القدس 14 سبتمبر 2020 (وال) على مدار 15 عاماً ظل الأسير الفلسطيني حسام شاهين (48 عاماً) يُهرب كتابه الذي يحمل اسم «رسائل إلى قمر – شظايا سيرة» ورقة تلو الأخرى بطرق معقدة وسرية من داخل زنزانته حتى لا يعلم السجان به إلى أن رأى النور مؤخراً وطُبع ووُزع.
ويعد شاهين وهو أديب ومقاوم فلسطيني من مدينة القدس، اعتقل في 28 يناير من عام 2004م وحكم عليه بالسجن 27 سنة؛ واحداً من المئات من الأسرى الذين هربوا إصداراتهم من داخل السجن كي توزع وتُطبع كشكل من أشكال أدب السجون، وحاز عدة جوائز أدبية.
«قمر» التي وجه شاهين رسائله إليها كانت رضيعة حينما اعتقل شاهين من منزل والديها عماد وشيرين الزهيري في حي سلوان في القدس، وكانت آخر من رآه قبل اعتقاله حيث كان يطعمها ويداعبها في خلال فترة غياب والديها للعمل، حيث كان يأوي إلى هذا البيت بعد مطاردته من قبل قوات الاحتلال.
ويقع الكتاب الذي طبعته مؤخراً دار الشروق للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان في 221 صفحة من الحجم الكبير وغلافه عبارة عن صورة لشباك زنزانة تمسك بها أيدي أسير مدلى منها رسالة موجهة إلى قمر وأبناء جيلها. احتوى الكتاب على 75 رسالة وجهها من خلال قمر إلى شخصيات سياسية وحقوقية واجتماعية يعرفها جيداً.
ويقول شاهين في مقدمة كتابه: «لا يوجد قيد واحد على العقل لم يصنعه الإنسان بنفسه، وكلما ازدادت القيود، ازداد الإنسان عزلة، ووقف موقف الدفاع والتصارع مع الآخرين، وكلما قلّت هذه القيود، ازداد الإنسان انفتاحاً، ووقف موقف الندية والتكامل مع الآخرين».
«قمر» الآن أصبحت شابة تبلغ من العمر (18 عاماً)، عبرت عن سعادتها بأن يوجه شاهين هذه الرسائل إليها، مشيرة إلى أنها كانت محظوظة أن شاهين كان يرعاها قبل اعتقاله وكان آخر من رآها وهي رضيعة لا تذكر شيئاً. بحسب حديثها لـصحيفة رؤية الإماراتية .
وقالت: «أن يحمل كتاب تم تهريبه من داخل السجن اسمي فهذا فخر كبير ومسؤولية في الوقت نفسه، فحسام يرى فينا الجيل الصاعد جيل التحرير أتمنى ألا نخيب آماله». وأضافت: «أنا سآخذ بنصائح حسام التي وردت في الكتب من خلال ثنايا الرسائل وسأعمل على نشر هذا الكتاب بين الشباب وأتمنى أن يخرج حسام قريباً ونسمع منه ما فيه بشكل مباشر”
وتقول مديرة مؤسسة مانديلا لحقوق الإنسان ورعاية شؤون الأسرى بثينة دقماق التي كانت واحدة ممن وجه إليهم شاهين رسالة عبر قمر التي وصفها بأنها «الحمامة الزاجلة»: «علاقتي مع الأسرى ليست علاقة محامٍ مع موكله، بل هي أكبر من ذلك فهي علاقة عائلية بامتياز لذلك كان لي تأثير لدى الأسرى ومن بينهم حسام». وأضافت دقماق لـ«الرؤية»: «أنا سعيدة لهذا الوصف الجميل الذي منحني إياه حسام في كتابه وهو (الحمامة الزاجلة)، فهو يرى أنني أستحق الشكر التقدير نتيجة علاقتي مع الأسرى في زيارتهم وتلبية مطالبهم، ولكن هذا واجبي كمحامية أتواصل معهم وأكون حلقة الوصل بينهم وبين عوائلهم لا سيما في فترة منع الزيارات».
وأشارت إلى أنها تقوم بعملها في الدفاع عن الأسرى منذ 25 عاماً وسخرت كل إمكانياتها لخدمة الأسرى وذويهم. وتطرقت دقماق إلى الطريقة المعقدة التي تم خلالها إخراج صفحات الكتاب من داخل السجن حتى طبع.
وقالت: «من سهل أن نقول إن كتاباً خرج من السجن دون أن ندرك كيف تم إخراجه حيث يتم كتابته على ورق شفاف ورفيع جداً ثم يجري طي هذه الورقة بشكل ما وتغليفها بالنايلون كي تصبح كالكبسولة ليبلعها أحد الأسرى المفرج عنهم ليوصلها للشخص المعني باستلامها». وأشارت إلى أنه تم طباعة 1000 نسخة من الكتاب في دار الشروق للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان وصل منها 300 نسخة إلى الضفة الغربية فيما وزعت 700 نسخة في الأردن.
ويقول شاهين في رسالته بخصوص دقماق: «إن ارتباط أم طارق (دقماق) بالأسرى أقرب إلى العلاقة الأسرية منه إلى العلاقة المهنية، فهي كالأم الرؤوم ما تكاد تسمع عن أسير مريض أو مضرب عن الطعام أو آخر قد تم الاعتداء عليه إلا وتهرع مسرعة لمقابلته ومؤازرته والاطمئنان على صحته».
وأضاف: «هي ما زالت كالحمامة الزاجلة تنقل رسائل المحبة بين الأسرى وذويهم ولم يتوقف جناحاها عن الخفقان على مدار ما يربو على 25 عاماً وقد عاشت أوجاع المخضرمين منهم وتأثرت حد المرض».
وكشف الأديب محمود شقير كاتب مقدمة الكتاب ومن نقحه أن هذا الكتاب استمر حسام في كتابته 15 سنة، منذ عام 2005 حتى عام 2020، ويزخر بنماذج بشرية عديدة متميزة لنساء ورجال، وبتأملات فكرية عميقة موجهة إلى قمر وأبناء جيلها.
وقال شقير لـ«الرؤية»: «كانت قمر طفلة صغيرة حينما اعتقل حسام من بيت أبيها وأمها عماد وشرين ثم أخذ على عاتقه أن يكتب هذه الرسائل إلى قمر الطفلة وهي الآن شابة وكان في ذهنه أنه سيكتب إلى جيل المستقبل».
وأضاف: «قمر حينما بدأ حسام يكتب رسائله إليها كانت طفلة لا تعرف القراءة والكتابة ولكنه كان يعي أنه يكتب لها حينما تكبر ويكتب للأجيال الفلسطينية التي يعول عليها حسام كثيراً».
وأكد شقير أن هذا الكتاب كتب في 10 سجون تنقل بينها حسام وعانى فيها ما عانى في إخراجها إلى الخارج وطباعتها، مشيراً إلى أن قيمة هذا الكتاب هو أنه خرج من السجن ويحتوي على آراء ومفاهيم وأفكار أسير أمضى في السجون حتى الآن 17 عاماً وما زال أمامه شوط من السنين ليقطعه حتى يظفر بالحرية.
ومن جهته أكد عبدالناصر فروانة الخبير والمختص في شؤون الأسرى أن هناك مئات الإصدارات خرجت من داخل السجون وهي نتاج عمل المعتقلين سواء روايات أو كتب أو رسائل ماجستير أو مؤلفات.(وال ـ القدس ) ح م