المرج 05 أغسطس 2018 (وال) – لكلّ شعبٍ عاداته وتقاليده المتفرّد بها، فهي السّمة البارزة التي تميزه عن سواه باعتبارها مجموعة قيم تربويّة يتمسكون بها اعتزازا بأصالتهم، وهي في الغالب ما تكون مستمدّة من الدّين والتّاريخ والحضارة ، ووليدة عقول الحكماء والبسطاء وحصيلة التّجارب العملية على أرض الواقع، ونحن في ليبيا لدينا عديد العادات والتقاليد التي تُعتبر ثروةً اجتماعيةً خالدةً قائمة بكل الأزمنة وتشكّل هُوية الليبيين وتُعبّر عنهم .
إلا أنّ هذه العادات والتقاليد ربّما قد طرأت عليها بعض التغيرات لتطور وحداثة الحياة وللاستمرار الأزمة الاقتصادية التي طالت، فمع استمرار شُح ونقص العملة النقدية التي قد أصبحت سجينة البنوك استغنى جزء من الليبيين على بعض العادات الاجتماعية حتى يتلاءم مع الواقع الاقتصادي الراهن.
وتُعدّ حفلات وطقوس “الختان” في ليبيا من العادات والتقاليد والمفاهيم الثابتة، و لايمكن الاستغناء عنها ولها طابعٌ خاصٌّ وسلوك معيّن وتقاليد مورّثة يبتهِج فيه الليبيون ويقيمون الموائد الخاصة له وربما تصل مصاريف الإنفاق عليها في السابق لما يعادل مصاريف الأفراح وحفلات الزفاف .
الظروف الاقتصادية
في ظل الأزمة الاقتصادية بدأت هذه العادات والتقاليد بالتلاشي شيئا فشيئا ولم يعد لها ذلك الأثر في نفوس أبناء المجتمع فأصبح التمسك بتلك العادات أمراً شاقًّا عليهم وهنا يقول والد الطفل محمد المواطن حسين ضوء المسماري : إن الحفاظ على العادات السابقة والاحتفال بــ”الختان” حسب المألوف أمرٌ في غاية الصعوبة في هذه الأوقات فكيف يمكن أن يُنظم حفلٌ حتى وإن كان عائلياً ويبتهِج المواطن بمثل هذه المناسبة كما اعتاد في السابق والمصارف قد أصبحت خاوية من العملة الورقية, وما يتحصل عليه المواطن من المصارف التجارية بالكاد يكفي لقضاء الأساسيات .
ومع هذا يسرد المسماري لنا قصة ختان ابنه ، ونظراً لحالته الصحية وما ألمّ بالطفل وأمه قرر الوالد أن يُنظم حفلاً عائلياً ويدخل البهجة والسرور في نفوس العائلة بحسب عاداتنا الشعبية وذلك في حفل بهيج نظمَه داخل بيته .
وأوضح الوالد أن الطفل محمد ما إن خرج من غرفة الختان وأجروا العملية بتكلفة مئة دينار ليبي بالإضافة لقيمة التحاليل والفحوصات المخبرية التي تُقدر بقيمة 30 دينار ليبي بادرت العائلة بتنظيم حفل نسائي لما يعرف شعبياً بحفلة “علالقة المتطهر” وهى القفة أو السلة التي تحوي المستلزمات النسائية والحلويات ومواد التجميل وما يُلزم البهجة حيث اعتادت النساء الليبيات على فتح ” القفة” وسط حفل مسائي في حضور الأقارب والجيران على شرف الطفل بأهازيج خاصة بالمناسبة، وبحسب المسماري قد بلغت قيمة “القفة “مئة وخمسين دينار ليبي وهي متوسطة الجودة حسب وصفه ومن المزمع أن تُنظم العائلة غداء بالمناسبة في مأدبة تضم مئة شخصٍ على الأقل وهو ما يُقدر مبدئياً بتكلفة لــ ثلاث الآلاف دينار ليبي هذه التكلفة التي ربما تكون لدى البعض غير مرتفعة قد تؤثر كثيراً على متوسط مصروفات المواطن الليبي في ظل هذه الظروف الاقتصادية ، إلا أن البعض يرى أنها ضمن الحفاظ على المورث الشعبي وبحسب المواطن حسين الذي أختتم حديثه معنا بقوله “كل هذه التكاليف لا تساوي شئياً أمام العادات والموروث والعادة الحسنة التي يبتهِج فيها الجميع ويحتفظ بذكرى طيبة لن تُنسى وكما أنها ستكون بمثابة صلة للرحم والتواصل.
الظروف الاجتماعية
وتقول الحاجة رقية محمد 80 عام : إن الظروف الاقتصادية ليست العامل الوحيد وإن كانت هي الأبرز فالمجتمع ربما لم يعد بذلك التآلف والتكافل الاجتماعي، ففي السابق كانت طقوس الختان أو ما يعرف شعبيًا “بالطاهرة “ذات طابع خاص وتلعب العادات والتقاليد الاجتماعية قبل المادية الدور الأكبر في ذلك، وغالبا ماكان يستمر حفل الطفل لساعات وربما أيام بالإضافة إلى الولائم والذبايح، لكن اليوم في ظل هذه الأحداث شهد الأمر تغيراً ملحوظاً ، فلم نعد نجد تلك التكاليف، وأصبح الوضع مختلفا تماماً حيث ارتفعت الأسعار وهناك شروخ واضحة في النسيج الاجتماعي الليبي … فأين المسامرة الجيران ولمة شاي نساء الحي الواحد!! وعن تجربتها تقول أنها تشترط على أبنائها أن تقيم حفلاً ولو بسيط لعائلتها عند ختان أحفادها لترسّخ لديهم الذكرى الطيبة، وذلك بدعوة الأقارب والجيران لتعمّ الفرحة بين الأطفال والكبار وتنشر بينهم المحبة والآلفة .
الحداثة والتغيير
ترى الحاجة نواره حسين72 عام : إن العادات تغيرت بتغير الأحوال و الأجيال ورغبتهم في تطوير العلاقات الإنسانية والاجتماعية وتغير بعض المفاهيم التي أتضح مؤخراً أنها تنافي الشرعية الإسلامية .
وبيّنت الحاجة نوراة أنه في السابق كانت النساء تميل للطب الشعبي وتقول “للحقيقة لما نسمع بخروقات صحية أو مضاعفات للطفل ، ففي القديم كان الحلاق أو ما يُعرف شعبيا ب”الطّهار” وهو الشخص الذي تعلّم حرفة الختان بالممارسة من يقوم بعملية الختان وسط الأهل وفى بيت الطفل، وحديثاً تشهد عملية الختان تطوراً ملحوظاً وذلك من استعمال معدات مجهزة ومعقمة وعيادات ومراكز مختصة وأطباء مختصين في علوم الجراحة العامة .
وتابعت قائلة لم نكن نستعمل بالمضادات الحيوية ،وكما إنه حديثا بعد فضل الله وانتشار المعرفة والعلم يتم إجراء ختان الطفل قبيل تجاوز العامين من سن الطفولة بينما في السابق كان البعض ينتظر حتى يتجاوز الطفل السابعة أو العاشرة من عمره وذلك بنية ختان طفلين أو ثلاثة من العائلة الواحدة مع بعض في ذات المناسبة وهى كعرف “المُباركة ” إي بمعنى أنهم يتباركون بذلك .
وفى ذات السياق أكدت الحاجة أنهم على سبيل المثال كانوا يلطخون بدماء الذبيحة وجوه الأطفال على سبيل المُباركة ،وقد أتضخ فيما بعد أنها غير جائزة شرعاً ،وكما أعتاد الليبيون آنذاك أيضا بوشم الطفل الذي يسبُقه طفل آخر قد وافته المنية وهو ما يعرف ” بالميتة “ويقال” أفلان عنده داء الميتة” ويتم وشم الوجه بالتنقيط على الجبين وذلك كعقيدة من البسطاء آنذاك بأنها تقي الطفل حديث الولادة من الموت المُحقق وكل هذه الأمور قد تغيرت بالمعرفة والعلم .
ونوّهت الحاجة إن عادتنا وتقاليدنا الحسنة كانت بالفطرة ودون المعرفة ، وهذه الأنماط السلوكية المعدة مسبقا والبعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه السمحاء والقريبة من أفكار الجاهلية التي تبعها الكثير منا دون تمحيص وتمييز وتفريق الدخيل عن الأصيل والضار عن النافع ربما قد اندثرت بالعلم وتمسك البعض بالجميل منها والحسن والتخلص من الضار .
انقراض الفنون الشعبية والحياة العملية
من جانبها تقول الحاجة فوزية إمراجع62 عام : مع اختلاط السلبي بالايجابي و مع الحداثة والتطور وغزو الوسائل الشبكية التي أسهمت بتداخل الثقافات واختلاط المفاهيم، أخذ البعض يرى أن العادات والتقاليد هما حجر العثرة التي تبطئ الجميع فقد استغنى البعض عنها.
ففي السابق كان الختان “عرس اجتماعي “حيث ترتدي النساء الحلي وتتزين بالمناسبة ويرتدى الأطفال ثياباً شعبية، ويبارك الجميع لــ أهل الطفل وكما قد تُنظم عروضاً للخيل والفروسية وتتعالى الزغاريد فرحا ًببلوغ الطفل .
وفى هذه المناسبة كانت النساء ترددن أهازيج وأغاني خاصة للطفل و ترى الحاجة فوزية أن اختلاف الأجيال والحداثة ربما قد ساهمت كثيراً في عدم الاهتمام بالتراث والتمسك بالعادات الشعبية ففى السابق قبل الختان بيوم تُجهز أسرة الطفل “الحنة” وتعجن وتوضع في قطع مستديرة الشكل من القماش وتربط بخيوط ملونة ويعمل منها 30 أو 40 صرة وكل صرة توزع على المدعوين في يوم الطهور.
وفى يوم الختان يجهّـز الطفل لإجراء العملية، ويستدعى رجل متخصص يسمى ( الطهّار) وتـُـلبـِـس الأمُّ طفلها لباسـاً خاصاً : قميص أبيض ، وفرملة، وغطاء للرأس يسمى(كمـبـوس) ويزين الكمبوس بخميسة وقرن (حويته وخميسة وقرين)
ثم يحضر أقارب الطفل مثل عماته وخالاته وأخواله، وتأتي إحداهــن بمبخرة بها جمر ويوضع عليه ( الجاوى والفاصوخ) وتفـرش حصيرة جديدة، ويوضع في وسط الحصيرة غربال و قصعة مقلوبة مغطاة بقطعة قماش بيضاء ويغربل الرمل فوقها بالغربال، ثم يأتي الطهار ومعه أقارب الطفل من الرجال عمه وخاله ويمسكون بالطفل ويضعونه على الرمل الذي فوق القصعة استعداداً للطهور
وبذلك تبدأ عملية الختان وتتعالى الزغاريد وتبدأ النسوة قريبات الطفل بترديد أغاني خاصة بالختان مثل:
طـهـّر يامطهـّر صـحَ الله يـديــك * ولاتوجع الغالي ولانـغضب عاـيك
باته وأمه من الحضارة***يامبروك عليه اطهاره
يامبروك عليه إطهاره **طهرناه وشاله خاله
إنشاءالله بعد أطهور **إدير فرح ويسوق الطيارة
خوالك عرب زينين ** الموس يا ولد لا يرعبك
خوالك وعيلة هلك ** يبقوا شيوخ في خيط ليبيا
إن شا الله أوليد حلال** اردلــه اتعاب لا يوم لآخرة
إن شا الله بعد تطهير ** يقبـــا شرع قاضـي عيلت
إن شا الله بعد طهور ** يبني بيت غربي بيتنا
طهورك عليهم نور ** اللِّي بوك ميجود حاضره
إن شا الله بعد طهور ** يْجي فوق عالي ديرها
إن شا الله بعد طهور ** يجيب عين سوده ذابله
وفي أثناء ذلك عملية الختان تجتمع القريبات من النساء ومعهن إناء “قصعة” بها ماء وتضع فيها الأم قدمها اليمنى ولا تـرفعها حتى تتم عملية الطهارة.
وبعد الانتهاء من عملية الختان يؤخذ الكمبوس من على رأس الطفل ويوضع بين الرجال وتبدأ عملية النحيلة أي دفع مبلغ من النقود، وعادة الخال هو أول من يقوم بالنحيلة وبعد ذلك يجمع المبلغ المتبرع به في كمبوس الطفل ويسلم إلى والد الطفل .
وفي هذه الأثناء يُسلـَّم الطفل إلى جدته حتى تقوم بـاسـكـاتـه، و يطلب من أم الطفل أن ترفع قدمها من الماء فترفض،وهى عادة متعارف عليها وفي أثناء ذلك تطلب النسوة من الأب أن يـهدي هدية إلى الأم، وبعد تقديم الهدية ترفع الأم قدمها من الماء.
وفي العادة تكون الهدية : شجر مثمر – أرض – منزل – أغنام – وذلك يعتمد على حالة الأب المادية.
وبعد الختان يوضع الطفل في سريره والكمبوس إلى جانب رأسه ليرمي فيه المعازيم والمهنئيـن النقودَ، ويستمر هذا إلى نهاية اليوم
هذه العادات الشعبية قد اندثرت في هذه الآونة كما بينت الحاجة فوزية حيث أقتصر الأمر حديثاً على زغرودة أم الطفل وربما هذا الاندثار يُعزى لانقراض المورث الشعبي وعدم تمسك الأجيال الحديثة بذلك.
واختتمت الحاجة حديثها بأن الطفل في السابق كان يحظى بحب وود غير مألوف بعد الختان, وكان ذلك واضحاً في ما يُعرف شعبياً بــ”الترجيب” أي الغناء للطفل بنية الاهتمام والمغازلة حيث كانت الأمهات تترجب على أطفالها بنية تخفيف الآلام عنهم فتقول :
نجي الولد يا باري **عقب الليل إيجنى ساري**شايل على قبوز غادري**عامد بو جمة حفاري**نجى هالوالد يا باربي أوها يالول **حصانك يسعر كيف الغول علوقة قمح أو فيه أسبول
أو ها يل للي باتك في العركة ما ذل وجدك في سرواله شل** أو بيتك فيه 8 أخلل * فيه الخادم تسلل * أو فيه العبد تقول جمل . ( وال – المرج) أ ف/ ع ع