بنغازي 21 مايو 2019 (وال)- أثارت مشاهد أعمال الهدم والإزالة لمرافق مستشفى الجمهورية في بلدية بنغازي، موجة غضب واستنكار عبر منصات التواصل الاجتماعي، شنها ناشطون وإعلاميون ومهتمون بالجانب التاريخي والاجتماعي للمدينة.
وكالة الأنباء الليبية سلطت الضوء على الموضوع والتقت عدة جهات وأطراف لمعرفة حقيقة مستشفى الجمهورية فكانت الأجوبة بالتالي:
مستشفى الجمهورية الذي يقبع على مساحة 7.5 هكتارًا في منطقة الصابري، يُعد من المعالم المهمة في المدينة، وقد تعرض المرفق لأضرار لوقوعه في منطقة واجهت حربًا ضروسًا ضد الجماعات الإرهابية استمرت ثلاثة سنوات متتالية.
وأصدر المجلس التسييري لبلدية بنغازي – بيانًا توضيحيًا – أشار خلاله إلى أن أعمال الإزالة لبعض المباني المتضررة والمتهالكة داخل مستشفى الجمهورية جراء الحرب على الإرهاب، جاءت بناءً على قرارات مجلس وزراء الحكومة المؤقتة، ولجنة إعادة استقرار بنغازي، وذلك بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالمدينة.
وأكد المجلس التسييري لبلدية بنغازي أنه وضع الترتيبات التي تُحافظ على خصوصية هذا المرفق الصحي وتاريخه، وأن الصيانة تستهدف مرافق المستشفى والأقسام التابعة له، مشيرًا إلى أنه لا علاقة لهذه الصيانة بما تبُثه بعض الصحف والمواقع “التي تُحاول التشويش على الرأي العام، وبث شائعات منفصلة عن الواقع، وعن المستهدف من هذه الصيانة”.
وأوضح المجلس التسييري لبلدية بنغازي أن أعمال الإزالة، ليست لكامل المبنى، وأنه تم استثناء أكثر من مبنى داخل المستشفى التي ترتبط بالمعالم الأثرية للمدينة، وإدارة المباني القديمة.
من جهته، نفى رئيس قسم المشروعات في بلدية بنغازي مهندس أسامة الكزة – لوكالة الأنباء الليبية – تكليف القسم ضمن لجنة متابعة مشروع إنشاء المبنى الجديد للمستشفى وأعمال الإزالة، مشيرًا بأن لجنة الطوارئ هي المعنية، وأن تمويل المشروع ليس من البلدية.
وكانت قد نشرت مستشفى الجمهورية في وقت سابق بيانًا – عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك – بعد الحملة التي أثيرت مؤخرًا ووصفته بـ “الممنهجة”، وأنها: “تُساق ضد إعادة أعمار المستشفى، وكأنهم لا يريدون لهذا الصرح أن يعود للعمل من جديد”.
وأوضحت إدارة مستشفى الجمهورية – في بيانها – أنه تم الاتفاق مع جهاز تطوير المشروعات والمناطق النفطية، بإنشاء مستشفى حديث وضخم بسعة 850 سريرًا ذي مواصفات قياسية عالمية، ليخدم مدينة بنغازي والمدن المجاورة، وستكون مدة الإنجاز خلال 180 يومًا من استلام الموقع”.
وتطرقت مديرة المستشفى الدكتورة فتحية العريبي لمواصفات المبنى الجديد للمستشفى المزمع إنشاؤه، فور الانتهاء من أعمال هدم المباني القديمة للمستشفى، وتسليم الموقع للجهة الممولة للمشروع “جهاز تنفيذ مشروعات المناطق النفطية”.
وقالت الدكتورة فتحية العريبي – في تصريح خاص لوكالة الأنباء الليبية – إنه تم تخصيص ثلاثة أجنحة لقسم النساء والولادة ضمن أربعة طوابق، وجناحين لقسمي الجلدية والأمراض السارية، إضافة إلى المباني الطبية والخدمية والإدارية، لافتةً إلى المدة المحددة لاستلام المبنى 6 أشهر.
وأضافت الدكتورة فتحية العريبي أن المباني ستحتل مساحة 50 ألف متر مربع، من إجمالي مساحة الأرض الخاصة بالمستشفى البالغة 7.5 هكتار، مشيرة إلى أن هناك مساعٍ قد بُذلت لبناء المستشفى في مواقع بديلة من بينها معسكر 17 فبراير، ومعسكر كتيبة الفضيل بو عمر.
وأوضحت الدكتورة فتحية العريبي أن تكلفة المشروع ليست بالضخمة، وأنها لا تتجاوز 10 مليون دولار وبمواصفات حديثة، مؤكدة أنه لن يتم الإفراط في المساحة الكلية للمستشفى، كما زعم كثيرون في منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكرت الدكتورة فتحية العريبي، أن مباني المستشفى قديمة، وقد تجاوز عمرها مائة عام، إلى جانب تعرضها للدمار خلال فترة حرب المدينة على الإرهاب، كما أن المباني حوائطها جيرية ومتشبعة بالبكتيريا، وتعاقبت على المستشفى صيانات وصفتها بـ”السيئة” وغير المختصة.
وتابعت الدكتورة فتحية العريبي: “علينا أن نحدد ماذا نريد؟ .. وهل نريد مبنى أثريًا أم إنشاء مستشفى حديث يليق بتضحيات الشهداء من أهل المدينة، فالعلم قفز قفزة رهيبة في بناء المنشآت الطبية”.
وتابعت الدكتورة فتحية العريبي: “مبنى قسم أمراض النساء والولادة بالمتسشفى تمت صيانته مؤخرًا بمبلغ “5” ملايين دينار، وقد نجمت عنها “أخطاء جسيمة” بعد أعمال الصيانة، فوزيرة الصحة في حكومة الكيب الدكتورة فاطمة الحمروش، أشارت إلى أنه في عام 2012 دفعت الوزارة تكاليف عقد لصيانة مستشفى الجمهورية القديم، واستكمال مشروع الجزء الجديد المتفق عليه منذ النظام السابق، وأن الشركة المنفذة استلمت المبلغ كاملا.
وقالت الوزيرة فاطمة الحمروش حينها إن المبلغ تم دفعه من ميزانية الباب الثاني بالوزارة، بعد أن أعلن جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، بعدم وجود الميزانية السابقة المدفوعة من النظام السابق للمشروعات، متهمًا النظام باستخدامها في الحرب عام 2011.
ودعت الوزيرة فاطمة الحمروش المسؤولين أن يشرعوا في التحقيق مع الشركات المنفّذة لعدد من المشروعات، ضمن عقود وأوامر التكليف التي تم إصدارها من الميزانية المخصصة للصحة لعام 2012، مؤكدة بأن جميع تلك المشروعات تمت الموافقة عليها بعد دراستها مسبقًا من قبل لجنة العطاءات، واللجنة مختصة بعضها مع وزارة التخطيط وإدارة المشروعات بمجلس الوزراء قبل تقديمها للوزيرة للتأشير بالموافقة.
في المقابل، يؤيد رئيس الأكاديمية العربية الإفريقية للدراسات دكتور عادل الذيب مشروع إنشاء مبان جديدة بديلة عن المباني المتهالكة داخل أسوار مستشفى الجمهورية.
وقال دكتور عادل الذيب: “لا يوجد مبنى أثري بمعنى الكلمة، ما عدا السور الذي يعدّ سور الحماية وبقية مبانٍ من أيام الطليان، والمباني متهالكة وتضررت بشكل كبير أيام الحرب، وليس هناك حل إلا الهدم وإعادة الأعمار، والأهم هو ألا تضيع أرض المستشفى، ويجب تشكيل لجان لمراقبة المشروع وهذا الأهم”.
من جهة أخرى يرى أستاذ التاريخ في جامعة بنغازي والمؤرخ فرج نجم، أن أغلب الأماكن التاريخية هدمت وأعيد بناؤها، بما فيها أطهر بقعة على الأرض الكعبة في مكة المكرمة التي هدمت وبنيت أربع مرات.
ويضيف المؤرخ فرج نجم: “أنا ولدت في هذا المستشفى سنة 1964م، وعشت في الصابري طفولتي، وأنا أمر به ذهابًا وعودة، وآخر أطفالي ولد فيه عام 2013م، فالمكان يعني لي كثيرًا”.
وتصريحات المؤرخ فرج نجم تؤيد فكرة بناء المستشفى الذي تجاوز عمره بحسب قوله 100 عام، وأن بناء مستشفى عصري وحديث على أنقاض ما هدمته قوى البغي والظلام هو عين الصواب، وضرورة ملحة لاستمرارية هذا المستشفى.
ودعا المؤرخ فرج نجم إلى بناء المستشفى بصورة عصرية جديدة، تتمتع بتقنيات عالية، تُلبي حاجة المرضى مع الإبقاء على رموز تاريخية تذكر بسيرة واستمرارية هذا الصرح الصحي في هذه البقعة من بنغازي، وإعادة بناء البوابة الشهيرة بـ “فم السور”، وضريح الشهيد الرمز عمر المختار لكي يكتمل جمال المشهد، وأن المستشفى مستمر ولكن في حلة جديدة مزدانة بعبق التاريخ.
بداية البناء
بنيت مستشفى الجمهورية عام 1918 على مساحة قدرت بحوالي 70600 مترًا مربعًا، تحت إشراف الإدارة الإيطالية إبان فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا، حيث كان يسمى بالمستشفى العسكري، وبعد استقلال ليبيا أطلق عليه اسم المستشفى الكبير، وأيضا المستشفى المدني.
وكان المستشفى عبارة عن مبانٍ بلا سور تُحيط به الرمال والأشجار حتى تم بناء السور عام 1957.
وكان المستشفى في تلك الفترة يحتوي على أقسام : الباطنية، النساء والولادة، الجلدية، الأطفال، النفسية، جراحة عامة، مسالك بولية، قسم العزل، قسم الأشعة، قسم الأمراض الصدرية، قسم الأطراف الصناعية، وسكن لأطباء الامتياز الليبيين من داخل بنغازي وخارجها.
كما يعدّ المستشفى في تلك الفترة من أكبر المستشفيات في مدينة بنغازي، بسعة سريرية تقدر بـ 650 سريرًا، منها 100 سرير عناية متخصصة مثل: عناية القلب، العناية الفائقة، عناية الولادة، عناية حديثي الولادة، عناية ما بعد العمليات الجراحية، وهو مستشفى تعليمي خدمي يقدم خدماته للمرضى في تخصصات: أمراض النساء والولادة، حديثي الولادة، الأمراض الباطنية، العنايات المركزة للتخصصات المختلفة، أمراض الجلدية، الأمراض السارية والحميات. (وال- بنغازي) ف ع/ ر ت