طرابلس 26 أغسطس 2018 (وال) – يعتبر الصيد الجائر صيداً غير شرعي، وتُعاقب عليه كافة القوانين الدولية، لما ينتج عنه من تهديد للبيئة، وتدمير لمكوناتها الطبيعية، وخصوصاً المرتبطة مع النظام الغذائي، والذي يجعل الكثير من الحيوانات تهاجر من مناطق سكنها الأساسية، هرباً من الصيد الجائر الذي يهدد حياتها.
وتنتج عن الصيد الجائر مجموعة من المخاطر كالتأثير السلبي على دورة حياة الحيوانات، من خلال منعها من النمو، وعدم تمكنها من إنتاج أجيال جديدة أخرى، وانقراض العديد من الحيوانات، وخصوصاً التي تتواجد في مناطق نائية، إلى جانب نشر التلوث البيئي؛ بسبب قتل الحيوانات من باب التسلية، وعدم انتظام الحياة البرية للحيوانات التي تعيش بالبراري.
هذا وتحرص القوانين الدولية المدعومة من المنظمات العالمية التي تهتم بالثروة الحيوانية، وحماية الحيوانات إلى عدم التعرض للصيد الجائر، بوضع قواعد قانونية تمنع الصيد البري والبحري لأنواع الحيوانات والأسماك النادرة، أو التي لا يُسمح باصطيادها إلا في موسم محدد خلال العام الواحد، للمحافظة عليها من الانقراض.
ومن جانبهم، حذر صيادون ليبيون من كوارث بيئية محققة في حال لم يتوقف الصيد الجائر في العديد من المدن الليبية، حيث ظهرت آخر آثار لحيوان الوشق في ليبيا قرب كهف دخيل على شاطئ مصراتة في تسعينيات القرن الماضي، بينما كان آخر ظهور للفهد البري في منطقة المخيلي في الجبل الأخضر سنة 1990.
وقال الصياد “نور الدين اللافي أن هناك مواسم للصيد معروفة عند الصيادين، فصيد الحمام مثلا يبدأ في سبتمبر ويستمر لشهرين، وغير بعيد منه موسم صيد السمان، فهذه الطيور تهاجر في نهايات الربيع باتجاه أوروبا قادمة من الجنوب، وفي بدايات الخريف تكون لها هجرة عكسية باتجاه وسط أفريقيا، وهذه هي مواسم صيدها.
وتابع اللافي هناك موسم صيد لطائر الحجل ينطلق من بداية أكتوبر إلى يناير والحبارى من نوفمبر تقريبا وحتى يناير، والتعدي على هذه المواسم ينذر بكارثة بيئية في حق هذه الطيور وقد يؤدي إلى انقراضها، خاصة حين تستخدم أسلحة رشاشة غير مخصصة للصيد كمضادات الطيران، حينها سيصبح المشهد أقرب للمجازر، ولا علاقة للأمر بالصيد ولا أخلاقه المتوارثة.
أعراف الصيادين
وأضاف الصياد الهاوي أن الصيد الجائر قضية تؤرق هواة الصيد ومحترفوه، والمهتمين بالتنوع البيئي في بلادنا، ولا يكاد يحس بها من يتسببون في مثل هذه المخاطر البيئية، فحيوانات وطيور وحتى أسماك تواجه خطر الانقراض من براري وصحاري وجبال وشواطئ ليبيا.
وأكمل أن في غياب الرقابة على الصيد الجائر، وفي ظل استخدام الصيادين للأسلحة الرشاشة، والمتفجرات (الجيلاطينة)، والتعدي على الأوقات التي يحظر فيها الصيد كمواسم التكاثر لبعض الحيوانات، خاصة بظهور سيارات الدفع الرباعي ذات القدرة الهائلة.
مضادات الطيران لصيد الودان
ويعتقد اللافي أن من أخطر الأمور على الحياة البرية هو دخول السيارات الصحراوية التي تجوب البراري ليلا ونهارا، حيث أن هذه الآليات لم تكن مستخدمة حتى وقت قريب وقد تسببت في هروب الحيوانات البرية إلى أماكن بعيدة حيث يطاردها الصيادون في الجبال الوعرة، وإخراجها من معاقلها بالرماية عليها بمضادات الطيران، ثم ينقضون عليها بسياراتهم الجبارة.
وذكر اللافي أن هؤلاء الصيادين لا يعبؤون كثيرا بما يصطادون، فحيوانات مثل الذئب الصحراوي (ابن آوى) قد يقتلونه لمجرد القتل، ويتعدى الأمر إلى حيوانات أخرى، حيث تمكنت مجموعة صيادين من اصطياد 22 أرنبا، وحين عثروا على أثر غزال، أخذوا يقتفون أثره لمدة يوم ونصف، ولاهم بالذين ظفروا بالغزال، ولا حافظوا على صيدهم، فقد تعفنت الأرانب مع طول المدة وذهب صيدهم طعاما للغربان.
انقراض 23 نوعاً في برية مصراتة
وفي ذات السياق، أجرى أكاديميون في عام 2007 تحت إشراف الهيأة العامة للبيئة بحثا ميدانيا، تبين لهم من خلاله أن 23 نوعا حيوانيا مهددة بالانقراض في برية مصراتة وحدها، وكان السبب وقتها هو تجريف الكثبان الصخرية المتحجرة (الهشوم)، مما ينذر بالخطر كبير.
ونشر تقرير سابق لمنظمات دولية بأن حوض البحر الأبيض المتوسط يشهد سنويا قتل 25 مليون طائر، حيث جاءت ليبيا في الترتيب التاسع عربيا بقتل (503,000) في حدودها الجغرافية، ووفقا للتقرير فإن المنطقة تفقد سنويا أكثر من عشرين مليون طير مغرد، مليون طير مائي، 700 ألف طير حمام، ومائة ألف طير جارح وغيرها.
هذا وتعد الإحصائيات مستمدة مما تنشره الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية والجمعية الليبية للطيور المهتمتين بالحد من عمليات صيد الحيوانات للمتعة، وخاصة الطيور بنشر حقائق وأرقام مفزعة عن هذه الظاهرة.
الصيد لا يدخل الثلاجة
وقال الشيخ اللافي أن الصيادين كانوا يخرجون في موسم الصيد لأجل قضاء الأوقات الممتعة، وليس لأجل ملئ البطن كما يحدث عند بعض من دخلوا على الموضوع حديثا، حيث كان للصيد طعمه، وللحم الطرائد في مواسمها نكهته الخاصة، أما أن تعود بالصيد وتضعه بالثلاجة أو تبيعه في السوق فتلك في أعراف الصيادين مدعاة للازدراء.
قراصنة في البر أيضاً
وتابع أن بعض الصيادين الأجانب يأتون بطيور مهجنة مع أجهزة تتبع، لغرض الصيد، وهؤلاء أيضا شأنهم شأن البحارة الأجانب لا يلتفتون إلى مواسم الصيد الجائر، وهؤلاء هم المسؤولون عن انقراض طائر الحبارة في بلادنا.
وأشار الصياد إلى أن الدول المحترمة ذات السيادة تفرض قوانينها على الجميع، وتفرض ضرائب إضافية على الصيادين الأجانب حفاظا على مقدراتها وثرواتها البيئية، فأين دولتنا من هؤلاء.
خطة إنقاذ
وذكر اللافي إن طائر الحبارة كان موجود بكثرة في برية مصراتة، وفي منطقة الحساسين، وجنوب زليتن، وبني وليد ومنطقة البريج، كما يعرف الصيادون موطن الغزال والودان في جبال الهروج والحساونة، وبعض الأودية الحدودية لدرجة أن بعض القناصين يتجاوزون أحيانا الحدود خلف الطرائد.
وأضاف أن طائر السمان يأتي من أوروبا في بدايات الشتاء ويتوقف عند سواحل ليبيا ويعشش ثم يواصل رحلته، وأما طائر الغرنوق والدريج فيأتي في شهر (11) ويبقى شتاءً كاملاً، وفي بدايات الربيع يعود لأوروبا بعد أن تدفأ الأجواء هناك.
وأوضح الصياد اللافي أن الأرانب تناقصت بشكل كبير في برية مصراتة وإذا استمر الصيد العشوائي الجائر فهي في طريقها للانقراض، غير أنه لو أن هناك من تبنى خطة إنقاذ وكف عنها أيدي الصيادين لثلاث سنوات مثلا فسوف تتنامى أعدادها بشكل كبير.
شواطئ ومتفجرات وقراصنة
ومن جانبه قال الصياد السنوسي ساسي إن موسم الفروج بدأ في التناقص، حيث أن قوانين الصيد لا تبيح صيده في شهري يوليو وأغسطس، الذي هو موسم وضع البيوض بالنسبة لها، كما أنه يحظر الصيد بالجرافات في أشهر (5، 6، 7، 8) لكن الصيادين تعدوا على هذه القوانين، وزيادة في التعدي استخدموا (الجيلاطينة / متفجرات)، ما أدى إلى استنزاف هذه الأنواع، بل وهجرها لأماكن تواجدها.
وتابع ساسي أن مشكلة الشواطئ لها بعد آخر، فالصيد الجائر لا يقوم به الصيادين الليبيين فقط والذين يخضعون للقوانين الليبية، بل أكثر من ضر بالبحر هم الصيادون الأجانب الذي يأتون من أعالي البحار، فهؤلاء لا يراعون البيئة ولا يأبهون بمواسم حظر الصيد، كما أنه ليس هناك من يردعهم، بل ربما هناك من يسهل لهم، حيث أن لدينا صيادين يسجلون جرافات باسمهم ويمنحونها رخصة الدخول للمياه الليبية وهي أجنبية.
وأكمل ساسي بالنسبة لمجازر الحياة البحرية فحدّث ولا حرج، فالصياد يضرب “الجيلاطينة” في مرعى أسماك، ويجمع من الصيد حاجته ثم يترك البقية طافحة على صفحة الماء، فحجم الصيد يتعدى بمراحل حاجة الصياد وقدرته على الاستفادة منه. (وال – طرابلس) هــ ع