التقاها/ فاتح مناع
بنغازي 8 أغسطس 2020 (وال) – “أيام قليلة تفصلني عن الدخول في حجر إجباري لمدة أسبوعين متتاليين، سأبقى خلالها حبيسة غرفتي في الدور الخامس من برج الأمل، وذلك قبل أن أعود إلى سابق عملي وأنا مطمئنة البال”، بهذا افتتحت طبيبة مكافحة العدوى بمركز بنغازي الطبي، “رويدا”، حديثها قبل أن تتطرق إلى تفاصيل أكثر حول طبيعة عملها خلال فترة الجائحة .
في ثاني أيام عيد الأضحى، خضعت “رويدا أحسونة” للعمل ضمن جدول المناوبة داخل برج الأمل في المركزالطبي، وفقاً لكونها اختصاصي مكافحة عدوى، ويتمثل عملها الذي يتواصل من الساعة 8 صباحاً وحتى الثانية ظهراً، في تطبيق الإجراءات القياسية داخل قسم حالات الاشتباه، وهي الحالات التي أُجبرت على المكوث داخل البرج مدة 14 يوماً متتالية.
تقول، أحسونة:”بدأ مشوار مكافحة فيروس كورونا في تاريخ 17 مارس الماضي، وخروج الناطق الرسمي للجنة الطبية اللاستشارية، دكتور أحمد الحاسي في تصريح متلفز، شدّد خلاله على خطورة الوضع وأهمية الحظر، وتم تأسيس غرفة للفحص الأولي من قبل اللجنة العلمية الاستشارية تتكون من فريق الفلترة تولاه طاقم اختصاصيي مكافحة العدوى، وفريق العزل تكوّن من أطباء باطنة، وفريق الاستجابة السريع تكوّن من أطباء مكافحة العدى وأطباء باطنة وغالبية الفريق تشكّل من فنيي مختبرات طبية” .
باشرت “أحسونة”في تطبيق جدول مناوبتها أيضاً في وحدة العناية المركزة وفي قسم العزل، ذلك لأهمية تواجد اختصاصيي المكافحة داخل تلك الأقسام على مدار 24 ساعة، وتؤكد “أحسونة” أن العمل في البرج كان اختيارياً ولم يكن اجبارياً كما يُشاع.
وتصف لنا “أحسونة”، آلية عمل اختصاصي مكافحة العدوى داخل قسم العزل الذي يتواجد فيه الحالات المصابة بالفيروس، بدءً من نقطة دخول الطبيب أو التمريض أو مساعده أو عامل النظافة، حيث يتوفر غرفة خاصة بإرتداء الملابس الوقائية، والتي تقع داخل المنطقة الآمنة، ويقوم الاختصاصي بتوجيه العناصر الطبية والطبية المساعدة بطريقة ارتداء الملابس الوقائية يسبقه غمر اليدين بالكحول الطبي ثم ارتداء الزي الوقائي وارتداء الكمامة وواقي الوجه، ويتواصل دوره حتى بعد خروج الطاقم الطبي من المنطقة الآمنة، ودخولهم إلى المنطقة الخطرة، وهي محل إيواء الحالات الموجبة.
“وعلى مدار يوم كامل، هناك مرور صباحي ومسائي وليلي للأطباء في قسم العزل”، تقول “أحسونة” مضيفةً أن هناك مرور جماعي يضم مدير البرج دكتور فادي فرطاس ونائبه دكتور وليد العقوري، واختصاصي مكافحة العدوى والطبيب المناوب والممرض المناوب، لمعرفة شكوى المريض وإعطاء العلاج المناسب بحسب الأعراض .
وتضيف:”اختصاصي مكافحة العدوى يقوم بترشيد الممرض في كيفية إعطاء العلاج للمرضى المصابين، وترشيد الطبيب في كيفية التشخيص السريري وتنبيهه على أخذ المسافة الآمنة ما بينه وبين المريض، وترشيد عامل النظافة في طريقة نظافة الغرفة وآلية تعامله مع محتوياتها، وأنه يجب على الاختصاصي أن يكون في حالة تركيز تام، في كل مراحل تعامل العناصر الطبية مع الحالات المصابة داخل وحدة العناية المركزة .
إلى جانب ذلك، نوّهت “أحسونة” إلى ضرورة التدقيق على مدار 24 ساعة، مشيرةً بأن العمل في وحدة العناية المركزة ببرج الأمل، “مرهق جداً”، إذ يتطلب من اختصاصي مكافحة العدوي أن يرشد الطبيب إلى طريقة إدخال أنبوب جهاز التنفس الصناعي لتزويد المريض بالأكسجين في حالة تعرضه لضيق في التنفس، وتنبيهه بأرتداء الملابس الوقائية بالكامل وارتداء الكمامة “n95″، والدقة في إدخال الأنبوب .
ويقوم اختصاصي مكافحة العدوى، تقول “أحسونة” باتخاذ الإجراءات القياسية المتبعة في تعقيم جهاز التنفس الصناعي، وهو عبارة قطعة حديد محدبة يتم إدخالها في مجرى الهواء للمريض، ومراقبة تطهيرها وتعقيمها من قبل المعاون الصحي، كما يقوم الاختصاصي بترشيد العناصر الطبية بضرورة غمر اليدين بالكحول أثناء تعامله مع كل مريض وآخر، وأن تظل عيناه مفتوحتان على جميع المتواجدين بين جدران الغرفة .
وتنقلنا “أحسونة” للحديث حول، دور اختصاصي مكافحة العدوى، داخل قسم حالات الاشتباه، وتصفه ب”البسيط جداً”، ويُختصر الدور في تنبيه الحالات بضرورة ارتداء كمامات “n66″، والتعامل معهم على أنهم حالات موجبة حتى يتم إثبات العكس، والتنبيه بضرورة غمر أياديهم بالكحول، وعدم الاختلاط مع الحالات المتواجدة في الغرف المجاورة، وترشيد الأطقم الطبية بكيفية غمر اليدين بالكحول وبارتداء الكمامات واللباس الوقائي الأقل حدة، وارتداء القفازات المعقمة مع أخذ المسافات الآمنة .
شاركت طبيب مكافحة العدوى “أحسونة”، في فترة مواجهة وباء كورونا، مع فريق تدريب العناصر الطبية والطبية المساعدة، بإعطاء محاضرات توعوية تثقيفية عن الإجراءات الاحترازية الوقائية لمواجهة الوباء، تمثّلت في الطرق السليمة لغسل اليدين وغمرها بالكحول، وكذلك محاضرات تناولت التسلسل السليم لإرتداء اللباس الوقائي ونزعه، لتجنب تعرض الطبيب أو العامل في قطاع الصحة من الإصابة بالفيروس”، وتحذّر أحسونة من أن:”أي خطوة لا يتم اتباعها بحذافيرها تؤدي إلى الإصابة المباشرة بالفيروس” .
وبيّنت أحسونة أن المحاضرات تناولت أيضاً، الإجراءات الوقائية الواجب إتباعها عند إدخال أنبوب التنفس الصناعي للمصابين بوباء كورونا، وفقاً لتقنية محددة، وطريقة معقّمة لضمان سلامة الطبيب، لأن المسافة التي بين الطبيب وفم المصاب قريبة جداً، فبالتالي وجب الإحتراز والحذرفي هذه المرحلة الحرجة، ومن ضمن المحاضرات، محاضرات حول الإجراءات الوقائية في تركيب القسطرات الوريدية والبولية للمصابين بالفيروس .
تقول أحسونة أن كل شىء له قائمة محدّدة، يتم اتباعها بحذافيرها بحيث نضمن سلامة إدخال القسطرة بطريقة معقّمة، وكذلك:”تناولنا في المحاضرات على أهمية التشديد على اتباع الطرق السليمة في التنظيف والتطهير لبيئة المصاب والمنطقة المحيطة به” .
وتابعت:”الفريق الثاني اللي اشتغلت معاه فريق الفلترة، وهو خاص بفلترة الحالة المشتبه بها من غير المشتبه بها، ويعتبر الركيزة الأساسية لفلترة الحالة حول ما إذا كانت على درجة عالية من الإصابة بالفيروس أم لا، وذلك عن طريق معرفة تاريخ المرض والأعراض والاختلاط بالحالات الموجبة، وتحديد درجة الاختلاط إن كانت من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو غير ذلك، ويعتبر الفريق هو الركيزة الأساسية في تحديد حالات الاشتباه من عدمه” .
وتوضح بإيجاز:”يتم أخذ عينات الدم الخاصة بالأجسام المضادة IGG,IGM، ومن ثم إذا ظهرت النتيجة موجبة وظهرت على المريض أعراض الإصابة، يتم أخذ عينة أنفية بلعومية PCR، لتحديد الإصابة، وإذا كانت النتيجة سالبة نطلب منه التردد علينا والمراجعة بعد 3 أيام، لأن نشاط الفيروس يبدأ بعد مرور 3 أيام إلى 10 أيام فاحتمال أن يكون الفيروس غير نشطاً عند الاختلاط في أول يوم مع حالة مصابة بدرجة عالية” .
وبحسب “أحسونة” فإنه مع احتساب التاريخ المرضي، ووجودأجسام مضادة موجبة مع أعراض، هنا الحالة تسمى عالية الاشتباه، فيتم أخذ عينة بلعومية وإحالتها إلى برج الأمل- البرج الثالث -الخاص بالحالات المشتبه بها، وفي حال ما إذا كانت الأجسام المضادة سالبة نطلب من المريض أن يلتزم بالحجر منزلي لمدة 14 يوماً، وإذا ظهرت عليه الأعراض خلال فترة الحجر نطلب منه التردد علينا بشكل فوري .
وكان ل”رويد أحسونة” مشاركة ثالثة ضمن فريق الرصد والتقصي “الاستجابة السريعة”، وهو من أهم الفرق المتواجدة في غرفة الفلترة وفق قولها، يتكون من اختصاصي مكافحة عدوى وأطباء باطنة وفنيين مختبرات طبية، يتنابون ضمن جداول مختلفة، بحيث يتواجد في كل مناوبة، راصد وهو الذي يستقبل الحالة ويسجل التاريخ المرضي، والساحب وهو الذي يأخذ العينة، وأخيراً المتقصي وهو من يقوم بمعرفة تسلسل اختلاط الحالة .
ولفريق الاستجابة السريع، تؤكد “أحسونة”، القرار الأساسي في تحويل الحالات إلى برج الأمل بحسب درجات الاشتباه، وفور ثبوت إصابة أي حالة بالفيرس، تبعاً لنتائج التحاليل الورادة من معمل كوفيد 19، يأتي دور “المتقصي” الذي يقوم بتتبع أسرة المريض وفقاً لدرجات الاختلاط، ويطلب من الأسرة الحضور إلى قسم الفلترة أو يتواصل بشكل شخصي معهم، والذهاب إلى بيتهم ويستفسر، حول من منهم اختلط بالمصاب ويأخذ منهم عينات من الدم، ويطالبهم بضرورة الالتزام بالحجر المنزلي واتباع الإجراءات الاحترازية في فترة الحجر، كما يقدم لهم مطويات أعدتها اللجنة الطبية الاستشارية بالخصوص تشرح ذلك بالتفصيل .
وتوضح”أحسونة”، آلية الحجر المنزلي، بأن يقوم المريض بعزل نفسه في غرفة واستخدام دورة مياه خاصة به وتنظيف الملابس بعزلها عن باقي ملابس الآخرين، ووضع الأكل في صحون قابلة للرمي، وتقول “أحسونة” أن:”المتقصي” يتتبع ما إذا كان هناك من قام بزيارة الأسرة أو خالط أحد أفرادها، طبعاً طريقة انتقال الفيروس تستغرق تقريباً 15 دقيقة داخل غرفة مغلقة لا يتجدد بداخلها الهواء كما ينتقل الفيروس بالسلام الحار أو باستخدام الادوات الخاصة بالمصاب مثل مشط الشعر أو أداة تقليم الأظافر” .
ويتجاوز عمل فريق الرصد والتقصي على نطاق أوسع خارج أماكن الحجر أو العزل، فهو المناط له أخذ مسحات بلعومية للمصابين بعد تماثلهم للشفاء ومغادرتهم المستشفى، حيث شاركت “أحسونة” مع الفريق، في أخذ مسحات عشوائية في عدد من أحياء مدينة بنغازي، بلغ عدد المسحات تقريبا 600 عينة، بطريقة إحصائية مدروسة من قبل أهل الاختصاص في علم الإحصاء الطبي .
وشغلت طبيب “روديدا أحسونة”، على مدار الأعوام “2014-2015-2016″، منسقاً إدراياً ومهنياً وعلمياً، في إحياء اليوم العالمي لإصحاح اليدين، وألقت محاضرات توعوية سنوية عن الإجراءات القياسية في مكافحة العدوى في العمليات وفي وحدات العناية الفائقة، وعناية الباطنة وعناية القلب، وفي قسم الجراحة وفي المختبرات الطبية في عدد من المرافق الطبية بمدينة بنغازي وضواحيها .
كما شاركت في نشر 20 ورقة علمية في مجلات انجليزية وألمانية وفي مجلات علمية تابعة لمركز cbc مركز الأمراض المعدية وغير المعدية بعد تحصلها على درجة ماجستير في العام 2014، وتقول “كل ما زاد نشرك للأوراق العلمية زاد تدرج الطبيب في السلم العلمي” .
وتضيف:” من أهم الأوراق العلمية اللي نشرتها، دراسة عن مقاومة المضادات الحيوية في وحدة عنايات الجراحة، وهي أحصائية تناولت أنواع المضادات الحيوية التي استجاب لها المرضى والتي لم يستجاب، وكان عليها إقبال عالي من قبل مجلات علمية أخرى وطلبت مني نشرها وهو أمر كان جد رائع بالنسبة إليّ” .
وبصفتها كعضو أساسي في اللجنة العلمية اللجنة التدريبية، شاركت “احسونة “وعلى مدار 5 أعوام متتالية، في برنامج التدريب ICT المعتمد رسمياً من نقابة الصحة العامة والذي أطلقه طبيب “محمد اوحيدة”، والخاص برفع كفاءة العاملين في مجال مكافحة العدوي في القطاع الصحي في ليبيا، وخريجي كلية الطب صحة عامة، والمعتمد من نقابة الصحة العامة.(وال – بنغازي) ف م