تاورغاء 19 فبراير 2018 (وال)- ثلاثة أسابيع مرت على أهالي تاورغاء وهم في عراء الصحراء، من دون أن يتمكّنوا من العودة إلى مدينتهم رغم وعود حكومة الوفاق غير شرعية التي أعلنت الأول من شهر الجاري موعدا لبدء العودة بعد تهجير استمر نحو سبع سنوات.
وتشعبت أزمة تاورغاء الإنسانية ما بين إصرار الأهالي على العودة وبين تحولها إلى قضية تجاذب سياسي جعل منها تحديا جديدا لحكومة الوفاق غير شرعية.
اتهامات ووعود
هذا وقد حمل مجلس النواب الليبي، حكومة الوفاق مسؤولية أمن المهجرين الذين تعرضوا لمضايقات مسلحي مصراتة والترويع من خلال إطلاق النار بشكل عشوائي في محاولاتهم للتقدم نحو مدينتهم.
واتهم مجلس النواب حكومة الوفاق باستغلال قضية تاورغاء الإنسانية، لافتين إلى أن عدم تمكن الحكومة من إنجاز وعدها يؤكد عدم سيطرتها الفعلية على مناطقها غرب البلاد.
ومن جانبه أكد رئيس المجلس الرئاسي غير الدستوري فايز السراج “على استمرار جهود المجلس والحكومة في دعم تنفيذ اتفاق عودة أهالي تاورغاء”.
وقال السراج “إن مساعيه “لتنفيذ ودعم اتفاق المصالحة بين أهالي المدينتين مستمرة على مدار العامين الماضيين، لم ولن تتوقف، ولن نستسلم لأية ضغوط مهما كان مصدرها”.
ودعا السراج “الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم،مؤكدا أن الحكومة لن تتهاون في تحقيق إرادة أهالي مصراتة وتاورغاء الذين يتطلعون لطي صفحة الماضي في سبيل استقرار الوطن وازدهاره”.
وأشاد رئيس المجلس الرئاسي غير الدستوري بجهود المجلس البلدي مصراتة والمجلس المحلي تاورغاء ولجان المصالحة والحكماء والأعيان من المدينتين في العمل على تأمين عودة الأهالي.
وأضاف رئيس المجلس الرئاسي غير دستوري ” إن عودة أهالي تاورغاء بداية لعودة جميع الليبيين النازحين والمهجرين داخل البلاد وخارجها إلى مدنهم وبيوتهم، لتبدأ بلادنا بجميع أبنائها مسيرة البناء والتعمير”.
استمرار المعاناة
ويعد استمرار معاناة أهالي تاورغاء جعل قضيتهم تتحول إلى حلبة للتجاذبات السياسية ، حيث أتهم معارضو حكومة الوفاق غير شرعية في مدينة مصراتة حكومة الوفاق باستغلال قضية تاورغاء للدعاية السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات، مؤكدين أن الحكومة تجاوزت الكثير من المواد المتفق عليها في اتفاق.
وبحسب بيانات بعض المنظمات الدولية، تعيش مدينة تاورغاء كارثة حقيقية ، فقد أشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” مطلع الشهر الماضي، إلى تدمير 25 مدرسة بالكامل ومعهدين للتعليم المتوسط داخل مدينة تاورغاء.
وأوضح التقرير “أن إعادة إعمار المدينة من جديد تتطلب 11 مليون دولار لأن جميع مؤسسات المدينة مثل المصارف والمقار الإدارية والمراكز الصحية وأقسام الشرطة تحتاج إلى إعادة ترميم.
ومن جانبه أكد وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجرين بحكومة الوفاق يوسف جلاله، متابعته اليومية لملف مهجري تاورغاء إلى مدينتهم، والأسباب التي حالت دون عودتهم في الأول من الشهر الجاري، مؤكدًا على استمرار الجهود من خلال التواصل مع كافة الأطراف لحلحلة المعوقات التي تحول دون ذلك في أسرع وقت.
وأشار جلاله في ــ تصريحات صحفية ــ إلى استمرار الاتصالات الاجتماعية لإعادة المهجرين، لافتا إلى أن عدد العائلات المتواجدة في قرارة القطف حوالي 300 عائلة.
تنفيذ اتفاق
وبين جلالة أن حكومة الوفاق غير الشرعية عازمة على تنفيذ الاتفاق عودة أهالي تاورغاء بشكل آمن وفي قريب العاجل،مضيفا أن هناك مساعي من قبل الأعيان وبلدي مدينة مصراتة للوصول إلى حلول تتماشى مع اتفاق العودة.
و كشف عضو مجلس مصراتة البلدي علي أبو ستة عن تشكيل لجنة اجتماعية من مدينة مصراتة لحوار مباشر مرتقب مع أهالي مدينة تاورغاء.
وقال أبو ستة ــ في تصريحات صحفيةــ “إنهم على مستوى المجلس البلدي يريدون المحافظة على اتفاق الذي وقعه ممثلو تاورغاء ومصراتة وصادق عليه المجلس الرئاسي غير دستوري ، مؤكدا على عدم تدخل اللجنة الاجتماعية بعدم التدخل في بنود الاتفاق”.
وأشار أبو ستة إلى إمكانية إضافة ملحق لاتفاق تاورغاء مصراتة السابق، إذا وصلت اللجنة إلى تسوية أخرى مع أهالي تاورغاء، مبينا أن بعض المطالب تنادي أن تكون تاورغاء فرع بلدي يتبع المجلس البلدي مصراتة.
ونوه عضو مجلس مصراتة البلدي إلى من يشترط اعتذار تاورغاء، إلى أنها اعتذرت في وقت سابق عن ذلك، مرجحا أنها لن تمانع من الاستجابة لهذا الشرط، وأنهم لن يقفوا مع من وصفهم بـ “المجرمين الذي اعتدوا سابقا على مدينة مصراتة”.
قرار شجاع وحاسم
وفي ذات الشأن قال عضو لجنة المصالحة بين مصراتة وتاورغاء عبد النبي بو عرابة “إن وفدا من أهالي مدينة ترهونة والنواحي الأربعة زاروا مخيم تاورغاء في قرارة القطف، محملين برسالة من مدينة مصراتة مفادها أن أهالي مصراتة سيشكلون لجنة تطلب لقاءً مباشرا مع أهالي تاورغاء”.
ودعا بو عرابة أهالي مصراتة وأعيانها وحكماءها، إلى اتخاذ قرار شجاع وحاسم فيما يتعلق بملف تاورغاء يشابه دورهم القوي في المحافظة على وحدة ليبيا أثناء الحرب على نظام السابق، وتنظيم الدولة “الإرهابي” من خلال عملية البنيان المرصوص التي قادتها مصراتة على حسب قوله.
وأضاف بو عرابة إن ملف تاورغاء ومصراتة بحاجة إلى اتخاذ قرار حقيقي يصدر عن حكماء مصراتة وأعيانها ومجلسها البلدي وأهلها، يقضي بعودة أهالي تاورغاء النازحين، مشيرًا إلى أن هذا القرار سيكفل لم شمل ليبيا كافة.
أعيان المنطقة الغربية
وصرح رئيس لجنة حكماء وأعيان المنطقة الغربية والنواحي الأربعة صالح الفاندي، “بأن لقاء مرتقبا سيجمع لجنتين ممثلة عن مدينة مصراتة، والأخرى عن مدينة تاورغاء”.
وأوضح الفاندي” أن لقاء لجنتي تاورغاء ومصراتة للتفاوض سيحضره وفد من المنطقة الغربية، معربا عن أمله في أن يفضي اتفاق الإخوة في مصراتة وتاورغاء إلى تمكين العائلات من العودة إلى بيوتهم”.
وبين الفاندي بأن دور الإعلام ينبغي أن يكون بناءً، ويصب في مصلحة الليبيين، بعيدا عن التوجهات والأجندة السياسية، مبينا أن أعيان المنطقة الغربية سيتدخلون لوضع حلول للملف في حال عدم تمكّن اللجنتين من الوصول إلى تسوية مرضية لهما.
واعتبر رئيس المجلس الرئاسي غير الدستوري فايز السراج في ذكرى “السابعة” لثورة 17 فبراير أن ما يحدث اليوم لأبناء تاورغاء لا يمكن أن يستمر، وأن عودتهم يجب أن تتم اليوم قبل الغد، مؤكدا أنه لن يوقف دعم حكومته لهم ولجميع المتضررين في أي مدينة كانت.
و راهن السراج على حكمة أهل مصراتة في ضغط على من وصفهم بـ “القلة الممانعة”، لتحكيم لغة العقل وطي صفحة الماضي وإعلان مصالحة وطنية حقيقية. وفق تعبيره.
وصول وفد لهراوة
ومن جانبه زار وفد من أعضاء لجنة شؤون النازحين بمجلس النواب، وشيوخ وأعيان المنطقة الوسطى، مخيم هراوة، للاطلاع على أوضاع مهجري تاورغاء.
وصرح مدير مكتب الشؤون الاجتماعية بالمجلس المحلي تاورغاء، خليفة الدقلي، “بأن الوفد وصل إلى هراوة لدعم المعتصمين، ومناقشة سبل التدخل والوساطة لحل الأزمة”.
وضم الوفد أعضاء لجنة شؤون النازحين بمجلس النواب، جاب الله الشيباني، وحسن الزرقا، وصالح فحيمة، كما وصل عميد بلدية هراوة وعدد من شيوخ وأعيان المنطقة الوسطى.
حملات الدعم
هذا وقد تنادى عدد من شباب وأهالي منطقة باطن الجبل (بدر و تيحي) لبدء حملة تبرعات لأبناء تاورغاء المتواجدين بمنطقة قرارة القطف الواقعة على حدود المدينة في انتظار فتح الطريق لهم وعودتهم إلى بيوتهم.
ودعا الشباب المتطوعين بالتعاون مع المجلس البلدي والسرية 53 مشاة المواطنين والتجار بمختلف اهتماماهم إلى تقديم ما يمكن تقديمه حتى تتمكن المدينة بالمشاركة في مد يد العون لإخوانهم من أبناء تاورغاء.
وجاء في نص الدعوة التي اطقلها المنادون لهذه المبادرة “إلى أبناء باطن الجبل، ﻋﻮﺩﺗﻤﻮﻧﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ الوطن والى جانب إخوتكم الليبيين، واليوم أبناء مدينة بدر و تيجي انتم مدعوون ﻟﺘﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﻮﻧﺎً لإخوة ﻟﻜﻢ يعانون ﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻴﺪ، ﻭﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﺪﺧﻞ، ﻟﺘﻤﺪﻭﺍ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺤﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺗﺄﺧﺬﻭﺍ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺑﺮ الأمان”
هذا وقد أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليبيا، عن مواصلة دعمها لأهالي تاورغاء الذين منعوا من دخول بلادهم ليقطنوا في مخيمات بمنطقة قرارة القطف شرقي بني وليد.
وأفادت المفوضية، في تغريده لها عبر ــ صفحتها الرسمية على تويتر ــ “بأن هناك نحو أكثر من 1300 من نازحي تاورغاء متواجدين بالعراء يعانون من البرد القاسي، مستخدمين العصي والنيران من أجل الاحتماء من هذا الطقس السيئ”.
وفي ذات السياق طالب الملتقى العام للقبائل الليبية، في بيان له عقب اجتماعه بقرارة القطف، بعودة مهجري الوطن، إلى مدنهم دون قيد أو شرط وضرورة نبذ العنف و الأحقاد و الفرقة بين القبائل الليبية.
ودعا الملتقى، حكماء وعقلاء مدينة مصراتة بتأمين عودة أهالي تاورغاء، إلى مدينتهم وأرضهم وأن يكون يوم عودة أهالي تاورغاء إلى مدينتهم يوما وطنيا للمصالحة الوطنية الشاملة لكل الليبيين.
حل نهائي
وفي ذات السياق قالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش سارة ليا ويستن “إنَّهُ يتوجب على سلطات في طرابلس التحرك لضمان عودة سالمة لمن كَانوا في طريقهم بالفعل إلى تَاورغاء، ومُساعدتهم على إعادة بناء حياتهم.
وأشارت ويستن خلالَ تصريحات صحافية إلى إنه تم منع 40 ألف نازح قسرًا من العودة إلى ديارهم من قبل ميليشيات مصراتة وسُلطاتها، بعد سبع سنوات من العيش في ظروف مُزرية، وهو عملٌ قاسٍ يدل على الانتقام.
يشار إلى أن أهالي تاورغاء يعانون منذ عام 2011 تهجير قسري من قبل ميليشيات مصراتة إلى جانب تدمير بنية مدينتهم التحتية تدميرا كاملا مما اضطرهم للجوء إلى مخيمات لاجئين موزعة على كل المدن والقرى الليبية في ظل ظروف معيشية سيئة. (وال – تاورغاء) هـ ع/أ د