بنغازي 22 أبريل 2025 (الأنباء الليبية) – في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه ليبيا، تسعى مصلحة الضرائب إلى إعادة بناء منظومة ضريبية حديثة وفعالة، تساهم في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار المالي.
وفي لقاء خاص مع صحيفة “الأنباء الليبية”، تحدث المدير العام لمصلحة الضرائب سراج الشلماني، عن الدور الحيوي للمصلحة، وأبرز التحديات التي تواجهها، إضافة إلى الإصلاحات التي أُطلقت حديثًا، ورؤية المصلحة لمستقبل الضريبة في ليبيا.
الضرائب.. ركيزة للاستقرار الاقتصادي
في بداية حديثه، أوضح الشلماني أن الدور الأساسي لمصلحة الضرائب يتمثل في دعم وزارة المالية بالإيرادات، والمساهمة في تنويع مصادر دخل الدولة، التي تعتمد بنسبة 98% على النفط. وقال: “العام الماضي حققت مصلحة الضرائب نحو 2.5 مليار دينار، وهو رقم ضعيف نسبيًا، نتيجة عدم الاستقرار الاقتصادي والانقسام السياسي، وغياب توحيد مؤسسات الدولة، إضافة إلى التهرب الضريبي المحلي والدولي”.
وأضاف أن ضعف السياسات النقدية في المصارف، وتدني فعالية السياسات المالية، من أبرز العوامل التي أثرت سلبًا على أداء المصلحة. كما أشار إلى عدم التزام بعض الأجانب بدفع الضرائب، وغياب التكامل بين السياسات المالية والنقدية والتجارية.
نحو منظومة ضريبية فعّالة ومستقرة
أكد الشلماني أن الضرائب ترتكز على الاستقرار السياسي والاقتصادي، مشيرًا إلى أن المصلحة تشهد تطورًا مستمرًا، إلا أنها لم تحقق أهدافها بالكامل بعد. وقال: “نواجه تحديات كبيرة أبرزها عدم امتثال العديد من الوحدات الحكومية والتجارية لقانون الضرائب، الذي يعود إلى عام 2010-2012، وهو ما يتطلب تطوير القوانين لتواكب المرحلة الحالية”.
وأوضح أن العمل جارٍ على إنشاء وحدات متابعة حديثة لتصحيح الثغرات القانونية، ومواكبة التطور التقني والإداري، بما يعزز دور المصلحة في تحصيل الإيرادات بشكل أكثر فعالية.
إصلاحات هيكلية وقانونية شاملة
وعن أبرز الإصلاحات، أشار الشلماني إلى أن المصلحة شهدت خلال الفترة الماضية حزمة من التحديثات على المستوى البشري والمكاني والإجرائي والقانوني، حيث تم استقطاب دفعات جديدة من خريجي الجامعات المتفوقين، بالتنسيق مع الجامعات الليبية، وتم تدريبهم من خلال كوادر المصلحة المؤهلة.
وأضاف: “قمنا بتجهيز بيئة عمل مناسبة للممولين والموظفين، وتطوير أساليب التعامل معهم، كما أطلقنا أولى خطوات التحول الرقمي، لتصبح مصلحة الضرائب المؤسسة الحكومية الوحيدة التي تحولت بالكامل إلى المنظومة الرقمية”.
الفاتورة الإلكترونية.. خطوة نحو الشفافية
وفيما يتعلق بمشروع الفاتورة الإلكترونية، أوضح الشلماني أنه تم تفعيله بالكامل عام 2024، بالاعتماد على الكفاءات الوطنية دون الاستعانة بعناصر أجنبية، رغم أن مثل هذه الأنظمة عادة ما تتطلب ميزانيات ضخمة. وأضاف: “أطلقنا المنظومة بكفاءة عالية وبتكلفة منخفضة، وهي تعمل حاليًا بكفاءة عبر ايادي الليبية”.
وأشار إلى أن النظام يسهم في تحسين الرقابة المالية، والحد من التهرب الضريبي، ويُعد خطوة مهمة على طريق تطوير المعاملات الضريبية في البلاد.
تبسيط الإجراءات لخدمة المواطن
وردًا على تساؤلات المواطنين بشأن تعقيد الإجراءات الضريبية، أكد الشلماني أن المصلحة تعمل على تبسيط المصطلحات الضريبية لتكون مفهومة لجميع شرائح المجتمع، كما جرى تحديث طرق تخزين البيانات، والتخلي عن المعاملات الورقية طويلة الأمد لصالح الأنظمة الإلكترونية السريعة والبسيطة.
العدالة الضريبية.. مسؤولية الحكومة
وعن تحقيق العدالة الضريبية، أوضح أن مصلحة الضرائب غير مسؤولة عن السياسات العامة، بل تقتصر مهامها على تنفيذ القوانين، لافتًا إلى أن قانون تشجيع الاستثمار لعام 2010 منح بعض الشركات الأجنبية إعفاءات ضريبية. وقال: “نسعى لتقديم تسهيلات وامتيازات لدافعي الضرائب، ولكن العدالة الضريبية مسؤولية الحكومة”.
التحول الرقمي وخدمات إلكترونية متعددة
أشار الشلماني إلى أن منظومة الدفع الإلكتروني أصبحت مفعلة بشكل كامل في المصلحة منذ عام 2024، حيث أُتيح الدفع عبر الوسائل الإلكترونية بدلاً من النقد والصكوك، ما يساهم في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. وأضاف: “نطمح لأن يُفرض الدفع الإلكتروني بشكل كامل قريبًا”.
جهود حثيثة لمكافحة التهرب الضريبي
أكد مدير مصلحة الضرائب أن التهرب الضريبي من أكبر التحديات، مشيرًا إلى أن هناك شركات تحقق أرباحًا بالملايين، بينما تقدم بيانات غير دقيقة حول إيراداتها. وقال: “نعمل على جمع بيانات دقيقة، وتفعيل التفتيش والرقابة على الشركات، وخلق بيئة تشجع على الامتثال الضريبي”.
رسالة للمواطنين.. الضرائب مسؤولية وطنية
ووجّه الشلماني رسالة إلى المواطنين قائلاً: “الضرائب جزء من مساهمتكم الوطنية، وهي تمول الإنارة والطرق والمستشفيات. بالالتزام الضريبي، نبني مجتمعًا حضاريًا واقتصادًا غير ريعي يعتمد على مصادر متعددة وليس فقط على النفط”.
ضرائب جديدة.. لكن ليست على المواطنين
وكشف مدير المصلحة أن هناك ضرائب جديدة بصدد التنفيذ ضمن خطط الإصلاح الاقتصادي وخفض الإنفاق الحكومي، موضحًا أنها لن تُفرض على المواطنين أصحاب المرتبات، بل ستُطبق على الممولين التجاريين والشركات، بما في ذلك الشركات الأجنبية والأجانب بصفة عامة، التي سيُطلب منها دفع رسوم الإقامة أسوة بما هو معمول به عالميًا.
إلغاء قانون التقادم الضريبي.. خطوة لتعزيز العدالة وحماية المال العام
وأوضح مدير المصلحة الضرائب، أن هذه الخطوة شكّلت محطة محورية في مسار الإصلاحات، وأسهمت في إغلاق أحد أبرز منافذ التهرب الضريبي التي كانت تُستغل للتحايل على القانون.
وقال الشلماني: “إلغاء التقادم في القضايا الضريبية يعني أن الحق الضريبي أصبح حقًا دائمًا لا يسقط بمرور الزمن، وهو ما يضمن استيفاء الدولة لمستحقاتها، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة، ويمنع محاولات التسويف والتهرب التي اعتاد عليها البعض”.
وأضاف: “بهذا التعديل، أصبحت الجهات المكلفة بدفع الضرائب ملزمة بتسوية أوضاعها في أي وقت، مما يعزز من استقرار الإيرادات الضريبية، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن الدولة جادة في حماية أموالها وتحقيق العدالة”.
وأكد الشلماني أن مصلحة الضرائب تمضي قدمًا نحو تطوير شامل في بنيتها القانونية والإدارية والتقنية، بما يواكب التطورات العالمية في مجال الإدارة الضريبية، ويعزز دورها كأداة فاعلة في تحقيق الاستقرار المالي والتنمية المستدامة.
وأضاف: “نحن بصدد إطلاق حزمة إصلاحات ضريبية إضافية ستساهم بشكل مباشر في معالجة أوجه القصور، وتوسيع القاعدة الضريبية، وإدخال الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ضمن المنظومة، مع التركيز على الرقابة والتفتيش والمساءلة”.
دعوة للتعاون من أجل مستقبل اقتصادي أفضل
ودعا المدير العام لمصلحة الضرائب جميع المواطنين والمؤسسات إلى التعاون مع المصلحة، والالتزام بالقوانين، مؤكداً أن “بناء اقتصاد وطني متماسك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال منظومة ضريبية عادلة وشفافة تقوم على الشراكة بين الدولة والمجتمع.
(الأنباء الليبية) متابعة / أحلام الجبالي – تصوير / علي الصنعاني