بنغازي 26 يوليو 2019 (وال) – قال محافظ المصرف المركزي الأستاذ علي الحبري، أنه بعد 2011، مرت وظيفة محافظ البنك المركزي بعدة مراحل، موضحًا أن المصرف المركزي الليبي مؤسسة مستقلة بموجب المادة “1”، أي ضرورة الخضوع للمُسائلة.
وأضاف في مقابلة له عبر “الفضائية الليبية، أن عدم الخضوع للمُسائلة يعني الإقالة، بغض النظر عن المدة، مُبينًا أنه بعد نجاح مجلس النواب، كان يُفترض أن يتم نقل جميع حسابات المؤتمر الوطني العام، إلى الجسم الجديد باعتباره مُنتخبًا، وأنه وقتها قام بنقل الحسابات المتعلقة من المؤتمر الوطني العام، وهي خمس حسابات، إلى مجلس النواب في طبرق، بموجب توقيعات رسمية، وليس كما قال الصديق الكبير، أنها عملية “قرصنة”.
وتابع أنه عندما تم نقل هذه الحسابات، اشتاط الصديق الكبير غضبًا، واعتبر أن ما حدث غير سليم، وقطع المنظومة عن المنطقة الشرقية، وحاول تعديل الحسابات إلا أنه لم ينجح، موضحًا أن خزائن المصرف تحت الأرض، والمنطقة كانت مليئة بالاشتباكات، ما تسبب في انقطاع الكهرباء عنها لأكثر من سنتين، الأمر الذي تسبب بدوره في انتقال المياه إلى أدنى نقطة في المحيط، وبالتالي تسربت المجاري، لأن المضخطات التي كانت متواجدة بمصرف ليبيا لم تعد قادرة على العمل بسبب غياب الكهرباء، ومازال تأثير ذلك متواجد حتى الآن.
ولفت السيد المحافظ إلى أن آخر تقرير استلمه الشهر الماضي، يؤكد أن هذه النقود ملوثة وتحتوي على بكتيريا حية، قد تضر العاملين أيضًا، مُبينًا أن هذا الأمر لا يحتاج إلى ادعاءات أو تشويه سمعة، وأنه عندما فصحوا عن العملة التالفة، فوجئوا بلجنة العقوبات تتطرق إلى الأمر، باعتبار أن ما حدث مستوى عالي من الإفصاح والشفافية، مؤكدًا أنه حدث تجاوب كبير بعد ذلك، بعدما أفصحوا لهم عن الحقائق بشفافية واضحة.
وبيّن أن الجزء المحلي من العملة لا يوجد أي خلاف عليه، حيث سيتم طباعة بديل له بتكلفة بسيطة، أما العملة الأجنبية فهي لا تصدر من البنك المركزي الليبي، وبالتالي يتم التعامل بشأنها مع البنوك المركزية التي أصدرتها، وأنه إذا تم إرسالها إلى أوروبا قد تنالهم اتهامات بأنهم يرسلوا التلوث والجراثيم، وأن هذا جزء من حرب جرثومية، وإذا تم التصرف فيها في التعامل، قد ينتج عن ذلك خسائر، يتحمل مسؤوليتها بصفته محافظ للبنك المركزي، موضحًا أنه تم الاتفاق على بيعها للقطاع الخاص بالسعر الرسمي، على أن يتولوا تنظيفها.
وأوضح المحافظ، أن ما يهمه هو أنه تخلص من هذه العملة بالسعر الرسمي، ما تسبب في توفير أموال لمصرف ليبيا المركزي، كاشفًا أن سبب طباعة الأموال بشكل رئيسي، هو الضغوط التي طرأت على حاجة ومتطلبات الناس، واستغلال ذلك من أجل رفع درجة الاحتجاج وتأثير ذلك على السلم الاجتماعي، وأن الكمية التي تم إرسالها من شهرأكتوبر 2014م، حتى نهاية 2016م، كانت تبلغ 50 مليون دينار شهريًا، وأن إقليم برقة يفوق تعداد سكانه 2 مليون و100 ألف نسمة، وأن هذا العدد تفوق احتياجاته الـ 50 مليون بأضعاف.
واستطرد أنه حاول بكل الطرق التواصل معهم، من خلال بعض الزملاء المتواجدين في طرابلس، وأنهم كانوا مقتنعين بأن حصة المنطقة الشرقية من الطباعة لا تقل عن 40%، إلا أنهم لم يوفقوا على الإطلاق، وأن آخر دفعة كانت 20 مليون دينار، أي ربما كانت حصة الأسرة في المنطقة الشرقية، لا تتعدى 45 دينار، وبالتالي تم اللجوء للخيار الاستراتيجي باعتباره أنه يملك كافة الأدوات القانونية للإصدار، بما فيها الغطاء القانوني الذي يمثل المادة 36 من القانون، التي تسمح لمحافظ البنك المركزي بإصدار 20% كأذونات خزانة محلية، مؤكدًا أنهم نجحوا في الطباعة وفي تكوين غطاء نقدي، حتى يكون الشكل القانوني متكامل.
وواصل محافظ المصرف المركزي بالبيضاء، أن كافة دول العالم تدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي في الدولة، خاصة في الدول النفطية، وأنه لا يجب التلاعب بأرصدة واحتياطي النقد الأجنبي في الدولة، كما أن العملة الصعبة تُعتبر الأساس في إعادة الإعمار والبناء، والتفريط فيها بهذه السهولة، خطأ جوهري وقاتل، مُعتبرًا ذلك جريمة اقتصادية، موضحًا أن ما حدث هو إعادة الصرف بطريقة تحفظ الاقتصاد والاستقرار الوطني، لأنه لابد من استمرار النقد الأجنبي كاحتياطي نقدي، لأنه يدعم ميزان المدفوعات وسعر الصرف.
وتطرق إلى دورهم في الحرب على الإرهاب، موضحًا أنه جوهري، مُتابعًا: “حرصنا على دفع المرتبات في مواعيدها، حتى لا يتأثر البعض بتأخر المرتبات بجانب الحرب القائمة حاليًا، وكنا عامل إيجابي لدعم القيادة العامة للقوات المسلحة، لأن الحرب على الإرهاب تستوجب توفير كافة الظروف الملائمة لذلك”، مُبينًا أنه بالتطور التاريخي للحرب على الإرهاب كانت نتائجها إيجابية دائمًا، مُتمنيًا أن تكون المعركة الأخيرة لانطلاق الدولة ونشأتها وبداية رؤيتها الحقيقية.
واستطرد أن إعادة الإعمار هي المرحلة الحاسمة في تاريخ ليبيا، وتحتاج إلى أموال ضخمة، وهذا الأمر بحاجة إلى حكومة واحدة، والمؤسسة النقدية في ليبيا، وهي المصرف المركزي، مسؤولة عن النقد الأجنبي واحتياطيات الدولة، وهو المسؤول بشكل أو بآخر كمحفز اقتصادي لعملية إعادة الإعمار، موضحًا أن هذه العملية ستكلف الدولة عشرات المليارات، وبالتالي يجب عدم الاعتماد على النفط فقط في هذا المحور، ويجب الاعتماد على مصادر أخرى، واستخدام الوسائل الحديثة في تمويل البنية التحتية وإعادة الإعمار، مُبينًا أنه لديهم احتياطي أجنبي كافي، وتدفقات منتظمة بقطاع النفط، واستثمارات أجنبية عالية المستوى.
وأكد المحافظ ، أنه عليهم الاتجاه إلى السوق العالمي، من خلال مؤسسة واحدة، وحكومة وطنية ذات أهداف محددة، وقيادة عامة تسيطر على أوضاع البلاد أمنيًا واستراتيجيًا، لأن ذلك سيترتب عليه أن تكون عملية إعادة الإعمار سهل وميُسرة، وأن تكون هناك عناصر من كل أنحاء العالم ترغب في الحصول على جزء من هذه العملية، مُبينًا أن المناطق التي تشهد حروبًا يحدث بها بعض الارتباكات، فلابد أن تحدث عمليات نزوح على سبيل المثال، وأنه عندما يتم تحرير أي منطقة، لابد أن تتم عملية إعادة استقرار للحد الأدنى لمشاهد الحياة اليومية.
وكشف أنهم حاولوا إعادة الاستقرار لمدينة بنغازي، ونجحوا في ضخ عملية مالية سريعة، لبث الطمأنينة لدى الناس، وتم التركيز على النازحين في الجهات العامة كالمدارس، وأن المرحلة الثانية التي يُفترض الاهتمام بها هي عملية الصيانة البسيطة للوحدات، مُبينًا أن عملية إعادة الاستقرار كانت مؤقتة لبث الطمأنينة والأمان لمن تعرضوا لأثر الحرب، وأن لجنة الاستقرار انتقلت حاليًا إلى مدينة درنة، مشيرًا إلى أن المعركة الكبيرة بعد دحر الميليشيات والسيطرة على العاصمة وبدء الدولة الحقيقية، ستكون قوية جدًا وبها مصادر دخل جيدة، يمكن الانطلاق فيها بقوة وبدون تردد في التعويضات والمصالحة الوطنية.
وتابع المحافظ، أن المصارف بشكل عام ضعيفة جدًا في ليبيا، وأن من ضمن العيوب في القطاعات المصرفية الرصينة، تغول الإدارة المالكة على الموظفين حتى إذا كانوا مهنيين.
وأوضح المحافظ ، إلى أن القطاع العام مترهل ويحتاج إلى إعادة تطوير كبيرة جدًا، قائلاً: “لا شك أنه ضعيف، وأن المؤشرات ليست قوية، لكن ليبيا لم تستقر بعد، فمنذ 2014 حتى الآن لا يوجد أي استقرار في القطاع النقدي، وبالتالي عملية الإصلاح والتطوير هي خط موازي طويل لما نسير فيه، ومن ثم ستكون هذه القضية محل اهتمام كبير سواء كانت من إدارة مصرف ليبيا المركزي الموجودة الآن، أو الإدارة القادمة، فلا شك أن القطاع مريض ويحتاج إلى عملية جراحية واسعة ومؤلمة”.
وبيّن محافظ المصرف المركزي، أن القطاع الخاص هو المستقبل، وأن الهوية الاقتصادية للمجتمع عالميًا كنا نجد فيها الرأسمالية والاشتراكية، قائلاً: “الآن لدينا شكل جديد هو اقتصاد السوق الاجتماعي، خاصة وأن لدينا نفط ملك لكل الليبيين، ومن المفترض أن يوفر حياة كريمة لكن النفط في حد ذاته غير كافي لليبيا، فليبيا في مساحتها قارة، وامتدادها الجغرافي من الشرق والغرب والجنوب عميق، وبها إمكانيات هائلة وهي أقاليم اقتصادية قائمة بذاتها، فالنفط خرّب المعادلة وأصبح من في الجنوب يتطلع إلى النفط، ومن في الشرق يتطلع إلى النفط، ومن في الغرب يتطلع إلى النفط، وأصبح الصراع كله نفطي”.
ولفت المحافظ ، إلى أن ليبيا لديها إمكانيات هائلة في كل إقليم اقتصادي، قائلاً: “لا شك أنها تحتاج إلى خطة اقتصادية استراتيجية لتنمية القدرات في كل إقليم، لكن النفط لابد وأن يكون أحد العوامل الرئيسية في تمويل عملية التنمية وتوفير الحياة الكريمة، وبالتالي اقتصاد السوق الاجتماعي هو هوية الاقتصاد القادم من خلال توفير شبكات أمان قوية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل، لأنه بدون استراتيجية واضحة المعالم ستستمر ليبيا من الاستفادة من النفط لكنها ستهمل المستقبل، فجزء من النفط للموجودين حاليًا وينبغي أن يكون هناك جزء للمستقبل”.
وتابع: “في كل دول العالم توجد صناديق للاستدامة تحفظ للأجيال القادمة القدرات الاقتصادية المستقبلية، فكل دول العالم تستفيد من إمكانياتها الاقتصادية المتاحة، ففي ليبيا هناك 20 أو 30 بند بإمكان استغلالها في كل الأقاليم سواء إقليم الغرب، أو الجنوب، أو الشرق، وهذه الأقاليم لابد من دعمها من خلال مصادر تمويل أخرى خارج النفط، لأن النفط في حد ذاته كقيمة غير كافي لتنمية ليبيا، حيث أن الاحتياطيات تصل من 45 إلى 70 سنة، فليبيا تعتبر قارة وتحتاج إلى مصادر تمويل متعددة وهذا هو الهدف الرئيسي للدولة التي ستنطلق لفتح باب من أوسع مصادرها القطاع الخاص حتى يساهم في التنمية بشكل حقيقي ويستدرج الأموال الموجودة في الخارج من خلال الاستثمار الأجنبي”.
وأضاف: “مصرف ليبيا المركزي الآن نتيجة غياب الإمكانيات في النقد الأجنبي، ركزنا على النقد المحلي لعمل استقرار في السيولة، فأصبحنا أعضاء في منظمات الشمل المالي، وهناك تعاون كبير بيننا وبين منظمات الشمول المالي، والذي يعني اتساع دائرة المعرفة المالية لكل الناس، وتمكين كل الناس من فتح حسابات مصرفية للاستفادة من خدماتها، وتطوير الادوات المالية المصرفية التي تخدم المشروعات الكبرى والمتوسطة والتي تحتاج تمويل، وكذلك المبادرات الفردية”.
وأشار المحافظ، إلى أن المرحلة الثانية للتطوير تشمل وضع الإطار النظري والعملي، قائلاً: “هناك وثيقة ستظهر قريبًا من حوالي 200 صفحة وتضم كل عيوب القطاع والدخول في عملية الإصلاح والتطوير، والآن فعّلنا وحدة الاستقرار المالي والتي خرجت في الإطار الدولين وهدفها الرئيسي هو منع الصدمات من أن تؤثر في القطاع الحقيقي والذي يمثله في ليبيا القطاع النفطي، وهذه الحدة تعمل بشكل جيد بالتعاون مع جامعة عمر المختار”.
وتوقع المحافظ، أن يكون لدى ليبيا في 2020م إحاطة كلية بالوضع الاقتصادي النقدي والحقيقي في الدولة، قائلاً: “بالتالي يكون لدينا تخطيط للمستقبل بشكل آمن وقادر على اتخاذ قرار حقيقي وفاعل، وفي إطار التطوير لدينا المعهد المصرفي في الشحات، وهو أحد المعاهد المتميزة في شمال أفريقيا شكلاً ومضمونًا، خاصة وأن البلدية قدمت لنا الأرض مجانًا لأن الهدف نبيل، وفي جميع الأحوال سنبني المعهد عرفانًا وجميلاً بالأرض المجانية، حيث وقعنا مذكرة تفاهم مع المعهد المصري وهو أحد المعاهد المتطورة في الوطن العربي، فالمصريين أصبحوا عضو في لجنة بازل نفسها نتيجة تقدمهم في هذا المجال، لدرجة أن لديهم خبراء في جزئيات بازل وضمتهم لجنة بازل إلى خبرائها”. (وال – بنغازي)