بنغازي 08 يناير 2025 (الأنباء الليبية)- تعد هجرة العقول واحدة من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الدول النامية، بما في ذلك ليبيا، حيث يسعى عدد كبير من الشباب والأطباء والباحثين إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل في مجالات التعليم والعمل.
وتعتبر هذه الظاهرة بمثابة فقدان للطاقات البشرية المتعلمة والمتخصصة التي يمكن أن تساهم في تطوير وطنها. وفي الوقت الذي تسعى فيه دول أخرى إلى استقطاب هذه العقول للاستفادة منها في بناء مستقبل مزدهر، فإن هجرة العقول تترك فراغًا كبيرًا في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي.
في حديث مع “صحيفة الأنباء الليبية”، استعرض طبيب الأطفال الليبي زياد عبدالله، المقيم في ألمانيا، أسباب هجرته، قائلاً: “في ليبيا، كان من الصعب أن أطور مهاراتي بسبب ضعف المنظومة الصحية، وغياب البروتوكولات الطبية الموحدة، إضافة إلى تدني المرتبات وضعف الثقة في الطبيب الليبي.. كل هذه العوامل جعلت الهجرة الخيار الأفضل.”
هجرة العقول: تهديد لمستقبل الأوطان
من جانبه يؤكد الأستاذ الدكتور عبدالله أحمد المصراتي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنغازي، أن هجرة العقول تعد “السوس الذي ينخر جسد الأمة”، مشيرًا إلى أن غياب العقول المبدعة يعطل مشاريع التنمية ويهدد أي تطور مستقبلي.
ويضيف المصراتي، في حديث مع “صحيفة الأنباء الليبية”: “المجتمعات المتقدمة تدرك أهمية استثمار الإنسان وتعمل على استقطاب العقول المبدعة، بينما في ليبيا، تزايدت هجرة العقول بسبب البيروقراطية، غياب التمويل، والمحسوبية، لكننا نعلم أن عودة هذه العقول سيكون لها دور كبير في تحقيق نهضة حقيقية.”
الواقع المعيشي والفرص الغائبة
وتروي حنان، المقيمة في بلجيكا، قصة هجرة عائلتها بعد حصول زوجها على فرصة عمل كباحث في جامعة بلجيكية، حيث قالت: “كانت فرصة ذهبية له لتطوير مهاراته بشكل لم يكن ليحصل عليه في ليبيا.. فكرنا في العودة، لكن الوضع في وطننا كان غير مستقر، والفرص التي نراها هنا لا تقارن”.
الحاجة إلى بيئة تعليمية وصحية متكاملة
ويشير خالد المسلاتي، مدرب التنمية البشرية، إلى مشروعه الذي يهدف إلى تشجيع الشباب على تطوير مهاراتهم داخل ليبيا بدلاً من الهجرة. وفي حديث مع “صحيفة الأنباء الليبية” قال المسلاتي: “المرحلة العمرية التي يفكر فيها الشباب في الهجرة هي أكثر مرحلة تتأثر بهذا الواقع، لذلك نظمنا العديد من الدورات التدريبية في مجالات مثل ريادة الأعمال وكيفية إنشاء المشاريع.. والهدف هو خلق فرص جديدة داخل ليبيا وتحفيز الشباب على تطوير مهاراتهم.”
يتفق الخبراء على أن الحل الأمثل لمشكلة هجرة العقول يكمن في توفير بيئة حاضنة للإبداع داخل ليبيا. ويقول الدكتور زياد عبدالله: “إذا تم توفير بيئة صحية وتعليمية جيدة، فإن العقول التي هاجرت ستعود للعمل على تطوير الوطن”، مشيرًا إلى أنه “لا يمكن لأي بلد أن يحقق تقدمًا حقيقيًا دون أن يستثمر في مواطنيه.”
أمّا المصراتي فيؤكد على ضرورة “الابتعاد عن المحسوبية والفساد، والعمل على توفير بيئة علمية ومهنية حقيقية تدعم المبدعين، مما يعيد الحياة إلى مشاريع التنمية في ليبيا.”
خطوة استراتيجية لإعادة العقول المهاجرة
في تصريح سابق لـ “صحيفة الأنباء الليبية”، أكّد وزير الصحة بالحكومة الليبية، الدكتور عثمان عبد الجليل، أن الوزارة أبرمت تعاقدات مع أطباء ليبيين متخصصين في الخارج لتنظيم زيارات دورية إلى ليبيا.
وأوضح، أن هذه الزيارات تهدف إلى إجراء جراحات وعمليات طبية ضمن فترات زمنية محددة، مع توفير بيئة صحية متكاملة تشمل كافة الإمكانيات الضرورية للعمل.
وتُعد هذه المبادرة خطوة استراتيجية لتشجيع العقول المهاجرة على العودة إلى وطنها، وتعزيز القطاع الطبي في ليبيا.
تظل هجرة العقول تحديًا كبيرًا أمام مستقبل ليبيا، لكن الفرص تبقى قائمة في حال تم توفير بيئة حاضنة للإبداع والاستثمار في الإنسان، لبناء مستقبل أفضل وتحقيق نهضة حقيقية على مختلف الأصعدة في البلاد. (الأنباء الليبية بنغازي) ف خ
تقرير: أحلام الجبالي