الاقتصادية المبنية على أساس المصالح ولا شيء غير ذلك.
وكان سعر صرف الدولار سجل ارتفاعاً ملحوظاً مقابل الدينار الليبي في تعاملات السوق الموازية حيث تخطى سعر الدولار الواحد حاجز الـ 6 دينار في الأسبوع الأول من نوفمبر لأول مرة منذ سنوات.
ويواصل سعر الدولار بالسوق الموازية في الارتفاع على الرغم من ثبات سعره الرسمي بمصرف ليبيا المركزي عند ( 4.9 ) دينار، جارا وراءه ارتفاع سعر العملات الأجنبية الأخرى مثل اليورو الجنيه الإسترليني.
وقفز سعر الدولار منذ بداية شهر أكتوبر الماضي، في السوق الموازية، من ( 5.10 ) دينار إلى ( 5.65) دينار ، ليعود إلى ( 6.06 ) دينار، ما يثير مخاوف في الشارع الليبي من تأثير هذا الارتفاع على أسعار السلع الأساسية وغيرها المقيمة بالعملة الصعبة.
وكان وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية ، محمد الحويج، قد صرح بأن انخفاض سعر صرف الدينار في السوق الموازية أمام العملات الصعبة يعد أمرا عارضا، مؤكدا أن ليبيا تحتفظ باحتياطات من النقد الأجنبي تتجاوز 82 مليار دولار. (الأنباء الليبية – طرابلس) تقرير : نعيمة المصراتي