المرج 26 نوفمبر 2018 (وال) – إن المُهتم بمسيرة الإنسان منذ بدء الخلق، يلاحظ إن الزراعة هي أول عمل عرفه الإنسان، وتداولها أباً عن جّد لتوفير حاجته من الغذاء، وقد أصبحت مع مرور الزمن مورداً هاماً وأساسياً من موارد الرزق وعاملاً رئيساً من عوامل استمرار العيش.
واليوم تُعتبر الأعمال الزراعية العامة والخاصة أهم عنصر لضمان وبقاء حياة الشعوب، واستمرارها، وباستقراء العديد من الدراسات والأبحاث خلال تطور مراحل الحياة نُشاهد حقائق هامة تدل على أهمية الموارد الزراعية، التي تٌعتبر ساند رئيسي لباقي الثروات الأخرى، ومورداً ثابتاً لإيرادات الدول المُهتمة بالزراعة والثروة الحيوانية، وهى أيضاً المصدر الوحيد الذي تنتجه الأرض من الغذاء والكساء والسكن والرعي وتوفير البيئيات الصحية والبدنية والعقلية والفكرية .
وكالة الأنباء الليبية وبالتزامن مع انطلاق موسم الحرث رصدت من داخل الأراضي الزراعية التحديات التي تُصادف المزارعين، وخلصت بجملة من التوصيات من المُختصين في المجال الزراعي إلى جانب تعقيب الهيأة العامة للثروة الزراعية والحيوانية حول تردى الثروة الزراعية بليبيا والمجهودات المبذولة من طرفهم .
تأثير الطروف بالسلب
يقول المرشد الزراعي “المتقاعد” سعيد عبدربه من منطقة سيدى نوح ببلدية ساحل الجبل الأخضر، إن الظروف الحالية صعبة للغاية على المزارع، مناشداً بضرورة اتخاذ الإجراءات السريعة الجادة والمُخلصة لتلافي ما قد تبقى من الأراضي الزراعية، وبواقى المشاريع الزراعية الوقائية كمشروع جنوب الجبل الأخضر لإعادة الهيبة للمشاريع العامة، وللمحافظة على الغطاء النباتي وتوفير مراعى طبيعة،كما يجب النظر بجدية إلى حال المزارع ليتخطى العقبات التي تُصادفه .
وأكد المرشد الزراعي إن النشاط الزراعي ربما قد توقف نهائياً عن الممارسة بسب الوضع الاقتصادى الراهن في كامل البلاد، وخير دليل هو عزوف بعض المزارعين عن حرث أراضيهم لعدم قدرتهم المالية وتركها بور لأكثر من عام .
وأشار إلى أن الوضع السياسي قد أثر بالسلب أيضا في الثروة الزراعية ويجب تدارك ذلك بتوحيد المؤسسات بما يحقق شمول الخدمات الزراعية، وللرفع من مستويات الأداء المُنهار، وللمساهمة أيضا في الاقتصاد المتنوع، والاستخدام الأمثل لموارد البلاد الطبيعة والبشرية .
تحديات وعقبات
ومن جهته، قال المزارع عطية الله الكيخي من منطقة بطة الزراعية الواقعة ببلدية ساحل الجبل الأخضر إن الزراعة في ليبيا تعاني من مشاكل كثيرة ومركبة، فمن غلاء البذور إلى ضعف التمويل ومحدوديته الشديدة وصولا لانحسار مساحات الأراضي المزروعة والقابلة للزراعة، إلى جانب المشاكل الاجتماعية الناجمة من القوانين السابقة، وغياب دور الهيأة العامة للثروة الزراعية والحيوانية والبحرية منذ عديد السنوات، وبالتالي قصور الإنتاج الزراعي وتدني العائد منه لا مُحال .
ويتابع المزارع إنه وسط هذه التحديات يحاول مزارعو المناطق الشرقية بكونها بيئة زراعية الصمود أمام الرياح العاتية التي تهدد حياتهم ومصدر رزقهم وإنتاجهم سواء زراعي، أو حيواني وذلك بحرث جزء من الأراضي وترك الجزء الأخر لعدم القدرة المالية .
مخالفات
بدأ مزارعون في المنطقة الشرقية في تغيير بوصلة نشاطهم الزراعي إلى الاستثمار العقاري، بعد تراجع أرباحهم وعجزهم عن توفير متطلبات الاستثمار الزراعي، فيما اتجه آخرون إلى مخالفة الأنظمة والقوانين بكون الأراضى حق انتفاع للدولة بتأجير مزارعهم كمراعي بور وعدم زراعته لسنوات عديدة، مكتفين بتسلم أرباح شهرية .
وكما جرى في المناطق الزراعية بيعها بعد تقسيمها إلى مساحات أصغر خصصت للاستراحات والأحراش الخاصة، ويلاحظ مؤخراً إن المزارع في المنطقة الشرقية، باتت قليلة، إثر عمليات البيع المستمرة، وتقسيمها إلى شرائح بمساحات ضغيرة مما أدي إلى تراجع الزراعة في المنطقة الشرقية، وعزوف مزارعيها عن ممارسة نشاطهم .
ارتفاع أسعار وضعف الأرباح
عبدربه الكيخي مزارع أخر يؤكد أن المدن الشرقية بطبيعتها قد عُرفت على مدى عقود طويلة كمدن زراعية إلا أنه لم يعد كذلك الآن، بسب تراجع الزراعة منذ عدة سنوات لصالح قطاعات أخرى كالصناعة، والخدمات، وذلك بسبب تحول العديد من المزارعين وأبنائهم إلى مهن وحرف أخرى جراء الخسائر المالية التي لحقت بهم على مدى مواسم متتالية تارة بفعل المناخ، وكمية الأمطار وتارة أخرى بسبب الارتفاعات الحادة لمستلزمات الإنتاج الزراعي وضعف الأرباح والعجز عن التسويق بصافي الأرباح المُمكنة وتحقيق أرباح جيدة، وكما أن المزارعين اليوم غير قادرين على تأمين مستلزمات حياتهم الأساسية بالتزامن مع استمرار الأزمة الاقتصادية الراهنة .
ويبين الكيخى أن سعر الكيس الواحد من القمح يصل إلى مئة وثلاثون دينار لنصف القنطار، وغالبا ما يستخدم المزارع في البذر بذور القمح، أو الشوفان والشعير، وقد يحتاج إلى مئة كيس على الأقل وبالتالي ربما تصل تكلفة البذور المستخدمة في بذر المزرعة إلى خمسة الآلاف دينار ليبي، إلى جانب الأسمدة غير المتوفرة أساسا والمرتفعة السعر أيضاً .
ووضح الكيخي أن فقدان السيطرة على قنوات الاستيراد وخلق سوق سوداء موازى إلى جانب عدم الاهتمام بجودة البذور المستوردة والمحلية منها قد أثر كثيرا على مستوى الإنتاج الزراعي .
ويضيف ممتهن حرفة الحرث الشاب أحمد بو خليل إن المهنة لم تعد كما في السابق، فقد يلجأ إلى صيانة وعمرة الآلات الزراعية المتهالكة أساسا قبل الموسم، وقد تصل تكلفة الصيانة إجمالي ما يتم جُمعه من أعمال الحرث، وذلك بسب ارتفاع أسعار قطع الغيار عن السابق إلى ضعفها تقريباً.
وعلى سبيل المثال يقول بو خليل إن الإطارات في السابق يصل سعر النضيدة إلى سبعمائة دينار ليبى وتُقدر الآن في السوق المحلي ثلاث الآلاف دينار ليبي، إلى جانب المحروقات والمواد الأخرى، وفيما تُقدر يومية الحارث إلى خمسون دينار ليبي في اليوم الواحد .
حلول مُمكنة
يرى المهندس الزراعي المتقاعد سعد مفتاح أن النشاط الزراعي يعد بمفهومه العام والخاص جزءاً لا يتجزءا من البينان الاقتصادي لأى مُجتمع، بل أن الناتج من الأعمال الزراعية العامة والخاصة يعتبر رافداً من روافد الدخل العام والخاص، خاصة في المجتمعات التي لم تصل بّعد إلى مرحلة التقدم الصناعي، ولهذا يجب أن تُخصص ميزانية مُستعجلة للبدء بتنفيذ برامج زمنية لتطوير محطات التجارب الزراعية والمشاتل، وتوفير البذور المُحسنه، وتنفيذ برامج توزيع وإكثار البذور، والإشراف على كيفية حفظها، ومراعاة جودة البذور المستوردة والمحلية منها واستمرار إقامة الحملات الخاصة بالوقاية، وتفعيل الإرشاد الزراعي والإعلام والتوعية الزراعية .
ويتابع يجب محاولة وضع آلية مستعجلة وبضوابط أدراية لإنهاء العديد من الصعوبات التي تواجه الإنتاج الزراعي، بسبب القصور الواضح من الجهات المعنية، واستغلال الموارد الطبيعة، والبعد الإستراتيجي والاجتماعي الذي يُمثله تمسك المزارعين بأرضهم وبمهنتهم.
وحث المهندس الزراعي على ضرورة الاهتمام وبسرعة بالثروة الزراعية التي يراها قد تعرضت لهزات عنيفة أدت إلى شحها نتيجة سوء المواسم المتلاحقة، وإهمال هذا النشاط لعدة سنوات قد مضت، وذلك يتم بتحديث المؤسسات الزراعية التي يجب أن تعمل في تعاون وثيق وتوافق تام لتطوير القطاع الزراعي، والاعتماد على العناصر المؤهلة زراعياً، واستمرار المعاهد الزراعية الثانوية والعالية بشكل مناسب .
وكما يجب استهداف وبناء وتنظيم خدمات المرشد الزراعي وربط مهام المرشد الزراعي بما يُستحدث من العلوم في كافة المجالات الزراعة النباتية، والاهتمام بالتدريب لتوجيه سلوك المهندسين الزراعيين إلى السعي الدائم في تنمية معلوماتهم وتأهيلهم المستمر والاعتماد عليهم .
وأشار إلى أن كل هذه الفرص المتاحة لا تتم في ظل انقسام المؤسسات، أو تعطيل القانون وعدم معاقبة المُتطاولين على حرمة الأراضي الزراعية،أو عدم إكتارث المُنتفعين بالا راضى العامة من المزارعين بضرورة دعم الإنتاج الزراعي .
جهود ومساعي
ومن جانبها، تؤكد الهيأة العامة للزراعة والثروة الحيوانية والبحرية لدى الحكومة الليبية المؤقتة عبر تصريح رئيس القسم الإعلامي المهندس شيخة سلام إن توريد البذور المحسنة الخاصة بهذا الموسم “شبه مستحيل” ويعزى ذلك لضرورة التواصل مع مراكز تحسين البذور بدول الجوار كما جرت العادة (مصر _ تونس) قبيل موسم الحرث بمدة لاتقل عن 6 أشهر على الأقل، وذلك لما تتطلبه الإجراءات من وقت طويل من حيث الاختبارات، وضمان الجودة .
وأوضحت سلام أنه حاليًا من الصعب جداً التوريد حيث أن رئيس هيأة الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية المهندس محمد عبد العالي قد تولى مهامه فقط منذ 4 أشهر، ناهيك عن عدم توفر إي اتصالات سابقة مع تلك الجهات المعنية لأسباب غير معلومة، فأصبح موضوع توريد البذور شبه مستحيل للاعتبارات السابقة .
وتابعت إنه للسعي في التوريد قد تمكنت الهيأة وبفضل الله من التواصل مع إحدى الجهات الموردة وتم الاتفاق على كميه محدودة تقدر تقريبا ب ٤٠٠٠ طن قمح، وبعد المفاوضات وصلت فقط نصف الكمية تقريبا، وهي الآن تخضع للإجراءات المتعارف عليها وبمجرد إعطاء الإذن بمطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة فستباشر الهيأة فورًا بتوزيعها عبر القنوات المختصة .
وبينت الهيأة إن هذه الكمية محدودة جداً، ولكنها تعتبر إنجازًا ولو كان ضئيلآ مقارنة بالظروف المستحيلة التي واكبت استجلابها.
هذا وقد تعهد رئيس الهيئة بتلافي هذا التأخير (الذي لم يكن هو طرفًا فيه) في المواسم القادمة .
وفيما يخص تعثر المشاريع العامة، بينت الهيأة إن المشاريع مستمرة بالعمل بحسب الظروف المتاحة وهي هو محطة القديدة لتحسين السلالات الحيوانية والإنتاج الزراعي قائم بالجهود المُمكنة، مشروع تنمية الكفرة والسرير قائم، ومشتل المرج تم إحياؤه ودعمه بالكامل وهم عازمون على عدم تعثر للمصلحة العامة والمشاريع التابعة لهم بحسب الإمكانات المتاحة. (وال – المرج) أ ف/ ع ع