بنغازي 17 أغسطس 2019 (وال) – قال عضو مكتب التطوير والتدريب في جهاز الإمداد الطبي فرع بنغازي، عضو نقابة صيادلة بنغازي، حماد زقم العريبي، أن قضية التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية متشعبة في ليبيا منذ العام 1983 ولم تظهر لها أية حلول حتى تاريخ اليوم.
وأضاف العريبي :” في العام 2013 حضرت اجتماعات عدة تخص إدارة الصيدلة التابعة لوزارة الصحة بخصوص المشكلة نفسها، ولاحظت أن التفكير الأساسي كان كيفية التخلص من الكميات الكبيرة الموجودة من الأدوية المنتهية دون التركيز على وضع خطة شاملة عن سبل القضاء عليها من الأساس والحد من تراكم الأدوية أولاً، حيث كان المتفق عليه آنذاك هو تأجير مخازن تابعة لشركة الإنماء بمبلغ 10 آلاف دينار شهري لتخزين الأدوية منتهية الصلاحية، ووجدنا المبلغ كبيرا ومبالغا فيه الأمر الذي دعانا إلى إلغاء هذا الاتفاق كليا”.
وتابع: “بعد مرور 5 سنوات تماما، اجتمعت المجموعة مع رئيس الهيئة العامة للبيئة سابقا، دكتور فرج المبروك، بالإضافة على عدد من الخبرات الجديدة، وتم عرض الاقتراح الذي ذكرته سابقا، وهو تأجير مخازن لتخزين الأدوية، وعدنا إلى المشكلة نفسها، وعرض أحد الحضور فكرة شراء محرقة تصل تكلفتها بالدينار الليبي آنذاك 100 ألف دينار ليبي وهي قيمة أقل من تكلفة تأجير المخازن”.
كما أشار قائلا:” شركة الخدمات الضمانية الطبية التابعة للضمان الاجتماعي لديها محارق طبية موجودة في مخازنها وهي صناعة ألمانية وبمواصفات عالمية، إلا أنه لم يكتمل مشروعها حتى الآن”، لافتا إلى أنه في إمكان بلدية بنغازي أن تستفيد منها واستغلالها جيدا”.
وقال العريبي: “من بين المقترحات التي عرضت في العام 2013 الاتفاق مع شركة إيطالية متخصصة، وتم تحديد منطقتين في سرت وزوارة لاحتوائهما على تربة نفاذيتها أقل للتخلص من كميات الأدوية التي تراكمت بشكل مخيف، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على أن تكون مدينة بنغازي نقطة تجميع لكامل المنطقة الشرقية، ولكن نظراً لظروف الحرب، اضطررنا إلى تجميع الأدوية وتخزينها كما ذكر سابقا، وكما اجتمعنا في مركز بنغازي الطبي وقتها واقترحت أن يتم جلب محارق بشكل مستعجل ننهي بها الكمية الموجودة لدينا وبعدها نبدأ مع الشركة الإيطالية، كما اقترحت عمل دراسة كبيرة وشاملة بعدم تراكم الأدوية مرة أخرى وتجنب هذه المشاكل مستقبلا.
وأضاف “نتيجة للانفصال السياسي الراهن بين المنطقة الشرقية والغريبة فإن وزارة الصحة في المنطقتين تعد منفصلة، كل وزارة تريد أن تكون القرارات والسيطرة تابعة لها بمعنى أن كل وزارة تريد أن تكون صاحبة القرار بالكامل، ونحن جهاز إمداد طبي فرع بنغازي نتعامل مع الجهتين وهو ليس اعترافا منا بحكومة الوفاق ولكن إداراتنا الفعلية لا تزال في طرابلس، ويوجد تواصل ودي بيننا بحيث إذا تراكمت لدينا أدوية بأنواع معينة نقوم بإرسالها إليهم والعكس”.
وبحسب العريبي فقد بلغت أقصى ميزانية خصصت لجهاز الإمداد الطبي التابع للحكومة المؤقتة 250 مليون دينار، لافتا إلى أن “احتياجات المنطقة الشرقية من الأدوية تقدر بمليار، ويعني ذلك أننا نحتاج 40 % بمعنى 400 مليون، ولكن ما تم تخصيصه 250 مليون فقط في العام 2015 للمنطقة الشرقية وللمناطق الجنوبية والغربية التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة وشرعية الحكومة المؤقتة”.
وقال العريبي:”في الوقت الحالي الأدوية منتهية الصلاحية موجودة في مقر يتبع إدارة الخدمات الصحية في منطقة السيرتي بجانب مقر الهيئة الليبية للإغاثة، وهو مليء بالأدوية المكدسة وبكميات كبيرة جدا، وهناك كميات مخزنة في منطقة قنفوذة وأيضا في مخزن بالقرب من مصنع الصابون في الطريق الساحلي”.
وأشار إلى أن طريقة التخلص من الأدوية المنتهية تكون على مراحل أولها الفرز وبعدها يتم علاجه كيميائيا، أما المواد السائلة فيتم التخلص منها بطرق خاصة وطمرها، كما أشار إلى أن الصيدليات الخاصة ليس لها بشكل رسمي آلية تخلص من الأدوية، إلا أن الذي يحدث هو أن جهاز الحرس البلدي يطلب منهم تسجيل الأدوية منتهية الصلاحية في قوائم ووضعها في مخازنها”.
وأوضح العريبي أن الإشراف على حرق الأدوية منتهية الصلاحية يجب أن يكون بحضور مندوب عن الهيئة العامة للبيئة وأحد أفراد الأمن الداخلي كما كان سابقا، مشيرا بأن هناك محارق خطيرة جدا وتسبب تلوثا في البيئة، وهناك أيضا محارق تسمى (محارق صديقة للبيئة) أي أنها تحمل نسبة أضرار بسيطة جدا.
وبيّن العريبي أن نظام توريد الأدوية في الدولة يشوبه فساد كبير، فشركات التوريد تتفق مع بعض المستشفيات وجهاز الإمداد الطبي على أمر الشراء نفسه، كما أنه لا يتم التوريد دفعة واحدة، بل تنتظر لحين نفاد الكمية وتأتي بالدفعة الثانية، بحيث تصبح الشحنة بين المستشفيات وبين الإمداد الطبي بكميات كبيرة، وهذا هو “السبب الأساسي” في تراكم الأدوية، ومن ثم تنتهي صلاحيتها “” Expired.
وأشار العريبي أن هناك دراسة شاملة أعدها دكتور عبدالفتاح ماضي، في العام 2017، حول تكلفة الأدوية منتهية الصلاحية شملت خمس مستشفيات في مدينة بنغازي، كشفت عن خسائر فادحة من بينها شحنات مخزنة من تطعيمات منتهية الصلاحية تكلفتها 3 مليون دينار.
وأكد العريبي أن المشكلة في أساسها مرتبطة بأوامر الشراء وتحديد الكميات، حيث من المفترض تحديد الكميات عن طريق الصرف اليومي لأصغر شباك في أصغر وحدة تقدم خدمات طبية للمواطن ويصبح الموضوع متسلسلا إلى أن تصل البيانات إلى الإدارة العليا المسؤولة عن توريد كميات الأدوية التي تحتاجها الدولة الليبية.
وكشف أن المستشفيات لا تثق في الدولة وهو ما شكل خللا في آلية احتساب كميات الأدوية التي تحتاج إلى توريدها وتعرضه مع الاحتياج الحقيقي والمنطقي، عدا مشكلة التوريد في الظروف الطارئة والتغاضي عن التوريد الجزئي، كما كشف أن تكلفة توريد الأدوية في العام 2013 بلغت مليارا ومائة مليون دينار ليبي ولا يتم تصنيع أي نوع منها.
وعرض العريبي حدث تفجير أحد مخازن جهاز الإمداد الطبي في منطقة بوعطني في العام 2014 كان يحوي أدوية أورام وأمراض نفسية، كلفت الدولة الليبية خسائر قيمتها 16 مليون دينار، مضيفا بأنه لا توجد آلية للصرف الجيد للأدوية وما يفيد تراكما لكميات الأدوية في صيدليات المرافق الطبية، والتنسيق مع جهاز الإمداد الطبي حتى يتم تجنب هذه المشكلة في السنوات المقبلة.
وفي تصريح سابق، أكد عضو المجلس التسييري ببلدية بنغازي، المسؤول عن ملف البيئة في البلدية، مهندس أحمد الطيرة أنه يوجد منذ مطلع الثمانينات آلاف الأطنان من الأدوية منتهية الصلاحية داخل مخازن جهاز الإمداد الطبي ومخازن الصيدلية المركزية ومخازن المستشفيات، كما يوجد مخلفات للمحاليل التي تنبعث منها الروائح، موجود في مخازن الإدارة الصحية في منطقة السيرتي.
وذكر الطيرة أن ملفا كاملا بخصوص تلك الأدوية استلمته بلدية بنغازي من وزارة الصحة ومن جهازالإمداد الطبي، مؤكدا أن هناك مساعي لإنشاء مكب بيئي وفق الاشتراطات المعتمدة من منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للبيئة وبإشراف الهيئة العامة للبيئة، كما تم تشكيل فريق استشاري بيئي برئاسة دكتور فرج المبروك، ودكتور وليد الهلالي، ومهندس أحمد الطيرة، ودكتور رمضان ساطي، وتم تحديد الإشكاليات.
والتقى مراسل وكالة الأنباء الليبية، ضمن سلسلة التحقيق حول آلية التخلص من النفايات الطبية، مدير إدارة الصيدلة في مركز بنغازي الطبي، دكتورة غادة هدية، التي قالت إن من أسباب تراكم الأدوية منتهية الصلاحية الإعانات التي استقبلها المركز في أحداث ثورة فبراير في العام 2011 من المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية ومن فاعلي الخير ورجال الأعمال، والتبرعات من شركات خاصة.
وأضافت :” جزء كبير من تلك الإعانات كان قد قارب على انتهاء صلاحيته، وقد كانت الأحداث آنذاك تحتم علينا أن نقبل ما يرد إلينا دون أي تردد.
وأشارت هدية: “في العام 2016 ازداد تراكم الأدوية منتهية الصلاحية داخل المخازن المخصصة لها في المركز، وتفاجأنا بتسرب جزء منها داخل الأقسام الطبية، سببه تدخل من جهات أمنية لا تعلم ماهية هذه المخازن مما تسبب لإدارة المركز في ذلك الوقت في الكثير من المشاكل، وتم تدارك الأمر حينها حيث قامت اللجنة الإدارية للمركز آنذاك بتشكيل لجنة برئاستي، ضمت أيضا عضوا من جهاز الحرس البلدي وعضوا من البحث الجنائي وعضوا من الهيئة العامة للبيئة وعدد من الصيادلة، وقمنا بنقل الأدوية إلى مخازن الإمداد الطبي في منطقة “السيرتي”، وهي موجودة حتى تاريخ اليوم إلى حين أن تقوم الجهات المخولة من وزارة الصحة بالتعاون مع جهاز الحرس البلدي ومكتب الإصحاح البيئي بالتخلص منها بالطرق العلمية الصحيحة”.
وأكدت هدية بأنه:”وإلى الآن لا يوجد أي مبادرة للتخلص من تلك الأدوية فهي أكبر مصادر التلوث للبيئة، وعدا عن الأدوية منتهية الصلاحية، فهناك مخلفات أدوية الكيماوي وهي خطيرة، مشيرة بأن آلية التخلص من النفايات الطبية بأنواعها مسؤولية شركة النظافة المتعاقد معها داخل المركز فهي المكلفة بهذا العمل ولكن للأسف لا يتم التعامل معها بطريقة علمية سليمة”.
وتابعت:”حاليا الإجراء المتبع في المركز سحب الأدوية منتهية الصلاحية في جميع الأقسام الطبية وتودع داخل مخزن خاص بكل قسم بعد جردها وترقيمها، كان هناك مبادرة من الإمداد الطبي بحصر و تجميع كل الأصناف منتهية الصلاحية ونقلها للتخلص منها في إحدى المحارق في مدينة سرت ولكن لم يقم أحد بتنفيذها”.
وختمت هدية:”حاليا إدارة المركز تسعى لتشغيل المحرقة الخاصة بالمخلفات الطبية الموجودة داخل المركز، ولأول مرة من تاريخ افتتاح المركز نجد اهتماما من الإدارة بهذا الموضوع الذي سيسهم بشكل كبير في الحفاظ على البيئة وتجنب مشاكل المخلفات الطبية إذا تم التعامل معها بالطرق العلمية المدروسة”. (وال – بنغازي) ف ع/ ع ع