تحقيق: ساسية اعميد – تصوير أحمد زقلام
طرابلس 28 نوفمبر 2023 م (الأنباء الليبية)- تعاني ليبيا من تدني المحاصيل الزراعية الاستراتيجية أبرزها الشعير والقمح رغم توفرها على مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة والإمكانات المالية لحفر الآبار الارتوازية بالإضافة إلى مشروع النهر الصناعي.
وأسست الدولة الليبية على مدى العقود الماضية عدة مشاريع زراعية استراتيجية في الجنوب والغرب والشرق إلا أن معظم هذه المشاريع طالها الإهمال والفساد وتفاقمت المشاكل فيها بعد انتفاضة 2011 حيث تم الاعتداء على معظم تلك المشاريع ونهبها وتخريبها.
ويلاحظ أن المزارعين في ليبيا توجهوا خلال السنوات الأخيرة إلى ما يعرف بالزراعات الورقية نظرا لمردودها المادي السريع. ويقوم معظم ملاك الأراضي الزراعية اليوم بتأجير أراضيهم إلى تجار محليين يستجلبون عمالة وافدة خاصة من مصر لإنتاج البصل والطماطم والبطاطس وما إلى ذلك من الزراعات الورقية دون أية دراسات لاحتياجات السوق المحلي واستهلاك كميات كبيرة من المياه واستخدام المبيدات الحشرية الكيميائية دون دراية ما يلحق بالغ الضرر بالأرض والصحة العامة.
ويعد مشروع العيسة الزراعي الذي تبلغ مساحته 5600 هكتار على الحدود الليبية التونسية من بين تلك المشاريع الزراعية الاستراتيجية التي طالها الإهمال خلال السنوات العشر الماضية.
وتحول فريق من وكالة الأنباء الليبية إلى موقع مشروع العيسة الزراعي في عطلة نهاية الأسبوع وأجرى تحقيق موسع حول الوضع الحالي للمشروع والأضرار التي لحقت به والجهود المبذولة لإحيائه من جديد.
وقال مدير المشروع، نصير الطيب عدالة، في مقابلة مع وكالة الأنباء الليبية في موقع المشروع الذي يبعد حوالي 140 كلم غرب العاصمة طرابلس على مشارف الحدود الليبية التونسية، إن مشروع العيسة الزراعي يعتبر من المشاريع الاستراتيجية في ليبيا وهو مشروع حدودي في تخطيطه وتصميمه ويعود أساس إنشائه إلى تحقيق التنمية المكانية في حدود نطاقه الجغرافي ولمدينة العيسة الحدودية.
وأضاف أن المشروع يحتوي على 22 بئرا ارتوازية تغطي جميع احتياجاته حيث يتراوح عمق المياه ما بين 180 و220 مترا، وسبعة (7) خزانات سعة 1000 متر مكعب و296 خزانا سعة 100 متر مكعب، وبه مزارع للنخيل والحبوب والتين والزيتون والعنب والأعلاف إلى جانب مساحات للرعي وتربية الحيوانات خاصة الإبل، للإسهام في تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة الغربية بالكامل وترقية التنمية المكانية.
وقال عدالة إن هذا المشروع المهم تعرض سنة 2014 للتخريب والدمار حيث تمت سرقة العديد من معداته الثقيلة من بينها جرارات زراعية وجرافات وسيارات، وتحطيم الكثير من المباني الملحقة به مشيرا إلى أن الدمار والتخريب والنهب طال شبكة الكهرباء والآبار وسرقة الأسلاك الكهربائية والمحولات والأعمدة وشبكات الري بالتنقيط والري المحوري والأسوجة المحاطة بالمزارع.
واستطرد مدير مشروع العسة الزراعي أنه على الرغم من الجهود المبذولة لإحياء هذا المشروع الاستراتيجي المهم إلا أن القائمين عليه يواجهون العديد من التحديات والمصاعب منها مشكلة استمرار الجفاف لعدة سنوات التي أثرت على المزارع المشجرة ونهب شبكات الري الممدودة.
ودعا عدالة السلطات المختصة إلى ضرورة الاهتمام بهذا المشروع وإحيائه وتوفير الأسلاك الشائكة الضرورية لتسييج المزارع وزرع مصدات الرياح وتوفير مضخات المياه للآبار الارتوازية الخاصة بالمزارع.
كما دعا المسؤولون في وزارة الزراعة والحكومة إلى الاهتمام بهذا المشروع الاستراتيجي وتوفير ميزانية تشغيلية للمشروع من الخزانة العامة وتزويد الإدارة المشرفة بكوادر فنية متخصصة للمساهمة في إصلاح المشروع وترميم الأضرار التي لحقت به طوال السنوات الماضية وصرف مستحقات العاملين.
واستطرد أن إدارة جديدة كلفت في سبتمبر 2022 بإدارة المشروع وانطلق العمل الفعلي في يناير 2023 بإنشاء مزارع استرشاديه بمساحة 240 هكتارا حيث تم غرس مساحات من اللوز والعنب إلى جانب زراعة البصل والبطيخ ومزروعات ورقية أخرى، مشيرا إلى أنه سيتم يوم الجمعة القادم إطلاق حملة تشجير تمتد من 2024 إلى2030، انطلاقا من مشروع العسة تستهدف غرس 100 مليون شجرة على مستوى ليبيا.
وقال إنه تم توصيل التيار الكهربائي إلى خزان المياه الرئيسي وسعته 1000 متر مكعب وتركيب شبكات للري بالتنقيط تغطي مساحة 100 هكتار وصيانة البئر الرئيسية وربطها بالخزان الذي تبلغ طاقته التخزينية مليون متر مكعب وتسوية الأرض ومسح الطرق الداخلية والعناية بالنخيل المزروع سنة 2003، مشيرا إلى أنه يتم حاليا زراعة مساحات من الحبوب المروية، القمح والشعير والعلف الحيواني.
ويتوسط المشروع مدينة سكنية متكاملة تحتوي على 5000 وحدة سكنية بلغت نسبة الإنجاز فيها 70 في المائة مع مرافقها من المدارس والمؤسسات الصحية والرياضية والترفيهية وخزانات المياه والطرق وحضائر لإنتاج الدواجن.
ويبعد مشروع منفذ العسة، بين ليبيا وتونس، وهو قيد الإنشاء، حوالي 7 كلم من غرب مشروع العسة الزراعي، ومن المقرر أن يخفف كثيرا من الازدحام الحاصل في معبري رأس جدير ووزان.
وتقول دراسات موثقة إن القطاع الزراعي في ليبيا الذي يواجه حاليا الكثير من التحديات قادرا على سد احتياجات البلاد شرط أن يعاد الاهتمام بالمشاريع الزراعية الاستراتيجية القائمة التي طالها الخراب والإهمال، منها مشروعات، مكنوسة، الكفرة، السرير، تهالة، برجوج، زلة، الشريط الأخضر، مراده وغيرها الكثير، إلى جانب الاهتمام بتوفير مدخلات الإنتاج وترشيد المزارعين للتوجه إلى الزراعة الاستراتيجية والكف عن التوسع في الزراعة الورقية. (الأنباء الليبية)