طرابلس 18 نوفمبر 2024 (الأنباء الليبية)- أجمعت دراسات علمية وأكاديمية اطلعت عليها صحيفة (الأنباء الليبية) أن تدني مخرجات النظام التعليمي والتربوي الليبي في مراحله، الأساسية والإعدادية والثانوية والجامعية، وضئالة مستوى التحصيل لدى التلاميذ والطلاب، يعود بالدرجة الأولى إلى فشل المرحلة التأسيسية الابتدائية وسببها ضعف المعلم.
وأشارت دراسة للكاتب عز الدين المعلول إلى أن تدني مستوى التعليم في ليبيا يبدأ منذ السنوات الأولى للتلميذ في المدرسة الابتدائية، وبينت أنه بالرغم من أهمية هذه المرحلة باعتبارها مرحلة تأسيسية إلا أن التلميذ يخرج منها بأقل من المأمول وأدنى من المستهدف والسبب هو معلم هذه الأيام.
ولاحظت الدراسة أن ضعف أداء المعلم في المرحلة الابتدائية هو السبب الرئيس لمشكلة تدني مستوى التلميذ لاحقاً، حيث تبدأ كرة الثلج في التدحرج والتضخم وتزحف على كل المراحل اللاحقة إلى المرحلة الجامعية.
وبسؤال عميد كلية الآداب واللغات في جامعة طرابلس، د. جمال الجازوي، في مقابلة أجرتها معه صحيفة (الأنباء الليبية)، في عطلة نهاية الأسبوع، عن أسباب تدني النظام التربوي في ليبيا وضعف مستوى التحصيل لدى الطالب وهل العيب في المناهج أم في طريقة التدريس، قال:” إن هذا السؤال مهم جدا فنحن أمام ظاهرة تعاني منها كافة مؤسساتنا وهي ظاهرة يمكن أن نطلق عليها تدني مستوى التعليم لكنني لا أنوب عن وزارة التعليم والتربية التي لها خبراؤها الذين قد يتحدثون عن أسبابها”.
واستطرد الجازوي قائلا:” بوسعي أن أتكلم عن ظاهرة التعليم العالي في المؤسسات التعليمية من باب خبرتي في هذه الجامعة إذ – كما تعلمون – طال الثقافة التعليمية والتربوية الكثير من المفاهيم حتى في أفكار المجتمع حيث كان المواطن يفكر في الزمن السابق بطريقة معينة والهدف عنده أن يلتحق ابنه أو ابنته بالتعليم العالي بالجامعة ويتخرج (تـ) منها”.
وأضاف أن المفاهيم تغيرت اليوم حيث أصبح الشباب، (ذكورا وإناثا)، بمجرد حصولهم على الثانوية العامة يبحثون عن الوصول إلى وظيفة تكون سريعة الكسب والتحصيل المادي، على حساب التحصيل العلمي والمستوى الثقافي.
ولاحظ عميد كلية الآداب واللغات أن أقسام التاريخ، الفلسفة، الجغرافيا، المكتبات وهي أقسام عريقة كانت في الألفينيات من القرن الماضي تعج بالطلاب والأساتذة إلا أنها باتت اليوم شبه خاوية متسائلا هل السبب أن مستوياتها أضحت متدنية ليجيب بالنفي ويقول “ليس الأمر كذلك بل بالعكس يوجد في هذه الأقسام أساتذة أجلاء كبار وخبرات تعليمية وتربوية لكن الثقافة الجديدة التي طرأت على الطالب وعلى الخريجين وعلى الرغبة في الدراسة تغيرت وفق اشتراطات سوق العمل”.
وأردف أن العزوف على الانتساب إلى هذه الأقسام تضاعف خلال السنوات العشر الماضية حيث بدأ الطلبة الجدد الملتحقين بالتعليم الجامعي يبحثون عن تخصصات يعتقدون أنها تلبي احتياجات سوق العمل ويتجهون إلى التعليم الخاص وينخرطون في أقسام الحاسوب (الكمبيوتر) والإدارة المالية والتمويل والمصارف لأن الطالب بات يرى أن هذه هي لغة السوق الموجودة ولغة الوظيفة.
غير أن عميد كلية الآداب واللغات استهجن ذلك الاستنتاج مشيرا إلى أن الطالب يتناسى وجود أقسام مثل قسم الجغرافيا يقوم بدراسات عن التربة والأرض والمحاصيل والديمغرافيا والسكان ويقدم توصياته إلى القائمين على المشاريع الزراعية والمائية والإنمائية في ليبيا وهي مشاريع الحياة.
وأشار في نفس السياق إلى أن قسم التاريخ الذي يعزف عنه الطلبة اليوم يُخرج المتخصصين الذين يسجلون هوية الأمة ويوثقون تاريخها مؤكدا أنه إذا استمر هذا الحال سنصبح شعبا بدون هوية وبدون تاريخ وبدون توثيق.
ودعا الجازوي في هذا الصدد مراكز التوثيق ودار المحفوظات إلى توثيق الهوية الليبية من خلال العمل على تطوير قسم التاريخ مع دار الآثار الشاهد على تاريخ ليبيا العريق وتحسيس الطالب بأن هذا القسم مهم جدا يوثق لأمته وتاريخه وبلاده.
وأشار إلى أن أقسام اللغات تواجه ذات المشاكل حيث يتدافع الطلبة على قسم اللغة الإنجليزية مشيرا على سبيل المثال إلى أن حوالي 500 طالب تقدموا هذا العام إلى قسم اللغات، 90 في المائة منهم سجلوا رغبتهم في الالتحاق بقسم اللغة الانجليزية وحوالي 120 طالبا منهم يريدون قسم الترجمة في الكلية.
وقال:” عندما حاولت وضع معايير وضوابط معينة وجدت أن هناك نوعا من التعسف من خلال إجبار الطالب على الدراسة في قسم معين ما يدفعه إلى سحب ملفه والذهاب للتسجيل في جامعة او مؤسسة خاصة. لذا قررت الكلية وضع ضوابط لتحديد مدى إمكانية الطالب وتأهيله للدخول في قسم اللغة الإنجليزية أو الترجمة أو أقسام اللغات الأخرى من عدمه”.
ولاحظ مراسل صحيفة (الأنباء الليبية) أن عميد كلية الآداب واللغات قدم رؤيته ليشير إلى أنه لا يستطيع التحدث عن انهيار أو تدني المستوى التربوي على مستوى التعليم الجامعي بل ليرجع ذلك إلى تغير ثقافة المجتمع ومتطلبات سوق العمل، وإلى التوسع في مؤسسات التعليم الخاصة وتعدد الجامعات العامة.
وقال في هذا الشأن:” إن الخريج في العلوم الإنسانية في الجامعات الوطنية يدرس مالا يقل عن 125 وحدة دراسية للتخرج … وبسبب ذلك نجد الكثير من الطلبة يلجأون إلى الجامعة الخاصة حيث يُمكنهم ضغط الأربع سنوات التي يشترطها نظام التعليم العام في سنتين فقط ويتخرجون بالتالي بشكل أسرع”، مشيرا إلى أنه لا يستطيع نقد مؤسسات التعليم الخاص لأنها تعمل حتما وفق تصاريح من جهات معينة أو أن يشكك في استجابتها لمعايير الجودة.
واستطرد أن المنافس الثاني هو التوسع في الجامعات العامة حيث كانت ليبيا تتوفر في السابق على خمس (5) جامعات، طرابلس وبنغازي و مصراته والزاوية وسبها، غير أننا نجد اليوم حوالي 28 جامعة، ما يعني أن كل مدينة أو قرية في ليبيا أصبح لديها جامعة خاصة بها.
وخلُص الجازوي في هذا الصدد إلى أن الافراط في الجامعات العامة والخاصة سيكون على حساب المؤسسة الأكاديمية، وعلى حساب المخرجات وعلى حساب الأداء، ومن هنا جاء تحفظه على انهيار النظام التعليمي في الجامعات الليبية.
يُشار إلى أن معظم الخبراء يعتقدون أن ضعف تأهيل المعلم وربما انعدامه نهائياً، ومرور مؤسسات إعداد المعلمين سواء كانت معاهد أو كليات جامعية بتغيّرات جوهرية أخلّت باستقرارها وأثرت بالسلب في مخرجاتها، وهي تغيرات طالت المحتوى الدراسي وسنوات الدراسة، ناهيك كون أغلب من يلتحق بهذه المؤسسات هم من الطلبة ذوي التحصيل المتدني، فضلاً عن تعيين معلمين غير مؤهلين البتة تخرّجوا من كليات العلوم والآداب والهندسة، كل ذلك مثل كارثة تربوية تسبّبت فيها السلطات التربوية العليا المتمثلة في وزارات التعليم المتعاقبة.
ورأت الدراسة المذكورة أن المكانة الاقتصادية والاجتماعية للمعلّم التي جعلت منه موظفا محدود الدخل يحتل ذيل ترتيب موظفي الدولة، يمارس مهنته دون دوافع أو طموح أو رغبة حقيقية، أفقدت هذه المهنة منزلتها وتحوّلت إلى مصدر رزق لا يلبّي ضروريات الحياة حيث وجد المعلم نفسه مضطرا للبحث عن عمل آخر أو مصدر آخر للدخل للرفع من مستوى معيشته، على حساب مهنة التدريس السامية وعلى حساب التحصيل العلمي لأبنائنا وعلى حساب نهضة ليبيا. (الأنباء الليبية) ص و
حوار: ساسية اعميد – أميرة التومي
تصوير: إسماعيل الكوربو