البيضاء 06 يناير 2018(وال)- نشأت غابات الجبل الأخضر بشكل طبيعي خلال القرون الماضية تحت الظروف السائدة في المنطقة واستطاعت رغم كل الظروف الطبيعية والحيوية أن تبقى وتتكاثر رغم الظروف السيئة التي تعرضت لها على مر العصور وهذا دليلاً على قدرتها على تجديد نفسها طبيعيا ولكن أشد ما يؤلم النفس أن مناطق اليوم بأكملها أُزيلت بكافة الوسائل كأن الجميع في حالة حربٍ ضروس ضد الطبيعة.
قديما كان الإنسان يشتكي من جبروت الطبيعة ولكن اليوم أصبحت الطبيعة هي التي تأن من عبث الإنسان بها.
عندما نتحدث عن الطبيعية في ليبيا أول من يتبادر في ذهننا غابات الجبل الأخضر في شرق البلاد ذات الأشجار الواقفة في شمم والتي تمد جميع ساكنيها وزائريها بالأمن والامتنان وتملأ نفوسهم سموًا وزهوًا ولا تقاس مساحته بالهكتار والامتداد بل هو تاريخٌ وأنفاس هويةٌ وإرثٌ وتراث الليبيين.
تعد غابات الجبل الأخضر ومراعيه وأفنانه منحةُ ربانية لهذه الجغرافية من الوطن وبقعة الضوء الوحيدة في نهاية نفق طويل مظلم من التصحر واجتياح الحياة النباتية والحيوانية في ليبيا وهي مستقبل بيئة نظيفة لأبنائنا وتعتبر حمايتها واجب وطني لا يقل أهمية عن حماية الوطن ذاته.
خلال الأعوام المنصرمة داهمت الحرائق آلاف الهكتارات من أراض الغابات في الجبل الأخضر فدق ناقوس الخطر المهدد باندثار هذه الثروة الطبيعية في غفلة من المسئولين والحكومة، وكأن الحرائق اندلعت في غابات أستراليا وليست ليبية.
ولا نستطيع أن نغفل عن شتى أنواع العبث والتخريب التي تعرضت لها الكثير من الغابات التي لم نشهد لها مثيلا من قبل حيث استُعملت جميع وسائل الإزالة والمسح الكامل وقد أُزيلت وأحرقت مناطق وغابات عن بكرة أبيها منذ اندلاع أحداث فبراير2011 .
ولنا في بعض النباتات التي انقرضت كلياً من الجبل عبرة تلك التي كانت أحد رموزه كالسلفيوم البرقاوي المنقرض حالياً والذي كان من أهم معالم الجبل الأخضر فأصبح أثرا بعد عين، وذلك يمكن أن يتكرر مع بعض النباتات المُميزة للجبل كالعرعر والشماري الذي وضعه الاتحاد الدولي لصون الطبيعة بالقائمة الحمراء ضمن النباتات المُهددة بالانقراض إذا لم يوضع حد للانتهاكات التي تُمارس عليه عن عمد.
وقد يجهل الكثير منا عن عمد أو قصور في المعرفة البيئية إن الغابات من المصادر الهامة والرئيسية، التي تسهم في رقي وتقدم الإنسان حضاريا وماديا فهي مصدر قومي للثروات الطبيعية وترتقي بها إلى الصناعة حيث تسهم الغابات في تقدم الصناعة وانتعاش اقتصاد الشعوب.
ولازال الغطاء النباتي في تدهور مستمر بسبب تعرضه لشتّى أنواع العبث والقطع والحرق، حتى نخشى أن نحذف صفة الاخضرار من الجبل فيغدو الأخير منتسبا للون الأصفر أو الأجرد، والمخيف حقاً إن الأنواع الرئيسية لأشجار الغابات التي تمثل المراحل المتقدمة من التعاقب النباتي قد انخفضت قدرتها على التكاثر الطبيعي بمعدلاتٍ غير مناسبة لإكمال دورة حياتها.
إن كل ذلك يجعلنا نتوجه بالاهتمام نحو نبات العرعر وهو النبات الأكثر انتشارا في منطقة الجبل الأخضر وهو المميز له غير أنه غير قادرٍ على تجديد نموه عند قطعه أو حرقه وذلك ما يمثل خطرا عليه وسببا سريعا لانقراضه.
ورغم حملات التوعية الكثيرة التي يقوم بها الباحثون والمهتمون وأولي الاختصاص إلا إنها تمثل صرخةً بوادٍ لا صدى له، فلا زالت حملات إبادة الأشجار بهذا الجبل ومن بينها نبات العرعر مستمرة وبشكلٍ ممنهج وبحملات إبادةٍ مستمرة.
وقد تم توثيق هذه الانتهاكات للغابات والأشجار ورفعها إلى أحد المؤتمرات المنعقدة ببريطانيا لتشكيل ضغط دولي لحماية الطبيعة، كذلك نشرت الجمعية الليبية للبيئة تقريرها الميداني لبعض المواقع شملت جنوب ووسط منطقة الجبل الأخضر والتي تم اختيارها عشوائياً في محاولةٍ من الفريق لوضع حلول سريعة وعاجلة للحد من ظاهرة جرف الغابات وبالتالي تحويل كل المنطقة إلى صحراء قاحلة، ومن خلال الزيارة تبين حجم الدمار الكبير الذي أُلحق بمساحاتٍ شاسعة من أراضي الغابات.
وأشارت الجمعية أنه في ظل الانفلات الأمني وغياب أجهزة الدولة يقوم العديد من المنتفعين بالحيازات الزراعية الممنوحة لهم من الدولة باستغلال هذا الفراغ وتعمد جرف هذه الغابات بحجة تحويلها إلى أراضي زراعية وبيع الأشجار المقطوعة كفحم نباتي أو حطب للوقود أو تحويل بقايا عمليات الجرف إلى سياج يحمي تلك الأراضي المجروفة.
وقد تم إحصاء مساحة الغابات بالجبل الأخضر فقُدرت بمليون و 400 هكتار في ستينات القرن الماضي، بينما في السبعينات تناقصت إلى ستمائة ألف هكتار واضمحلت المساحة في التسعينات إلى ثلاثمائة ألف هكتار وفي فترة ما قبل أحداث فبراير 2011 كانت المساحة التقديرية حوالي 180ألف هكتار، أما الآن وبعد هذه الاعتداءات فهي بالتأكيد في تناقصٍ مستمر وقد يفوق التوقعات في ظل غياب متابعة وسائل الإعلام وجهات الضبط القضائي إضافةً لسلبية المواطن وعدم وعيه بأضرار إزالة الغطاء النباتي.
وطالبت الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية العقلاء في منطقة الجبل الأخضر، والشرطة الزراعية، والجهات المسئولة بإيقاف تدمير وجرف غابات الجبل الأخضر والتصدي للفاعلين.
وأكدت الجمعية على ضرورة الوقوف وقفة جادة لحماية الجبل الأخضر من كافة شرائح المجتمع لأنها مسؤولية عامة داعية إلى محاربة المخربين ولو بمنشور أو بتنظيم وقفة جادة من الشباب في الساحات العامة.
وناشدت الجمعية خطباء المساجد إلى تقديم النصح والموعظة على المنابر لمواجهة هذه الظاهرة مطالبة الجهات العقارية بإيقاف العبث بأراضي غابات الوسيطة بمنطقة الجبل الأخضر التي مسحت وجرفت مساحات كبيره منها.
وقالت الجمعية إن غابات الجبل الأخضر ليست ملك لقبيلة أو عائلة بل هي ملك للجميع وللجميع الحق في التمتع بها.
وتتعرض غابات مناطق الوسيطة وساتلونة وغابات محمية الشماري في لملودة بالجبل الأخضر شرق ليبيا بحسب ما ذكرت الجمعية إلى اعتداءات على أشجارها وجبالها الصخرية من قبل بعض المواطنين للاستفادة منها في مشاريعهم الخاصة.
وقد وجهت مديرة المكتب الإعلامي في هيأة الزراعة في الحكومة المؤقتة، شيخه سّلام، نداءاً إلى عقلاء الجبل الأخضر والشرطة الزراعية والجهات المسئولة وطالبتهم بإيقاف جرف غابات الجبل الأخضر، وخاصة منطقة لوسيطة وساتلونة وغابات محمية الشماري في لملودة والتصدي لعبيد المال و دواعش إبادة البيئة.
وقالت سلام إن غابات الجبل الأخضر ليست ملك لقبيلة أو عائلة بل هي ملك للجميع وللجميع حق في التمتع بها و لابد من وقفة جادة لحمايتها من كافة شرائح المجتمع فهي مسئولية عامة .
وختمت سلام، راجية من أصحاب العقارات إيقاف عبثهم بأراضي غابات الوسطية التي مسح وجرف مساحات كبيرة منها. ( وال – البيضاء) هـ ع / ع م