بنغازي 23 نوفمبر 2023 (الأنباء الليبية) -تمر الأمة بأزمات مختلفة، ويتفاعل معها الجميع بصور مختلفة، وردود أفعال عدة، وكل له دوره ورأيه فيها، ودعمه أيضا، والمثقف الليبي لا يبتعد عن قضاياه ويعيش معها، بروحه ووجدانه. وغزة كانت ومازالت من أكثر القضايا التي تشغل الرأي العام، من خلال تعرض أهلها إلى أبشع أنواع العسف، على أيدي الصهاينة، في الوقت الذي يؤكد فيه الفلسطينيون حقهم الطبيعي في المقاومة، وكيف للمثقف دعم هذا النضال، من خلال الصور التي يرسلها للعالم عبر رسائله المختلفة، وقد كانت هناك آراء قيمة لمجموعة من المثقفين من خلال هذا الاستطلاع:
ـالأدب يقاوم الجهل والظلم
الشاعر “صالح قادربوه” يقول: هذا العنف الوحشي تجاه المدنيين العزل في فلسطين من قبل قوة الاحتلال الغاشم، ليس فقط شأنا حقوقيا أو إنسانيا، فهويتنا العربية هي ما يتم تجريفه هنا، والشأن الفلسطيني هو قضيتنا الحقيقية كونها تضعنا مباشرة ودون حجب أمام ضمائرنا. وأضاف أن الأدب الذي قاوم الجهل والقبح والظلم والتعدي، ويلزمنا بأن تكون لأقلامنا بصمتها في الاحتجاج والإدانة والمقاومة، ولم يكن لا المواطن الليبي ولا الكاتب الليبي يوما بمعزل عن الانتصار للحق ضد الاستعمار لليبيا وضد الاحتلال لفلسطين، فكافح أجدادنا بأنفسهم وكتابنا بأقلامهم وصوتهم الحر هذا الشر دون حساب لمصلحة خاصة أو رأي قوى العالم فيه؛ لذا فالدور الذي يقوم به الكتاب بالغ الأهمية في مؤازرة شعب عربي وأرض عربية يراد لهما الطمس، ويقاوم النص النقي هذه الوحشية برفضها ومعاندتها والنضال ضدها، إيمانا بالحق والأخلاق ونسب اللغة والدم، في عصر من الخذلان الكبير الذي ينبغي لأقلامنا أن لا تنحني أمام رياحه ولا تختبئ خوفا منه أو طمعا.
ـ الدفع بالأقوال لتصبح أفعالا
الدكتور “سليمان زيدان” يقول: دور المثقف بيان أن ما أجبر المقاومين على فعل ما فعلوا، يرجع إلى أن المحتل مصر على طغيانه ضد الفلسطينيين وامتهانه لهم بأقصى درجات الإذلال والحرمان، ثم تخاذل المسلمين العرب أو غير العرب عن نصرتهم، كذلك جرأة البعض على توطيد الصلات وتقوية العلاقات بالكيان الصهيوني وهذا كله يحتم على المثقف الدفع بالأقوال لتصبح أفعالا فاعلة ومستدامة. -فيص التوعية ونقل الصورة الصحيحة ـ الأستاذة نعمة محمد الفيتوري تقول: سؤال يلح على الذاكرة، كيف يمكن دعم شعب يستيقظ أشلاء تحت الركام، وينام على أصوات القصف محتضنا رعبه؟ ما هو الدعم الذي يمكن أن نقدمه له سوى أن نوقف هذا القصف؟ في حالة غزة لا دعم حقيقي سوى توحيد الصف العربي لرفع هذا الظلم، وغير هذا الحل فإن أي حل سواه ليس إلا مزيدا من القتل والإبادة. كيف لمثقف أن يدعم ضحية بالكلام؟ وكيف لكلمة أن تواجه صاروخا وتؤثر في معتد أحمق؟ في الواقع أن حال غزة اليوم يتضاءل أمامه أي دعم مكتوب. ولو اختصرنا دور المثقف الليبي أو العربي سيكون في التوعية، نقل الصورة الصحيحة، فضح أكاذيب العدو، ندوات تنويرية، تصحيح مفاهيم عن الهوية العربية، وترسيخ معناها في أفكار القراء بحجج دينية وتاريخية، وتنمية شعور الانتماء الوطني والعروبي والإسلامي مهم جدا، لأن المعركة الآن في أخطر مراحلها على الإطلاق، نحن أمام منعطف تاريخي وديني محوري، وعلينا أن نتصدى له بكل قوة إيمانية وصبر وذكاء، ولا يجب أن ندخر وسيلة لدفع هذا الكابوس من الجثوم فوق صدور أمتنا العربية كلها، وليس غزة وحدها. وهنا يجب الإشارة إلى حوار “باسم يوسف” مع “بيرس مورجن” وكيف استخدم كل أدواته بذكاء في طرح القضية الفلسطينية تاريخيا من جذورها، وأصل فكرة الأرض، وكيف رمى بالكرة في ملعب الغرب ببساطة مقنعة مذهلة، هنا يكمن الفرق بين المثقف المغترب والمحلي، فالأول يتمتع بقدر من الحرية واستخدمها بذكاء، وسخر أدواته – من لغة ومعرفة – لإعادة تشكيل الصورة الحقيقية لما يحدث الآن من تجاوزات وقهر، ونحن لا نكف ولن نكف عن التعبير من خلال المنصات ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم التقييد وتكميم أفواه الحقيقة، والآن السؤال المطروح ما هي الإمكانيات المتاحة للمثقف الليبي حتى يقوم بدوره كما يجب؟ وما هي البدائل؟
-على المثقف دعم المقاومة
الأستاذ “فيصل حيدر” كان رأيه: دور المثقف في دعم المقاومة يبدأ من محيطه المحلي بمكافحة فكرة التطبيع، وكذلك بمحاولة دفع الشعور الجمعي باللامبالاة الناتج عن تكرار مشاهد العنف ضد الفلسطينيين، وخنوع الحكومات للغرب والصهيونية، وله أن يتوسل لذلك بشكل مباشر عن طريق الأحاديث والنقاش، ثم من خلال منشوراته في وسائل التواصل، ولمن له القدرة على التواصل مع الإذاعات أن يستفيد منها، ولمن لهم لغات أجنبية فرصة توظيفها في خطاب الرأي العام الأجنبي والضغط على الحكام الغربيين، من خلال النشاط على التواصل الاجتماعي بالنشر والمشاركة، وله غير ذلك المساهمة في إنجاح حملات الإغاثة والنصرة المحلية والعربية والدولية.
ـالقصيدة شاهد على ما جرى
الشاعر “عبد السلام بوحجر”: من وجهة نظري أن عمل الشاعر لا يتجلى في الزمن الحاضر إنما تؤتى ثماره في المستقبل، فقد لا يكون على ما جرى شاهد إلا قصيدته؛ لأن الناس تنسى الأتراح والأفراح، وقد لا تذكرها إلا القصيدة، فالشاعر مؤرخ غنائي وربما يكون مزورا كذلك، فهو في يده أن يقول الحقيقة أو أن يزورها، أما تأثيره في الوقت الحالي فكما لا يخفى على أحد أن “السوشيل ميديا” أقصت بكل السبل الممكنة الخطاب الواعي والقلم الرصين، واستبدلت به هراء يعرض بطريقة فنية وإخراج مبهر، وأقصت تصفيق الجمهور الحقيقي من المثقفين، واستبدلت به تعليقات كل من هب ودب وإعجاباهم، فهذا كله لا يسمح للشعر الحقيقي بإضافة تأثير حقيقي على أرض الواقع، إنما يقتصر دوره ـ حسب وجهة نظري ـ على تثبيت الحقائق تاريخيا، ليرجع الناس إليها في ساعة صفاء.
ـ الكلمة سلاح
الشاعر “رامز النويصري” يقول: المثقف، سواء الليبي أو العربي، يملك أحد أهم الأسلحة، ألا وهو الكلمة؛ الكلمة التي تملك من الطاقة ما يمكنها من الانتصار على أعتى الجيوش، طالما كانت كلمة حق، نابعة من إيمان عميق وكبيرة بالقضية التي تنطق بها، وفي خضم هذه المعركة، غير المتكافئة، وأمام بسالة المقاومة الفلسطينية، وهي تتصدى للعدو الصهيوني وآلة الدعم العالمية التي تقف خلفة، فإن الجهاد بالكلمة وجه آخر للمقاومة، التي وإن كانت ناعمة، فهي تملك قدرة كبيرة على التأثير، فالمثقف ومن خلال الكلمة يمكنه فعل الكثير، بداية من نشر المعلومات الصحيحة والحقيقية، إلى كشف ما يمارس من تضليل إعلامي، وصولا إلى بث خطاب التضامن والدعم، وحتى الخروج إلى الشارع وإثارة الرأي العام حول هذه القضية المصيرية.
ـإيصال حقيقة الصهاينة للعالم
الأستاذة “عواطف الشريف”: ترى أن نشر الوعي بين الناس بحقيقة هذه الحرب على الصعيد الإقليمي والسياسي والاقتصادي والجغرافي، وما ترمي إليه الحرب من أبعاد وتبعات خطيرة على مستقبلنا نحن العرب والمسلمين، كدول مجاورة لذلك الكيان الصهيوني الغاصب، كل بما في استطاعته؛ بلسانه شعرا ونصحا ودعاء، وبقلبه شعورا متضامنا وضميرا حيا. وأضافت بالنسبة لي أعبر بالمتاح لدي من وسائل، فقد اخترت ما يلامس القلوب والأرواح، الصورة والكلمة واللحن، بما أن مواقع التواصل الاجتماعي جعلت من العالم قرية صغيرة، أيضا من خلال الإعلام المرئي والمقروء والمسموع، وأفواههن في نظري الأفلام القصيرة التثقيفية، سواء كانت كرتونا مرسومة أو بأداء ممثلين، وبالكلمة مع اللحن، لمن استطاع إليهن سبيلا، فإن إيصال أبعاد هذه الحرب وشرورها للوعي العام يحتاج لخبراء سياسيين وعسكريين متكاتفين مع المثقفين بكل توجهاتهم الأدبية وفنونهم. وتختتم: الموضوع كبير جدا، لا يقتصر ضرره على غزة، بل هو فكر ظلامي إرهابي ضد الإنسانية جمعاء، وهو بعقلية محتل ويرى معتنقوه في أنفسهم أن رقعة الوطن العربي كلها لهم، وأنهم ورثة الأنبياء والأرض وأنهم شعب الله المختار، نحن محتاجون حقا لأن نوصل حقيقتهم للعالم، كما هي بوجهها الوحشي القبيح، قولا وفعلا كل حسب استطاعته والمتاح.(الأنباء الليبية بنغازي) ص غ / س خ.