تاورغاء 31 يناير 2018 (وال) – بعد وعود عديدة وطول انتظار يستعد اليوم الأربعاء أهالي مدينة تاورغاء المهجرة للعودة إلى مدينتهم بعد نزوح دام لأكثر من خمس سنوات وسط ترقب حذر من المجتمعات المحلية والدولية.
فقد شهدت مدينة تاورغاء في عام 2011 مأساة حقيقية تمثلت في تهجير سكانها بالكامل البالغ عددهم أكثر من 50 ألف نسمة من قبل مليشيات مسلحة من مدينة مصراتة ليتحول سكان هذه المدينة إلى لاجئين داخل وطنهم تتقاسمهم المخيّمات العشوائيّة في مناطق متفرقة من البلاد وسط .
وطيلة سنوات التهجير والنزوح عانى أبناء المدينة المهجرة تهميشاً واضحاً بالإضافة إلى الهجمات التي يتعرضون لها بين حين وآخر داخل مخيماتهم.
وتضاعفت هذه المعاناة بعد انعدام جميع مقومات الحياة البسيطة داخل المخيمات الأمر الذي جعلهم ينظمون وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الرئاسي الغير دستوري في العاصمة طرابلس للمطالبة بوضع حد نهائي لمأساتهم .
ترتيبات ملموسة
وأكدت نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش إريك غولدستين في تقريراً لها على أن أهالي مدينة تاورغاء عانوا من التشرد طوال الست سنوات وعاشوا ظروفاً قاسية بعيداً عن منازلهم.
وأضافت غولدستين إن بعد اعتماد حكومة الوفاق الوطني غير الدستوري أخيرا الاتفاق بين المدينتين يجب عليها الإسراع في اتخاذ ترتيبات ملموسة لإعادة سكان تاورغاء إلى ديارهم لاستئناف حياتهم بسلام .
وفي ذات السياق أصدر رئيس المجلس الرئاسي غير الدستوري فايز السراج في شهر ديسمبر الماضي بياناً أعلن فيه عن موعد بدء عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم مطلع شهر فبراير 2018 .
المصالحة الوطنية
وأوضح البيان أنه تم التوصل إلى اتفاق بين ممثلين عن مدينتي تاورغاء ومصراتة حول وضع آلية لتنفيذ هذا الاتفاق في إطار الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية و التأسيس لبناء دولة القانون والمؤسسات.
وذكر البيان إنه تم إصدار قرار بالتنسيق مع محافظ مصرف ليبيا المركزي حول تخصيص القيمة المالية اللازمة لجبر الضرر و الشروع بصرف الدفعة الأولى من هذه القيمة.
وأضاف البيان انه تم إصدار التعليمات بتسخير مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية لتهيئة الظروف المناسبة لعودة أهالي تاورغاء بأمن وسلام إلى مدينتهم وتوفير المتطلبات والمقومات الأساسية لعودتهم وتمكينهم من العيش الكريم.
ضرر وتعويض
وأكد البيان إلى أن هناك مفاوضات جرت على مدى عام وأكثر لتنفيذ خطوات اتفاق المصالحة بين أهالي مدينة تاورغاء وأهالي مصراتة.
يشار إلى أن الاتفاق الذي تم بين المدينتين ينص على أن كل من وقع عليه اعتداء تسبب في ضرر يستوجب التعويض بما تضمنته نصوص الاتفاق باستثناء من قاتلوا إلى جانب النظام السابق ومن ساندهم ومن دعمهم.
وذكر الاتفاق أيضاً إنه سيصرف مبلغ 12 ألف دينار لكل صاحب منزل في تاورغاء كدفعة واحدة لتغطية نفقات إعادة تأهيل منزله وإنشاء منازل متنقلة لأصحاب المنازل المدمرة بالإضافة إلى إنشاء مركز للعناية بالأسرة وإعادة تأهيل البنية التحتية وشبكات الكهرباء وتأهيل المدارس والمستشفيات.
ظلم
ومن جهته، أكد عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني أن اتفاق عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم الذي تم إبرامه مع مدينة مصراتة ظالم من وجهة نظر الكثير من أهالي تاورغاء لأنه لم يعطي المدينة حقوقها بالكامل بل أعطاها جزء بسيط من التعويضات المطلوبة فقط.
أوضح الشيباني أن الاتفاق أرتكز على المدة من الـ17 من فبراير عام 2011 وحتى الـ11 من أغسطس عام 2016 ولم يركز على ما حصل بعد هذه المدة من تهجير وظلم للأهالي تاورغاء.
توحيد الصف
ودعا الشيباني أهالي تاورغاء إلى توحيد صفوفهم والتفاهم مع بعضهم في ما بعد العودة لتاورغاء التي لا زالت محفوفة بالمخاطر .
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن أهالي تاورغاء كانوا مصممين على العودة حتى من دون بيان رئيس المجلس الرئاسي الغير دستوري لأن جميع الليبيين مؤيدين لعودتهم .
وحذر من حساسيات مستقبلية قد تحدث بين سكان تاورغاء ومن يحميهم من مدينة مصراتة بسبب إرث الماضي وهو ما يحتم إيجاد قوة عسكرية مختلطة وليست من كتائب مصراتة أو المنطقة العسكرية الوسطى لحماية السكان.
محاسبة جرائم
وفي ذات السياق، اعتبرت منظمة العفو الدولية إن هذا الاتفاق الموقع بين مدينة تاورغاء ومصراتة اتفاقا لا يضمن المحاسبة على الجرائم التي يشملها القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بل يعزز مناخ الإفلات من العقاب.
وأكدت المنظمة أن المحكمة الجنائية الدولية تملك ولاية قضائية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ولم تعلن إلى الآن نيتها التحقيق في جرائم التي ارتكبت ضد مدينة تاورغاء منذ عام 2011.
وحث الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا كوبلر في شهر يونيو 2017 المجلس الرئاسي غير الدستوري في ليبيا على اتخاذ ترتيبات ملموسة للتنفيذ السريع لاتفاق تاورغاء ومصراتة الذي تم اعتماده.
وشدد كوبلر على ضمان أن يكون تنفيذ الاتفاق متسقا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان مؤكدا على أن تنفيذ هذا الاتفاق يجب أن يتم بشكل يتسم بالشفافية الكاملة ويخضع للمساءلة.
ورغم العقبات المتعددة التي تصاحب قرار عودة أهالي تاورغاء لمدينتهم من نقص الإمكانات المالية، ومشاكل الألغام بالمدينة، إلا أن المجلس الرئاسي غير الدستوري أعطى أوامره لأمر المنطقة الوسطى بحكومة الوفاق غير الشرعي في إجراءات تأمين المدينة رغم وجود الإمكانيات الصالحة لعودة الأهالي.
عودة 1200 عائلة
ومن جهته أكد نائب رئيس اللجنة المركزية العليا لمدينة تاورغاء فرج قدورة إن كافة الاستعدادات قد تمت للانطلاق لمدينة تاورغاء اليوم الأربعاء، وستكون الرحلة بصحبة 275 عائلة بعدد 1200 شخص تقريباً من مختلف المدن الليبية.
وفي تصريح خاص لوكالة الأنباء قال قدورة: ” إنه بالنسبة لنازحي مدينة بنغازي ستكون التجمع للأهالي على تمام الساعة التاسعة صباحاً، وستبدأ الرحلة بخروج كل نازح من مخيمه والتجمع عند العمارات الصينية غرب بنغازي، ومن بعدها إلى مدينة البريقة والتي سنجتمع فيها بكافة النازحين القادمين من مختلف المدن الليبية، ثم الانطلاق إلى مدينة بن جواد حيث سنقوم فيها بتناول وجبة الغداء والترتيب لباقي الرحلة.
وأوضح نائب رئيس اللجنة المركزية العليا للمدينة أنه سيتم التخييم في مدينة هراوة للانطلاق من جديد على تمام الساعة التاسعة صباحاً للتوجه كقافلة واحدة إلى مدينة تاورغاء الحبيبة.
وأضاف قدوره: ” نحن الآن في صدد الخطوة الأولى للعودة إلى منطقة تاورغاء وفق القرار الصادر عن المجلس الرئاسي غير الدستورية بعد الضغوط التي وقعت على المجلس في الفترة السابقة، لافتاً إلى أنه هناك اتفاق بين الطرفين في مدينة مصراتة وتاورغاء وهو اتفاق هدفه أساسي العودة.
وعن تخوفاته من العودة قال نائب رئيس اللجنة المركزية تاورغاء: ستبدأ رحلة العودة بالتنسيق مع باقي لجان مدينة تاورغاء في مختلف المدن للانطلاق في وقت واحد والتوجه إلى مدينة البريقة وهناك لجان تتبع اللجنة المركزية الموجودة هنا في بنغازي وهي أربع لجان متواجدة في كل من طبرق، البيضاء، أجدابيا، سلوق، مشيراً إلى أن العودة جاءت في توقيت صعب وضيق فهناك التزامات للأسر في المناطق التي كانت تقيم بها، خاصة الدراسة بمختلف مراحلها “ابتدائي، أعدادي، ثانوي، جامعية”، وأيضاً هناك بعض المخاوف نظراً للانفلات الأمني وتواجد المجموعات المسلحة المختلفة على طول الساحل.
هاجس كبير
ولفت إلى أن الوضع الأمني يشكل هاجس كبير عند الأهالي والعائلات، ولكن في الحقيقة نحن كمجتمع تاورغي – بعد سبع سنوات – ضاقت بنا السبل العيش والحياة ولا مفر من العودة، وحالياً المجتمع التاورغي منقسم في الرأي فهناك من يريد البقاء وتوجد لديه التزامات وجزء كبير يريد العودة، حيث إن مسقط الرأس غالي ولا بديل إلا وضع أكفاننا على أكفنا نعم قد تكون مكلفة هذه العودة ولكن لا خيار فهذا هو قدرنا. “
وفي ختام حديثه قدّم قدوره شكره لكل من قدم يد العون قائلاً : ” أشكر كل من المجالس البلدية بنغازي، قمينس سلوق، أجدابيا وجميع مديريات الأمن في هذه المناطق، وتوجه بالشكر للأخوة في مدينة طرابلس الذين قاموا بجميع الاستعدادات من حيث الإغاثة وتوفير الأمن.(وال – بنغازي) هـ ع /ع م