بنغازي 12 أبريل 2020 (وال) _ بعد تسجيل أكثر من حالة مصابة بفايروس “كورونا” في مدينة بنغازي، وقرار تمديد مدة حظر التجول، ضمن الخطة الإحترازية لمواجهة إنتشار الجائحة العالمية، لاحت أجواء محبطة، وردود فعل مشبعة بالخوف والقلق، من جانب المواطن، وإنعكاس وتيرة الأحداث سلبا على نفسيته، الذي نتج عن هذا الوضع الطارئ، إيقاف ممارسة الحياة الطبيعة والتقيد بالتباعد الاجتماعي لتجنب إنتشار العدوى.
الجانب النفسي
و بهذا الشأن _ وكالة الأنباء الليبية _ تحاورت مع الإستشاري النفسي الدكتور أحمد صادق الذي أوضح أنه، من الطبيعي أن يحدث في حالة أي تغيير إجباري في نمط حياة الإنسان أو تقييد لحريته، مشاعر من الخوف والقلق، والتوتر لدى الجميع، ولكن تخف حدة هذا التوتر إجمالا عندما نكون نجحنا في توصيل القناعة للمواطن بأن هذا الإجراء الإحترازي هو لمصلحته.
تابع بأن، “هذا القلق مع معرفة سبب الحظر يضل في معدله المتوقع لدى الناس الأصحاء عقليا، وغير مدمنين على بعض المهدئات، وكذلك غير معتادين على الخروج، والأسر غير معتادة على التجمع”، أما بالنسبة للشباب غير معتادين على البقاء في المنزل فهم يواجهون بعض المشاكل، والمناوشات بين أفراد عائلاتهم ويكون العبء عادة متمركز على الزوجات.
وأكمل: حيث نلاحظ الأزواج والشباب داخل الأسر، أصبحوا متطلبين جدا حتى في أبسط الأشياء المتمثلة في شرب الشاي، والقهوة، وبإصدارهم الأوامر، المتكررة ورغبتهم في تلبية طلباتهم بسرعة، والأمر الذي أحدث مشاكل خاصة من المراهقين، الذين كانوا يبددون في طاقاتهم خارج المنزل، وقلقهم ينعكس بالمناوشات وإفتعال المشاكل مع باقي الأفراد في المنزل.
وحول المخاوف من إرتفاع نسب العنف الأسري ضد الأطفال أوضح الدكتور صادق: في هذه الفترة الحرجة تزداد حالات ضرب بعض الأسر للأطفال، ويزداد العنف اللفظي والجسدي ضد الطرف الأضعف في الأسرة، وهم الأطفال والبنات والزوجات، وكأن الغضب ورفض الضغط المفروض على رب الأسرة يقوم بإسقاطه على أفرادها.
و ذكر الصادق، بأن المشاحنات بين الأبناء الذكور وخاصة الذين تكون أعمارهم مقاربة لبعض تزداد، لكن كل هذه التوترات تكون أقل لدى الأسر المتعودة على الإحترام المتبادل، والتي تحافظ على الجلوس مع بعضهم والنقاش وتبادل المشاكل بهدوء.
ولفت الإستشاري النفسي إلى أن الناس أدركوا ضرورة التعايش مع وضع الحظر والتباعد الاجتماعي لما به من مصلحة للجميع، ولكن يبقى الشباب المراهق، والأزواج غير معتادي على صراخ الأطفال وإزعاجهم، والأشخاص الذين يتعاطون المواد المهدئة، والمخدرات، الخمر، هؤلاء يشكلون خطرا جسيما على أسرهم، وزوجاتهم، وأطفالهم، ويعتبر معدل خطورتهم في ازدياد يومي، واحتماليات الخطورة تصل إلى العنف الجسدي مرتفعة إلى حد حدوث جرائم.
وأكد بأن هذه الأمور ودرجة القلق تضل في حدودها المتوقعة، وضرورة أن تكون مصحوبة بالصبر حتى تمضي المرحلة على سلام.
وأشار الدكتور الصادق، بأن التوعية والتثقيف الصحي والدعم النفسي والترشيد الأسري تلعب دورا مهما في تنبيه الأباء والأبناء الى هذه الإنعكاسات ومردوداتها، وهذا الأمر شبه مفقود في إعلامنا.
ولفت الدكتور النفسي، بالإنتباه أثناء التعامل مع الأطفال، حتى لا يكونوا في مواجه مع الخطر، من ناحية الضرب والعنف الذي قد يتعرضون له.
وحذر الاستشاري النفسي الدكتور أحمد الصادق، من آثار الحديث عن “الكورونا”، بالشكل المخيف أمامهم وأنه شيء يقتل في الناس، فيتكون لدى الطفل مفهوم وبأن هناك شبح موجود ويقتل الناس، فيصاب الأطفال بالفزع الليلي، الذي ينتج عنه عدة ردات فعل وكالتبول اللإرادي، ومشاكل آخرى من جراء القلق، فيجب التعامل معهم بحذر وخلق جو ممتع لهم وعدم الحديث أمامهم عن هذه الجائحة، فالحديث أمامهم عن أي شيء خطير، لا يفيدهم إنما يضرهم، بينما من الأفضل أن نحميهم دونما أن يعلموا بأن هناك أمر طارئ يقتل الناس، فمردود هذا الرعب على نفسيتهم أخطر من تأثير “الكورونا” نفسها عليهم.
جانب التنمية البشرية
و من جانب التنمية البشرية، تحاورت _وكالة الأنباء الليبية_ مع مدرب التنمية البشرية الأستاذ سليمان العقوري والذي أوضح بأنه هذا الوضع الحالي غير العادي به الكثير من الضغوط والتوتر والتفكير والأرق، وخوف كبير لدى الجمهور، وهو الأمر الذي يعتبر ردة فعل طبيعية للإنسان في مثل هذه الحالة الطارئة.
وأكد العقوري،”هذا الوضع غير الطبيعي في هذه الحالة غير قابل للتوجيه، بمعني لا حد سيتقبل أن يتم توجيهه وأن يملأ عليه ما يجب فعله، على سبيل المثال كأن نقول للفرد إذهب وألعب أو أقرأ كتاب، في تأكيد منه على أن هذا الوقت ليس وقت توجيه، أبدا إنما وقت مناسب للتأهيل، وإتزان الحالة النفسية للإنسان، والتي لها أهل إختصاص من علماء النفس، والذين يقع على عاتقهم الأن أن يستلموا زمام الأمور وأن يقوموا بدورهم لتوصيل رسالة هذا الإتزان وما هو معناه.
وأوضح الأستاذ سليمان،” أن الإتزان من جانب التنمية البشرية، هو التوازن ما بين العقل والروح والجسد والعاطفة، فالعقل يفكر الأن في الإصابات وغيرها، والجسد مرهق من التفكير والتوتر، أما العاطفة التي يلعب فيها الجانب النفسي دورا كبيرا، حيث أنه ما يحتاجه الشخص الأن، متمثل في شيء بسيط جدا، وهو ممارسة أي شيء يحبه الفرد بشكل شخصي مهما كان الشي عادية أو بسيطة بدون توجيه مسبق، فهذا هو الوقت المناسب للممارسة هذه النشاطات لكي تحقق الاتزان النفسي.
تابع العقوري: ” الشي الثاني والمهم جدا هو الإبتعاد كل البعد والتقليل قدر الإمكان من مشاهدة الأخبار والقنوات التي تتحدث عن المرض بشكل مستمر ومفصل، فبإمكان الشخص المهتم تخصيص وقت معين للإطلاع على أخر مستجدات المرض، لأهمية هذه الخطوة، وعدم المبالغة في تقصي الأخبار ومتابعتهن.
وأشار العقوري، ” يجب على الإنسان أن يؤمن ويتأكد أن أي مصيبة إنما هي إبتلاء من عند الله قول الله عز وجل (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه لراجعون)، لتقوية الجانب الروحي الذي يعد مهما جدا لتحقيق الإتزان النفسي، بطبيعة المؤمن الذي لديه إرتباط وثيق بين الجانب النفسي والروحي، ونفسية الشخص وعلاقته بربه، فدور التنمية البشرية هنا هو العطاء بشكل إيجابي وليس بشكل ساذج عن طريق الأعمال الخيرية نشر اللافتات الإيجابية، وإقتراح عدة أنشطة من شانها تعزيز ثقة الفرد في نفسه ومعرفة كيف تعامل مع الصعوبات من وجهه نظره.
ولفت المدرب سليمان العقوري، بأن الشائعة خطيرة جدا لما لها من تأثير على النفسية، وأن المرض النفسي أشد فتكا من أي مرض أخر على حياة الإنسان، فالأن دور إتزان الحالة النفسية، و التنمية البشرية هي مجموعة تجارب سابقة على أناس خاضوا تجارب معينة فكان لها دور في الوقت الحالي، والذي تمثل في الإيجابية المتزنة، فالدور الأن هو التحفيز الحر المطلق وليس التوجيه الذي قد يسبب للشخص مضعفات عكسية.
وفي ذات السياق ،قال المدرب الدولي الأستاذ محمد سعيد أنه “من الطبيعي أن يشعر الناس بالقلق، جراء التدفق الهائل لأخبار فيروس “كورونا “، والإجراءات الإحترازية المشددة من الحكومة، التي من شأنها الحد من إنتشار المرض، لكن هذه الحالة النفسية قد تصبح خطرا، في حال تحولت إلى فوبيا.
و ذكر مدرب التنمية محمد سعيد وبحسب الكاتبة “ريانون لوسي كاتليت”، فإن الشخص المصاب بقلق من جراء الفيروس يحتاج إلى التوقف لفترة عن تلقي أخبار الفيروس المتواترة على مدار الساعة، وبما أن الإنسان يحتاج إلى المعلومة، فبإمكانه أن يطلب من أصدقائه أو أهله أن يحيطوه علما في حال كان ثمة إجراء مهم للغاية يعنيه بشكل مباشر، أي مثل صدور قرار ذي صلة بالعدوى في البلد الذي يعيش فيه.
ولفت سعيد للسيطرة على القلق، يجب التوقف عن طلب الدعم النفسي من المقربين في كل حين، حتى تتأكد بأن الأمور على ما يرام، لأن هذا السلوك سيوقعك في دوامة شبيهة بالوسواس، “وحينما تعاني هذا القلق، فمن الأفضل ألا تلجأ إلى محرك البحث” غوغل “لأنه من المحتمل أن المعلومات التي ستحصل عليها، قد تكون من مواقع غير متخصصة وغير موثوقة “.
وينصح المدرب الدولي، بالإبتعاد عن الأفكار السلبية، كأن تفكر في أن أفراد عائلتك قد يرحلون عن هذه الحياة بسبب الفيروس، في حين يمكنك أن تتحلى بجرعة تفاؤل وتتذكر أن مصابين كثيرين يتماثلون للشفاء، حتى إذا أصيبوا بالفيروس.
وأشار إلى أنه “يجدر بمن ينتابه هذا القلق، أن يتذكر أن هذه الفترة الحرجة مؤقتة وزائلة، أي أنها لن تدوم طويلا، لأن البشرية سبق لها أن إجتازت محطات أشد وطأة فيما مضى،
علاوة على أنه لا يمكن التنبؤ بحالة هذا الفايروس ونشاطه ومدة إستمرار الوضع في التطور، فلابد لنا من أن نركز على ما يمكننا التحكم فيه.
وأوضح مدرب التنمية البشرية بأنه من أعراض القلق النفسي الذي يسببه فيروس “كورونا “، أن الإنسان يمر بمجموعة من المشاعر والأعراض الناتجة عن الخوف هي: (صعوبة النوم وصعوبة في التركيز، والغضب والقلق والذعر)، وأن تكون شديد الحساسية بشأن صحتك وجسدك، وتصاعد مشاعر الذعر والخوف من السعال أو المرض.
وأضاف المدرب الدولي، أنه من المهم محاولة الحفاظ على الجدول زمني لحياتك، فالروتين يجعل معظم الناس وخاصة الأطفال يشعرون بالأمان، حاول الحفاظ على أوقات نومك، ووجباتك العادية، والتركيز على الأنشطة التي تجعلك تشعر بالسعادة، مثل قراءة كتاب، أو مشاهدة برنامجك المفضل، أو ممارسة بعض الألعاب مع عائلتك، أو يمكنك المشي في مكان مفتوح وبعيدا عن التجمعات.
وأكد الأستاذ محمد سعيد، بالرغم من إعتبار مواقع التواصل الاجتماعي جانبا مهما وأساسيا في الحصول على المعلومات، ولكنها تشكل عاملا مهم من عوامل زيادة الإحباط، والتوتر، والقلق، والاكتئاب، لذلك أنصح بالحد من إستخدامها في أوقات الأزمات، وإستبدالها بالتواصل المباشر مع الأبناء والعائلة.
وحول الإجهاد واليقظة المفرطة لتتبع الأخبار بهوس، أوضح سعيد، بأن هذا الأمر يزيد من تردي الوضع النفسي للأشخاص، ما يـزيد من بعض الاضطرابات النفسية والتي منها فوبيا الفيروس، أو وسواس النظافة، والعزلة وغيرها، لذلك من الضروري الإهتمام بفترات كافية من النوم، والإعتناء بالذات، والتعامل مع موضوع النظافة كمنهاج حياة، وليس ردة فعل لحدث معين، وتذكر أن أفراد العائلة وخصوصا الأطفال يأخذون الحصانة والمناعة النفسية من البالغين المهمين في حياتهم، لذلك لا تبالغ في التعبير عن الخوف، فتصيب الجميع بالذعر، وبالتالي لا تقلل من قيمة الأحداث، فتصيبهم بالبلادة وكن إيجابيا لأن إيجابيك ستنعكس على الجميع”.
وحول التعامل مع الأطفال، قال الأستاذ محمد سعيد، بأنه يجب على رب الأسرة تقديم الحقائق والشرح المبسط لما يحدث وبأسلوب يتناسب مع درجة إستيعابهم، وإعطاء أمثلة بكلمات مفهومة وإستغلال الحدث للتأكيد على بعض الجوانب الدينية مثل: الإهتمام بالنظافة، وحفظ الأدعية المأثورة، واستقبال هذا الإبتلاء الذي يحدث في العالم بروح معنوية
عالية، ولا تقلق واستعن بالصبر والصلاة وتوكل على الله، و إجعل الطمأنينة زادك فإنما هو أمر وسيمضي وإنما هي غمامة وستمر.
ودعا علماء النفس لرسم خطة وطنية لمواجهة الآثار النفسية لفيروس “كورونا” بمشاركة كافة الهيئات والمؤسسات التي تعنى بالشؤون النفسية ورسم برامج ومبادرات خالقة لتقديم الدعم والإرشاد النفسي للمواطنين، وخاصة الحالات المتضررة بشكل مباشر من الفيروس.
فيما شدد، إلى إطلاق مبادرات وفعاليات اجتماعية نفسية، تساهم فيها الجهات المختصة وخبراء مختصون في هذا المجال لتقديم الخدمة لكافة المواطنين، وإستعمال مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل التوعية حول كيفية التعامل مع المصابين من قبل المحيطين بهم، وكذلك تقديم الإرشاد النفسي للمحيطين بالمرضى والعمل وبكافة الوسائل المتاحة من اجل التخلص من الآثار النفسية السلبية على المجتمع نتيجة هذا الوباء.
وختم مدرب التنمية البشرية الأستاذ محمد سعيد حديثه قائلا:” ندعو الجميع إلى عدم الخوف، والهلع، والنظر إلى المصابين بعين الرحمة، والمحبة، إستنادا على قيمنا الروحية، والأخلاقية، والإنسانية، فلا يجوز أن ينظر إلى المرضى وكأنهم أناس منبوذون، والتعامل معهم بقسوة، وبسلوك غير أخلاقي وغير إنساني، بل يجب الاهتمام والمتابعة النفسية لهم وللمحيطين به، و يجب أن تتضافر الجهود في هذه المرحلة في خدمة مجتمعنا والوطن والشعب لكي نخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر.
الجانب الديني
وحول إنتشار الطاقة السلبية والتشاؤم السائد في المشهد الليبي، قال عضو اللجنة العليا للشؤون الإسلامية الشيخ إبراهيم بالأشهر_ لوكالة الأنباء الليبية_ التطير هو التشاؤم بشيء مرئي، أو مسموع، أو معلوم، كالتشاؤم ببعض الأيام أو الشهور أو التشاؤم ببعض الحوادث التي تحصل، فإذا رأى أو سمع شيئا تطير وتشاءم منه وهذا لا يجوز، وهو منافي للتوحيد لأن المتطير قطع توكله على الله، واعتمد على غيره مثل ما نشاهده في ظل هذه الأزمة من بعض الناس، تجد المؤمن منهم يتشاءم إذا ما سمع عن حالة وأو إصابة وقعت فيحصل له الهلع والفزع في نفسه، وهذا لا ينبغي بل عليه أن يتوكل على الله، ويأخذ بالأسباب ويعلم أن الامور تجري بقدر الله، وكذلك التطير هو تعلق بأمر لا حقيقة له بل وهم وتخييل.
وأكمل: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا عدوى ولا طيرة) متفق عليه، و عن أنس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل قال الكلمة الطيبة) متفق عليه، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبني الفأل: أي يسرني لما فيه من إدخال السرور على النفس والانبساط، ولأن الفأل الحسن ظن بالله، أن يرفع البلاء ويزيل الوباء فيتفاءل المسلم، مهما عظم الأمر وأشتد الكرب، وأن يعلم أن الفرج قريب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (وأعلم أن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا). (وال _ بنغازي)