من: فاتح منّاع
بنغازي 8 أغسطس 2020 (وال) – ستون عاماً مرت على تاريخ إعلان استقلال لييبا، لم تتخذ خلالها البلاد، نمطاً سياسياً أو اقتصادياً، أو حتى قواعد يمكن أن تتأسس عليها كدولة حقّقت ما يمكن أن يُوصف عبر الأجيال القادمة بالإشادة والثناء .
فما بين الحكم الملكي الذي لم يُكتب له المضي لعقدين كاملين، وحكم القذافي الذي اكتنفه الشذوذ في محاكاته للنظم السياسية التي ضمنت لدول عدّة استقراراً طوال القرنين التاسع عشر والعشرون .
وبعد الإطاحة بنظام القذافي، دخلت البلاد في دوامة من الصراعات، وتوقفت الكثير من مشروعات البنى التحتية، إضافة إلى الخسائر التي تكبدتها في الأرواح والاقتصاد العام .
معالم الوضع الاقتصادي الليبي غير ثابتة، والأصعب هو محاولة لملمة الشتات الذي خلّفته الانظمة السياسية طوال تلك الأعوام المنصرمة، إلى جانب الصعوبات التي تواجه السلطات المحلية في تحقيق الاستقرار الذي يطمح إليه المواطنين في العيش الكريم لهم وللأجيال المقبلة .
وفي خضم ذلك كله، ليس في الإمكان تجاهل حقائق تم التغاضي عنها وتناسيها من قبل المواطنين، وهي تقديم الدولة تسهيلات ضخمة وتكفلها خلال 6 عهود بتحمل أعباء كبرى وكف كاهل المواطنين عن حملها حتى تاريخ صياغة هذا التقرير .
الدولة الليبية تكلفت بدعم دقيق الخبز والسلع التموينية والمحروقات وفاتورة الكهرباء ومياه الشرب وفي مجانية العلاج وصرف الأدوية في الداخل، وفي خلال ما يُقارب عن 10 سنوات الأخيرة، تم إعفاء سائق المركبات من تسديد قيمة استخدام الطريق .
محطتنا الأولى، وبحكم الاختصاص كانت عند مقر وزارة الاقتصاد بالحكومة الليبية، الحالي في منطقة قاريونس بمدينة بنغازي، والإلتقاء مع مدير إدارة التجارة الداخلية بوزارة الاقتصاد بالحكومة الليبية، مرعي مراجع الدرسي .
الدرسي قال في مطلع حديثه أن :”وزارة الاقتصاد تمارس الوظائف المناطة بها حسب ما أحيط بها من الواجبات الواردة في الهيكل التنظيمي بقرار مجلس الوزارء رقم 368 لعام 2013، وهي تكاد تكون نفس الوظائف النمطية التي وردت في هيكل التنظيم الداخلي لوزارة الاقتصاد منذ عدة عقود” .
وأضاف:”نحن باشرنا أعمالنا بمدينة البيضاء بعد قدوم الوزارة من مدينة طرابلس نتيجة الاحداث التي شهدتها المدينة 2014، ولا يخفى على الجميع، الظروف التي شهدتها البلاد من انقسام سياسي واقتصادي ومؤسسي جعلت من الصعب ممارسة الوزارات والمؤسسات للوظائف المناطة بها على الوجه الأكمل” .
وأوضح الدرسي:”نحرص على تأدية المهام المناطة بنا في ضوء الموارد المتاحة لدينا، ومنذ قدومنا إلى مدينة البيضاء، حاولنا بالدرجة الأولى أن نركز على الأهم قبل المهم، وكانت الأولوية هي الحفاظ على سياسة الدعم السلعي التي كانت مطبقة في الاقتصاد الليبي، رغم قناعتنا التامة أن نظام الدعم تشوبه مجموعة عيوب وتشوهات، وفي عدة دراسات اقتصادية سابقة كان الاتجاه نحو الدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني” .
وتابع الدرسي:”كان من المقرر أيضاً أنه في حالة ما أجيز الدعم السلعي عن طريق الجهة التشريعية للدولة الليبية، أن يصاحب رفع الدعم السلعي إجراءات أخرى من شأنها أن تكفل للمواطنين موضوع الدعم العيني عن طريق إنشاء جهاز آخر يتولى صرف قيمة ما يتم تقديره من دعم نقدي للأسر والأفراد الليبيين على فترات ربع ونصف سنوية” .
“الدرسي”، أكّد من خلال تصريحه، أن لكن خطة سياسة الدعم النقدي، لم تنل النور رغم إحالتها إلى المؤتمر الوطني العام في 2012 تقريباً، وأن هذا الأمر جعلهم كوزارة يستمرون في سياسة الدعم السلعي والحفاظ على تطبيق هذه الخطة حتى إشعار آخر، لافتاً إلى ما عانته الحكومة الليبية من عملية قلة الموارد في عام 2014، وأن كل تمويلاتها عبارة عن دين عام اقتراض من المصارف التجارية .
كما أكّد، أنه لم تَحُل للحكومة الليبية في مدينة البيضاء أية إيرادات من مبيعات النفط، منذ بداية مجيئها لمدينة البيضاء وحتى هذه اللحظة، وأنه كان لزاماً على الحكومة الليبية ووزارة الاقتصاد، تحمّل مسؤولياتهما بتوفير السلع التموينية عن طريق التمويل بالإقتراض من المصارف التجارية، وإضافة هذه المبالغ إلى الدين العام الليبي .
وأورد الدرسي:”حافظنا منذ العام 2014، على صرف دقيق المخابز، على اعتبار أن رغيف الخبز سلعة أساسية مهمة جداً للمواطن، وتعرّف وفقاً للعرف الاقتصادي بمفهوم بسلعة للأمن القومي، واجتهدنا بتوفير هذه السلعة بسعر مناسب، وحددنا سعر بيع كيس الدقيق وزن 50 جرام، للمخابز بقيمة قدرها 17.5 دينار، بموجب قرار من السيّد وزير الاقتصاد”.
وأضاف:”تم التعميم وفقاً لهذا القرار بأن يكون سعر 10 أرغفة خبز بدينار واحد، وأن يكون وزن الرغيف 120 غرام، وعمّمنا القرار على الجهات الضبطية وجهاز الحرس البلدي، ومتابعة توفير هذه السلعة مع مراعاة الوزن والسعر المناسب، وحتى تاريخ هذه اللحظة لازلنا محافظين على نفس القرار” .
وقال الدرسي:”نساهم كوزارة اقتصاد في تغطية جزء كبير جداً من الطلب المحلي من سلعة الدقيق تحديداً، ومع إحاطتنا الكاملة بالظروف التي تعاني منها الدولة الليبية والمواطن، حرصنا على توفير السلعة على مدار 6 سنوات سابقة وعلى دفعات توزع كل 45 يوماً، وبذلك خفّفنا العبء على الخزانة العامة، حيث كانت المنطقة الشرقية في السابق تستهلك على مدى العام الواحد ما يعادل 500 ألف طن من سلعة الدقيق، أي شهرياً ما يعادل 40 ألف طن ” .
وتابع:”أنجزنا سياسات تصحيحية وتعاونا مع عدد من الجهات الأمنية، كي نخفّف من استهلاك المنطقة الشرقية منذ العام 2016 وإلى هذا العام، من 500 ألف طن إلى حوالي 180 ألف طن، ووفّرنا أكثر من 50% من الهدر في توزيع سلعة الدقيق”، مؤكداً الاستقرار في الوضع الحالي بعد تطبيق تلك السياسات، وملاحظة توفر مادة الخبز دون أي انقطاع .
وأشار مدير إدارة التجارة الداخلية بوزارة الاقتصاد، إلى أن الدولة مازالت ملتزمة بدعم لدقيق المخابز ورغيف الخبز، وإلى الفرق الشاسع حسب قوله، في تكلفة شراء كيس الدقيق وزن 50 كيلو جرام البالغة ما بين 75 -80 دينار والذي يُضاف إلى الدين العام، لافتاً إلى مساعي الوزارة في إعادة النظر في تعديل قيمة بيع الدقيق على هذا المنوال، نظراً لعدم إمكانية توفير الدعم بسبب أن المصارف لن تستطيع أن توفر القدرة على إمداد الحكومة بالأموال “الجهة المقرضة” .
وعرّج الدرسي إلى تاريخ ساسية الدعم للدولة الليبية والذي بدأ منذ العام 1971 وحتى تاريخه بنسب مختلفة، بعد إنشاء المؤسسة الوطنية للسلع التموينية بموجب قرار رقم 68/71، أُوكلت إليها مهام توفير السلع التموينية الأساسية “زيت الطهو، السكر، الأرز، طماطم معجون، دقيق” بأسعار رمزية، و التي كانت الدولة تشتري السلع بمبالغ كبيرة من الدول الاوروبية و بيعها بأسعار رمزية لمواطنيها .
وأكد الدرسي، مواصلة وزارة الاقتصاد دعم السلعة، وتوفيرها للجمعيات من العام 2014 وحتى هذه اللحظة، حيث قامت بتوزيع دفعة العام 2020 قبل شهر رمضان الماضي، كما قامت بتحديد حصة الفرد، وتوزيع الدفعة الثانية للجمعيات، كما أكد أن مخزون متوفر، ويكفي لسد الحاجات لثلاث أشهر، وأنه من المتوقع أن تكون هناك توريدات خلال الفترة القادمة .
ووقع في العام 2008 تغيير لأسم المؤسسة الوطنية للسلعة التموينية، وأصبحت تُعرف ب”صندوق موازنة الأسعار”، بحسب الدرسي، والذي أشار إلى أسعار البيع السلع الواردة بقرار السيد الوزير رقم 7 لسنة 2018، والتي تُباع إلى الجمعيات الاستهلاكية، والتي تُباع من الجمعيات إلى المستهلكين، كالتالي: سعر كيلو السكر من الجمعية للمستهلك 1.5 دينار وسعر كيلو الأرز 1.75 دينار وسعر علبة زيت الذرة دينارين وستون درهم وسعر علبة الطماطم وزن 40 غرام 0.75، لافتاً أن هذه الأسعار مدعومة من الحكومة الليبية، ولا تُقارم بأسعار البيع في المحلات التجارية.
وبيّن الدرسي أن هنالك صعوبةً تواجه الوزارة تتمثل في مصادر التموين نفسها، بسبب مرور الاقتصاد الليبي بمجموعة اضطرابات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وانقسام مؤسسي منذ العام 2014 وحتى تاريخ اليوم، وأن الحكومة الليبية لم تتلق أي مورد مالي من إيرادات مبيعات النفط، إلى جانب عدم خضوع المصرف المركزي لسيطرة مجلس النواب والحكومة الليبية وعدم استجابته وتعاونه .
كما أشار الدرسي إلى المعوقات التي واجهتها وزارة الاقتصاد، من بينها فرق الأسعار ما بين السداد نقدي أو السداد عن طريق الصكوك المصرفية، وإلى العقود المبرمة سابقاً مع شركات المطاحن عن طريق الإدارة العامة لصندوق موازنة الأسعار في طرابلس، واضطرار الوزارة إلى إنشاء فرع للصندوق في المنطقة الشرقية، وإلى مطالبات شركات المطاحن بسداد مستحقاتها المالية تجاه التوريدات خلال العام 2015 .
ووجّه الدرسي، شكره لعدد من لموردي السلع التموينية الذين وصفهم ب”الوطنيين”، وقبولهم للتعاقد باشتراطات ترضي جميع الأطراف، موضحاً بأن سلطة اختصاص وزارة الاقتصاد تمتد من بلدية سرت والجفرة غرباً وحتى بلدية امساعد شرقاً وكامل بلديات الجنوب، وأن صندوق موازنة الأسعار يغطي احتياجات 2 مليون و400 ألف مساهم، إلى جانب تعامله مع عدد 2100 جمعية استهلاكية وعدد 1600 مخبز . (وال – بنغازي) ف م