بنغازي 16 فبراير 2025 (الأنباء الليبية ) -شهدت مدينة بنغازي في الآونة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في معدلات الولادة القيصرية، حيث تجاوزت النسبة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، التي تتراوح بين 10و 15 في المائة من إجمالي الولادات، وهذا الاتجاه المتزايد نحو العمليات القيصرية يستدعي وقفة للتأمل في الأسباب الطبية والعواقب الصحية والاقتصادية المرتبطة بها.
-الولادة القيصرية والطبيعية المزايا والمخاطر
توضح عضو الكلية الملكية البريطانية لأمراض النساء والولادة في لندن، الاستشارية فوزية الشريف، أن هناك حالات تستدعي اللجوء إلى الولادة القيصرية، مثل انخفاض ضغط الأم أو نبض الجنين، وكبر حجم الجنين بشكل لا يسمح بالولادة الطبيعية، بالإضافة إلى وضعية الجنين غير المناسبة (مثل وضع المقعدة). كما أن السجل الطبي الذي يتضمن عدة ولادات قيصرية سابقة يعد من العوامل المساهمة في اتخاذ هذا القرار.
وتشير الشريف إلى أن هناك حالات يكون لديها جميع مقومات الولادة الطبيعية، ولكن مع تطور المخاض قد تحدث مضاعفات تستدعي التدخل القيصري، مما يبرز أهمية المتابعة الطبية الدقيقة خلال الحمل والولادة لضمان سلامة الأم والطفل.
ورغم التوجه المتزايد نحو الولادة القيصرية، إلا أن الولادة الطبيعية تظل الخيار الأكثر أمانا في معظم الحالات، حيث توفر مزايا متعددة، منها تعاف أسرع للأم، وانخفاض معدل المضاعفات الصحية، إضافة إلى نتائج أفضل على صحة الطفل على المدى الطويل.
ولكن، وفقا للشريف، قد تحمل الولادة الطبيعية بعض المخاطر، مثل هبوط الرحم نتيجة الولادات المتكررة، مما يستدعي الموازنة بين الفوائد والمخاطر لكل حالة على حدة لضمان اتخاذ القرار الأنسب لصحة الأم والطفل.
-توفير مستشفيات إضافية
تشير الاستشارية فوزية الشريف إلى أن أحد أكبر التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في بنغازي هو الازدحام الشديد في مركز بنغازي الطبي، الذي يخدم المدينة وضواحيها، بالإضافة إلى استقبال تحويلات من مناطق أخرى مثل المرج وأجدابيا.
كما يستقبل المركز حالات طارئة من جنسيات مختلفة، مما يؤدي إلى نقص في المواد الطبية وضغط هائل على الطاقم الطبي، إضافة إلى استقبال حالات بدون تحاليل طبية، مما يزيد من المخاطر على المرضى والفرق الطبية.
وتطالب الاستشارية الشريف الجهات المسؤولة بتوفير مستشفيات إضافية لتخفيف العبء عن مركز بنغازي الطبي، بالإضافة إلى الإسراع في صيانة مستشفى المرج وتوفير الموارد اللازمة لضمان تقديم رعاية صحية أفضل للمواطنين.
-المخاطر الصحية
من جانبها، حذرت استشارية النساء والتوليد ومدربة القابلات فاطمة مطول، من المخاطر الصحية للولادة القيصرية، مثل زيادة احتمالية النزيف، والمضاعفات الناتجة عن التخدير النصفي، وتأثير العمليات القيصرية المتكررة على القدرة الإنجابية.
وتوضح مطول، أن العمليات القيصرية ليست خيارا آمنا في جميع الحالات، حيث تحمل نسبة وفيات أعلى من الولادة الطبيعية، كذلك وجود المضاعفات المحتملة، مثل الصداع المزمن الناتج عن التخدير النصفي، وطول فترة الاستشفاء التي قد تتجاوز شهرا في بعض الحالات والتأثير السلبي على القدرة الإنجابية، حيث تحدد عدد الولادات الممكنة مستقبلا، وزيادة احتمالية النزيف بعد الولادة بسبب نزول المشيمة الى للجزء السفلي للرحم، الذي قد يستدعي استئصال الرحم في بعض الحالات إضافة الى مخاطر على المثانة البولية والأمعاء.
وتؤكد مطول أهمية توعية الأمهات بالفوائد الصحية للولادة الطبيعية، وتشير إلى ضرورة تعزيز دور القابلات في ليبيا، حيث تعاني البلاد من نقص شديد في العناصر المؤهلة (القابلات)، وطالبت الجهات المختصة والمسؤولة بفتح كليات ومعاهد متخصصة لتخريج كوادر مؤهلة للقابلا
-البعد النفسي
يؤكد رئيس الهيئة الوطنية للصحة النفسية واستشاري الطب النفسي طارق بدر، أن لكل من الولادة الطبيعية والقيصرية آثارا نفسية على الأمهات، حيث تشير الدراسات إلى أن النساء اللاتي يلدن قيصريا قد يواجهن زيادة في اضطرابات ما بعد الولادة بسبب قلقهن من انخفاض فرص الإنجاب الطبيعي في المستقبل، كذلك تأثير الألم الشديد للمخاض في الولادة الطبيعية، الذي قد يسبب صدمة نفسية للأمهات، خاصة في ظل غياب تقنيات تخفيف الألم المتطورة في المستشفيات الليبية.
وأشار بدر إلى أن البيئة داخل المستشفيات تلعب دورا كبيرا في زيادة التوتر لدى الأمهات، حيث قد يؤدي سماع صرخات النساء أثناء المخاض إلى صدمة نفسية تدفعهن إلى طلب الولادة القيصرية.
كما أكد أن الدول المتقدمة تعتمد على تقنيات حديثة لتخفيف ألم الولادة الطبيعية، مما يجعلها خيارا أكثر قبولا لدى الأمهات، وطالب بدر بإدخال تقنيات تخفيف الألم في المستشفيات الليبية وتشجيع النساء على تجنب القيصرية غير الضرورية، مع ضرورة المتابعة النفسية للأمهات الحوامل، خصوصا لأول مرة، لتأهيلهن نفسيا للولادة.
-التكلفة الاقتصادية
تسلط عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد في جامعة بنغازي مريم الكوافي، الضوء على التأثيرات الاقتصادية للجوء المتزايد إلى العمليات القيصرية، مشيرة إلى أن العديد من المستشفيات الخاصة تستغل هذا التوجه لتحقيق أرباح، حيث تلجأ بعض النساء إلى العمليات القيصرية ليس لأسباب طبية، ولكن بسبب الخوف من ألم المخاض والراحة التي توفرها المستشفيات الخاصة، مثل الغرف الخاصة والخدمات الفندقية.
وأوضحت الكوافي أن بعض الأمهات لديهن تأمين طبي يغطي تكاليف الولادة القيصرية، مما يخفف العبء الاقتصادي على رب الأسرة. وحسب دراسة أعدتها المنظمة، فإن 40 في المائة من الأمهات المستهدفات في الدراسة لديهن تأمين طبي، مما يجعل القيصرية خيارا مفضلا دون مراعاة العواقب الصحية.
كما حذرت الكوافي من أن الأطفال المولودين قيصريا قد يعانون من قصور حركي وفكري، وفقا لدراسة حديثة شملت الأطفال في السنوات الثلاث الأولى من حياتهم، مما قد يؤثر سلبا على الأسرة والمجتمع والدولة.
وطالبت الكوافي الجهات المختصة بإطلاق حملات توعية للأمهات حول أهمية الولادة الطبيعية ومخاطر القيصرية غير الضرورية، مع تحسين الخدمات الطبية في القطاع العام لتوفير بيئة آمنة ومريحة للولادة الطبيعية، وتنظيم القطاع الخاص لضمان عدم استغلال العمليات القيصرية لأغراض ربحية على حساب صحة الأمهات.
-تسجيل المواليد والإجراءات القانونية
نوه رئيس مكتب التدريب والتطوير بمصلحة الأحوال الشخصية ببنغازي مصطفى العبيدي، إلى وجود بعض الإشكاليات في تسجيل المواليد، حيث لوحظ أن بعض المستشفيات والمصحات الخاصة لا تستكمل بيانات نموذج التبليغ رقم 32، مما يتسبب في مشكلات للأسر عند تسجيل المواليد رسميا.
وأوضح العبيدي أن عدم استكمال البيانات يؤدي إلى تأخير تسجيل الطفل في السجل المدني، مما يعرض الأسرة إلى غرامات مالية إذا تجاوزت مهلة 10 أيام من تاريخ الولادة.
وفي حال تأخر التسجيل لمدة عام كامل، يصبح الطفل “ساقط قيد”، مما يستدعي إجراءات قانونية معقدة ولجان خاصة للنظر في حالته.
وشدد العبيدي على أن جميع الجهات الصحية، سواء في القطاع العام أو الخاص، ملزمة بتعبئة كافة بيانات النموذج بشكل كامل ودقيق، كما حذر من اتخاذ إجراءات قانونية ضد الجهات المخالفة، لضمان عدم تحميل المواطنين أعباء قانونية وإدارية هم في غنى عنها. (الأنباء الليبية بنغازي) س خ.
-تقري: مراد بوكر
-تصوير: ناصر الحاسي