بنغازي 03 أكتوبر 2017 (وال) – استقلال إنفصال هكذا جاءت المسميات مختلفة حول رغبة إقليمي كردستان في العراق،وإقليم كتالونيا الأسباني،بإعلان استقلاهما مع رفض صريح لكلتا الحكومتين للاستفتاءات،معتبرة أن ذلك يؤدي إلى إنهاء شكل من أشكال الدولتين،باعتبارهما خطوة غير دستورية .
ورغم معارضة بغداد ومدريد وأيضا الرفض الإقليمي والدولي بالنسبة لإقليم كردستان،إلا أنه تم إجراء تلك الاستفتاءات؛حيث أعلن في 25 من شهر سبتمبر الماضي عن التصويت حول استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان،محددا مصيره من بقائه أو عدمه،بينما إقليم كتالونيا الأسباني قام بإجراء استفتاء في الأول من شهر أكتوبر الجاري .
مطالب تاريخية
يعود إنشاء إقليم كردستان العراق إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس 1970 عند الاتفاق بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية بعد سنوات من القتال العنيف.
أما المطالبة بالاستقلال للإقليم فتعود لجذور تاريخية تمتد إلى حلم الأكراد بإنشاء دولة كردستان الكبرى،منذ الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية،ويدعي الأكراد أن هناك مظلومية تاريخية تقع عليهم حيث منعهم العرب دوما من الحصول على حقوقهم في الاستقلال،ففي عام 1963 أرسلت سوريا وحدات من جيشها إلى كردستان العراق لمحاربة التمرد الكردي، وتردد في ذلك العام أيضا ( قيام حلف بغداد سابقا) بقصف مواقع للأكراد، وفي عام 1975 أنهت ( اتفاقية الجزائر) بين شاه إيران وصدام حسين (نائب الرئيس العراقي آنذاك)ومايعرف تاريخيا بالثورة الكردية 1961 – 1975 نهاية بمذبحة الأنفال في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين والتي كانت في ربيع 1991 قبل أن تتعزز مطالب كردستان في الاستقلال من جديد خلال عراق ما بعد سقوط صدام.
يشار إلى أن إقليم كردستان يقع شمال العراق تحده إيران من الشرق وتركيا في الشمال،وسوريا إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب،يضم الإقليم 4 مدن وهي:السليمانية،وأربيل،وداهوك،وحلبجة،أما عاصمة الإقليم هي محافظة أربيل،والمعروفة بهولير بالكردية،و يبلغ عدد سكان الإقليم 8 مليون نسمة ومساحة 40.600 كم مربع.
رفض وتحديات
حذرت الولايات المتحدة الأمريكية و تركيا وألمانيا،من قرار استفتاء الإقليم واعتبرته يشكل «خطأ فادحا» كما أعلنت الحكومة العراقية معارضتها استقلال الإقليم الشمالي.
وعبرت وزارة الخارجية الأميركية في بيانا لها عن خشيتها أن يؤدي الاستفتاء إلى صرف الانتباه عن “أولويات أكثر إلحاحا ” مثل هزيمة تنظيم داعش، لكنها في المقابل أكدت تقديرها للتطلعات المشروعة لمواطني كردستان العراق،كما أكدت دعمها لعراق موحد يقوم على النظام الاتحادي وينعم بالاستقرار والديمقراطية .
وفي الجانب الإقليمي أغلقت إيران حدودها الجوية مع الإقليم،وكذلك تركيا أقفلت مضيق الخابور الحدودي البري الذي يعتبر البوابة التي يتنفس منها الإقليم،وتأتي هذه الردود كرفض مبدئي للاستفتاء الذي قد يحرك الطوائف الكردية في تركيا وإيران للمطالبة بالاستقلال أيضا .
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن النتائج الأولية لاستفتاء إقليم كردستان العراق،نجاح عملية الاستفتاء حيث أيد الأكراد عملية الانفصال،وبلغ عدد المصوتين بـ”نعم” 92% وحوالي 7% صوتوا بـ”لا” .
هذا وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 72% وبلغ عدد الناخبين المشاركين في الاستفتاء 4.5 مليون ناخب من الإقليم وخارجه.
وكان السؤال المطروح والذي أجاب عنه المشاركون في الاستفتاء بنعم أو لا هو “هل تريد إقليم كردستان والمناطق الكردية خارج إدارة الإقليم أن تصبح دولة مستقلة”.
كتالونيا
أما إقليم كتالونيا خلفياته التاريخية بعيدة تعود إلى العام 1936 حينما دخل الإقليم في صراع ضد الجنرال “فرانسيسكو فرانكو” الذي أوقف العمل بنظام الحكم الذاتي للإقليم الذي حصل عليه في العام 1936 ومنذ ذلك الحين عمل أهل الإقليم على تعزيز قوميتهم الخاصة وازدهر الإقليم وأصبح منطقة اقتصادية رائدة في مملكة إسبانيا،حيث نجح الإقليم في تحقيق ما يقرب من 20% من الناتج القومي الإجمالي لإسبانيا رغم كون مساحته لا تتعدى نسبة 6% فقط من مساحة المملكة.
ومع سوء الحالة الاقتصادية في أوروبا في الآونة الأخيرة وخاصة التي ضربت إسبانيا بالتحديد،يعتقد سكان الإقليم الداعين للانفصال بأنهم لا ذنب لهم في سياسات الحكومة الإسبانية ودول أوروبا التي أدت إلى التدهور الاقتصادي هذا،كما يرون أن إجراءات التقشف التي فرضت على الإقليم هي إجراءات تعسفية بالمقارنة مع الخدمات المتردية في الإقليم.
ومن مظاهر هذه الإجراءات التعسفية فرض الحكومة المركزية ضريبة تقدر بـ10% من الناتج المحلي الإجمالي، في المقابل ليس هناك أي استثمارات أو خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة من وجهة نظرهم، ويبرر الانفصاليون ذلك الأمر بأن الحكومة المركزية دائما تتجاهل التنمية الحقيقية في الإقليم لرغبة دفينة لديها تريد بها ألا تكون برشلونة عاصمة الإقليم أفضل من مدريد العاصمة المركزية مدريد وهو صراع تاريخي قديم بين المدينتين.
وتطالب حكومة الإقليم أن حق الشعوب في تقرير المصير المكفول بموجب ميثاق الأمم المتحدة،ينطبق على حالتها بشكل مباشر.
رغم أن هذه الحالة لا تتفق مع معايير الشرعية والقانون الدولي، التي تنص على ” أن هذا الحق يمارس في إطار عملية إنهاء الاستعمار،وخارج هذا الإطار يمكن فقط إجراء استفتاء، في حالة شعوب تم ضمها عن طريق الغزو، الاحتلال الأجنبي أو الاستعمار، والشعوب التي تتعرض للقهر والانتهاك الخطير والمفرط لحقوق الإنسان الخاصة بها.
و يقع الإقليم في شمال شرق إسبانيا،تحدها من الشمال فرنسا وأندروا ومن الجنوب منطقة بلتسية،ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط ومن الغرب منطقة أراغون،وتبلغ مساحة كتالونيا 32.106 كم² وهي سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا،ويضم الإقليم 4 مقاطعات وهي :برشلونة،وجرندة،ولاردة،وطراغونة .
وشارك أكثر من 2.2 مليون شخص في الاستفتاء من مجموع 5.3 مليون ناخب مسجل وأضافت السلطات أن نحو 90% من الناخبين أيدوا الاستقلال.
وقال متحدث كتالوني إن أكثر من 750000 ناخب لم يتمكنوا من المشاركة في الاستفتاء لأن مراكز الاقتراع أغلقت وصودرت معدات الاستفتاء.
أما السؤال المطروح والذي أجاب عنه المشاركون في الاستفتاء بنعم أو لا هو: سؤال “هل تريد ان تصبح كاتالونيا دولة مستقلة على شكل جمهورية ” .
أما السلطة الانفصالية في كتالونيا فقررت تجاهل قرار المحكمة الدستورية الإسبانية القاضي بمنع إجراء هذا التصويت وفي الأثناء، قوبل التصويت على استقلال كردستان العراق بالرفض ،حيث أمرت المحكمة العليا للبلاد،في أول يوم للتصويت،تعليق عملية التصويت إلى حين النظر في شرعيتها الدستورية، في الوقت الذي تخضع فيه السلطة التنفيذية الإقليمية لضغوط دولية لتتراجع عن الاستفتاء.
الدور الذي يلعبه الاعتراف الدولي
يعد الاعتراف الدولي هو أهم خطوة في مثل هذه الاستفتاءات،حتى لو صوت السكان “بنعم” يظل أمام هذه الأقاليم تحد يتمثل في الاعتراف الدولي باستقلاليتها،فبنسبة لبعض الاستفتاءات الهادفة للاستقلال، التي انتهت بتصويت الأغلبية، لم تكلل في نهاية المطاف باستقلال الإقليم المعني، نظرا لأن ذلك يتطلب اعتراف باقي دول العالم.
انعكاسات محلية
وحول تأثيرات هذه الاستفتاءات على المستوى المحلي ؛ في ظل مطالبات عدة بالإدارة المحلية للأقاليم،يرى الباحث والكاتب الصحفي الأستاذ خالد السحاتي إن الظروف والمعطيات السياسية والتاريخية والاجتماعية تختلف كليا بين ليبيا و إقليمي كردستان ؛ وكتالونيا،فما يجمع سكان الأقاليم الثلاثة أكثر مما يفرقها،أما بالنسبة للأقاليم فكردستان إقليم يقع شمال العراق،و يتمتع بحكم ذاتي وكذلك كتالونيا،وبالتالي هذا الإقليم ذو طبيعة عرقية؛فيه الأكراد والتركمان ثم تاتي بقية الأعراق،ومرت علاقته بالعاصمة بغداد بفترات من الحروب و الشد والجذب السياسي،ورغم رفض بغداد وعدد من الدول الإقليمية والدولية لهذا الاستفتاء،إلا أن ساسة الإقليم مازالوا يصرون على حقهم في الاستقلال .
أما إقليم كتالونيا الواقع شمال أسبانيا و الذي يتكون سكانه من 19% من المهاجرين،ودينيا أغلبهم من يعتنقون الديانة المسيحية على مذهب الرومان الكاثوليك،فقد أعلن رغبته في الانفصال من خلال الاستفتاء الذي نظم في أول أكتوبر الجاري رغم رفض حكومة مدريد لهذا الاستفتاء.
وتابع السحاتي “بالنسبة لمعاناة المركزية حسب ما تنادي به تلك الأقاليم هو في تصوري يمثل نوعا من إظهار الشكوى المستمرة من قبل تلك الأقاليم،على علاقتها بالمركز،وهذا ليس مبرر للانفصال في أي دولة من العالم”.
وفي ذات السياق يرى الباحث السياسي والاجتماعي الأستاذ فرج بوخروبة أن هذه الأقاليم لها تاريخها وجذورها الأصلية،منذ أمد وليس وليد الساعة , والتي تطالب بتقرير مصيرها , مثل الأكراد والكتالونيين والباسك،و حيث رأت أن مواردها الاقتصادية حرمت منها واستغلت من قبل المركز،وشجع تلك الأقاليم في رغبتها بالانفصال مثلما حدث مع إقليم القرم ومساندة روسيا لها.(وال – بنغازي) س خ/ أ د