المرج 10 فبراير 2018 (وال)- تحدثت الكاتبة والباحثة في التاريخ وعضو هيأة التدريس في قسم التاريخ جامعة بنغازي فرع المرج الدكتورة غالية الذرعاني: عن التعريف بالزاوية السنوسية في المرج وعن تاريخ إنشائها ونشاطها الدعوي، وتفاعلها مع محيطها ودورها في الجهاد ضد الغزو الإيطالي.
وتطرقت الدكتورة غالية الذرعاني إلى أن “الزوايا في برقة انتشرت بين عامي 1843 – 1858 م، ففي أواخر العصر العثماني الثاني استقر السيد محمد بن علي السنوسي في برقة،وبنى بها أول زوايا سنوسية في ليبيا سنة 1843م بالقرب من بلدة (مسَّة) بالجبل الأخضر وفى المرج،وما تزال “الزواية السنوسية” قائمة رغم تأثير عوامل التعرية والإهمال عليها والمرجح أن تكون زاوية المرج السنوسية قد أُسست سنة 1843 م أي في نفس السنة التي شُيدت فيها زاوية البيضاء،وقبل ثلاثة عشر عاما من تأسيس زاوية الجغبوب” .
وقالت الدكتورة غالية الذرعاني إن الزواية قد أقيمت في قصر قديم،كان قائما على أرض خصبة تتبع قبيلة (العرفة) التي تسكن المنطقة،كما أن هناك أقوالا تذكر بأن القلعة التركية هي المكان الذي اختاره السيد محمد بن علي السنوسي ليكون زاوية في المرج،وهناك صورة قديمة للسيد عمران السكوري وسط هذه الزاوية وتبدو خلفه أعمدة وأقواس،واضحٌ أنها قد تعرضت للهدم ثم أعيد تركيبها و أخذ أبناء قبيلة (العرفة) يمنحون قطع الأراضي المحيطة كأحباس للزاوية،وكان من الطبيعي أن يُرمم القصر الذي أصبح زاوية بالمواد البنائية المتوفرة بالمنطقة فاستخدم الحجر الجيري المتوفر في منطقة الجبل الأخضر،في إعادة بناء بعض الجُدر المهدمة،كما استخدم الطين المُدعم بالعوارض الخشبية لترميم الأسقف.
وأضافت الباحثة والكاتبة غالية الذرعاني “كان من المألوف أن يرسل ابن السنوسي عددا من (الإخوان) بينهم من يشتغل بالبناء والعمارة والتجارة وكل المهارات التي تحتاج إليها القبيلة في تشييد الزاوية،فأرسل إلى زاوية المرج السيد محمد الكيخيا الذي أشرف على ترميم القصر وإعداده ليصبح زاوية للسنوسية “.
وأوضحت الباحثة والكاتبة غالية الذرعاني أن التنازل والتبرع من سكان المنطقة عن القصر والأرض الذي يقوم عليها ليكون زاوية للسنوسية ناشئ عن اعتقادهم وولائهم الديني،فالبدو عموما كانوا ينظرون إلى السيد محمد بن علي السنوسي،وإلى خلفائه من بعده نظرة تقديس وإجلال،وهو لديهم مصدر بركة وخير نظرا لنسبه الشريف،كما أن أبناء هذه المنطقة كانوا دائما سبَّاقين إلى الخير منافسين فيه،وقد رأوا حاجتهم الماسة إلى الانضواء تحت راية السنوسية كبوابة إلى العلم والتطور آنذاك، ودعامة للاستقرار ونبذ النزاعات القبلية التي أثقلت كاهل السكان.
وعن التكوين الداخلي لزاوية المرج تضيف المختصة في التاريخ الدكتورة غالية،إنه من المرجح أن زاوية المرج قد أعدتْ على غرار الزاوية الأم (البيضاء) من حيث التكوين والوظيفة،فكان البناء يضم منزلا خاصا بالشيخ،وأجنحة للمعلم والضيوف، وجناح للخدم ومستودعات لخزن التموينات وحوانيت تجارية، وغرف خاصة بالفقراء من عابري السبيل، وبها إسطبل ومتجر وفرن، وأما المؤكد من الروايات الشفوية (يمكنك أن تستعين بأحد أبناء عائلة السكوري لتأكيد ذلك : عبد الله السكوري مثالا) أن زاوية المرج كانت تضم عددا من الآبار في محيط القصر القديم، تلك الآبار التي كانت سببا رئيسا منذ البداية في اختيار موقع الزاوية .
وتابعت الباحثة والكاتبة سردها لتاريخ زاوية المرج أنه في الأراضي الخصبة – كالمرج – كانت تحيطها البساتين التي تُزرع فيها الخضر والفواكه، وتُسقى من مياه الآبار القريبة، وكما هو المعتاد في نظام الزوايا السنوسية لم تكن الزاوية مكانا للعبادة فحسب،بل كانت تؤدي عدة أغراض أخرى، فقد كانت تضم محكمة وسوقا تجارية وفندقا للنزلاء ومركزا زراعيا للمنطقة المحيطة بها،وكان شيخ الزاوية هو إمام المصلين ومعلم المدرسة والمحكم في فضِّ الخلافات القبلية والقاضي المُكلف بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية،سواء فيما يتعلق بالقضايا المدنية أو الجنائية،وهكذا كانت الزاوية تقوم بأغلب وظائف الإدارة المدنية إلى جانب مهامها الدينية والتعليمية.
هكذا قامت الزاوية في مدينة المرج بالدور المُناط بها على غرار الزوايا السنوسية الأخرى،فصارت هي المركز التعليمي لقبيلة العرفة، ففيها المدرسة القرآنية، التي يتلقى فيها أطفال القبيلة العلم، والمسجد الذي تقام فيه الصلوات، وتُلْقى الدروس التي يحضرها أفراد القبيلة،كما أنها كانت تكفل اليتامى وتقوم برعايتهم وتعليمهم، وقد تطور دورها بتطور الأحداث في المنطقة، فتحولت فيما بعد إلى مركز لحشد المتطوعين للجهاد ضد الغزو الإيطالي.
وتتابع الدكتورة غالية “لقد تولى مشيخة زاوية المرج على التوالي كل من الشيخ أحمد بن سعد، فالسيد على العابدي، فالعلامة محمد أحمد السكوري، وهو ابن الشيخ أحمد عبد الله السكوري الشريف النسب، وخلفه الشيخ محمد عبد الله التواتي فابنه العلامة المجاهد عمران السكوري الذي شارك المجاهد الكبير السيد أحمد الشريف السنوسي، وشيخ الشهداء عمر المختار وكبار قادة الجهاد في ليبيا المعارك ضد الإيطاليين الغزاة منذ عام 1911 م” .
وعن دور الزاوية السنوسية في المرج إبان الغزو الإيطالي قالت الدكتورة غالية : إن “تاريخ زاوية المرج أثناء الغزو الإيطالي مرتبط بشكل مباشر بتاريخ وحياة السيد عمران السكوري، فقد كان العدوان على ليبيا أثناء رئاسته للزاوية، وقُدر له أن يصبح أحد قادة الجهاد الليبي وأبطاله، وأن يُسجل للتاريخ أروع صفحات النضال والكفاح، وقد بادر ومنذ الأيام الأولى للغزو إلى الدعوة إلى الجهاد واستنفار قبيلة العرفة التي كان يرأس زاويتها للسير تحت قيادته للتصدي للغزو الذي اجتاح مدينة بنغازي، وخلال حياته كان له كرئيس لزاوية المرج دورين مهمين في مواجهة الغزو” وتمثلا في:
أولاً : التحشيد الشعبي وقيادته والمشاركة الفعلية في القتال منذ سنة 1911- 1913 م، حين أعفاه السيد أحمد الشريف من مهام القتال مراعاة لظروفه الصحية،كان لرجال زاوية المرج دور ريادي في الدفاع عن مدينة بنغازي وضواحيها ضد الغزو الإيطالي،فقد جمع السيد عمران السكوري المتطوعين من بين سكان منطقة المرج وما حولها،وكان عمله منظما بدءا من الدعوة إلى الجهاد، إلى تنظيم صفوف المجاهدين الليبيين من حوله وتسليحهم،وقد استطاع أن يجمع ثلاثمائة فارس وعدة مئات من المشاة من القبائل القاطنة بمدينة المرج وما حولها،والتقى بالقوات التركية المنسحبة نحو الحدود الشرقية،وانضمت الحامية العثمانية إلى قوة المجاهدين، واتجه بهم الشيخ عمران السكوري إلى منطقة الأبيار ثم إلى الرجمة،وقد بدأت المناوشات مع الإيطاليين في ضواحي بنغازي في ضاحية الصابري ثم في قرية الكويفية شرق بنغازي،وبعد هاتين المنطقتين انتقل السكوري بقواته إلى بنغازي، واشتبك مع الغزاة في معركة حامية الوطيس عند موقع جليانة يوم 19/10/1911 م، ومعركة أبو عرق التي قتل فيها الجنرال الإيطالي توريللي، وفي هوى الزردة 11/11/1911 م ومعركة السلاوي في 28\11\1911 م في المدخل الشرقي لمدينة بنغازي، وكانت ملحمة تاريخية كبيرة استشهد فيها عدد كبير من المجاهدين وتم القضاء على أعداد كبيرة من القوات الإيطالية الغازية .
ثانياً : الدعم المخابراتي واللوجستي الذي قام به السيد عمران منذ عودته إلى الزاوية وحتى اعتقاله سنة 1923 م .
وفي سنة 1923 م اندفع الإيطاليون إلى الزوايا السنوسية – ومنها زاوية المرج – ينهبون محتوياتها من وثائق ومراسلات وغيرها وحملوها في أكياس كبيرة إلى جهة لم يعلم بها أحد حتى الآن، ومن ثم حولوا الزاوية إلى سجن يعتقلون فيه أبناء المنطقة ويعذبونهم بأبشع أنواع التعذيب .
وتوضح الدكتورة غالية أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئا عن تاريخ الزاوية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك في فترة الانتداب البريطاني 1939 – 1951م، ومن المرجح أنها عادت إلى نشاطها الديني والتعليمي في العهد الملكي، ولكن في نطاق ضيق اقتصر على تعليم القرآن والإشراف على الأوقاف، وفي سنة 1963 م تعرض المبنى كغيره من مباني مدينة المرج لزلزال أدى إلى انهياره وتهدمه بالكامل، غير أن الأثر التي تركته زاوية السنوسية في منطقة المرج ما يزال قائما إلى يوم الناس هذا، فهي الأساس الذي قام عليه التعليم في المنطقة،كما أنها مثلت للسكان منبر جهاد وتاريخ ما يزال أبناؤها يفخرون به إلى اليوم . (وال- المرج) أ ف / س ع/ ر ت