بنغازي 15 أكتوبر 2020(وال)- يكتظ المجتمع الليبي بسلبيات كثيرة، أبرزها لجوء الناس إلى السحرة والمشعوذين، ففي الفترة القصيرة تحركت الجهات الأمنية للتدخل في هذا الموضوع، وأبطلت أعداد كبيرة جدًا من أعمال السحر بالتعاون مع عدة مشايخ .
وكان – لوكالة الأنباء الليبية – جولة طويلة بخصوص هذا الموضوع، فتواصلت مع آمر التحريات والقبض بالبحث الجنائي بمدينة “تاكنس” “عاشور علي” وأفادنا قائلا ” قمنا بحملة تفتيش في مقبرة مدينة “تاكنس” الأسبوعين الماضيين، بمشاركة اتحاد شباب “تاكنس” وكافة الأجهزة الأمنية، تم على أثرها العثور على عدة أعمال للسحر والشعوذة ، وتم التعامل معها من قبل شباب السلف الصالح”.
تاكنس وجهودها في القضاء على السحر والسحرة
وتابع إن هذه الحملة هي الأولى من نوعها ولا زلنا مستمرين في التفتيش والكشف عن مثل هذه الأعمال وبشكل مفاجئ لدواعي أمنية.
وكشف “عاشور” بأن من خلال مصادرنا تم إلقاء القبض على شخص سوداني الجنسية قادم من مدينة “إجدابيا” بحدود نطاق مدينة “تاكنس” وشخص آخر قادم من مدينة بنغازي، وشاب آخر من مدينة “تاكنس.
وطالب ” عاشور” بضرورة التعجيل باعتماد وتطبيق القانون الذي يعاقب الساحر الذي تصل عقوبته حد القتل ، حيث أن العقوبة الحالية المفعلة ضد السحرة هي إدراجهم تحت بند النصب والاحتيال ، وهذا الإجراء ليس رادعا لهذه الفئة ، فنحن لا نأمن شرهم.
وبين ” عاشور” أن أكبر عائق أمام قضية السحر، هو تحكم العرف والعادات والتقاليد فنطالب برفع الغطاء الاجتماعي والقبائلي عن أي ساحر، 90%من مصادرنا المساهمة في إلقاء القبض على السحرة هم من المواطنين.
غياب الرادع القوي
من جهته، قال عضو مجلس إدارة اتحاد شباب “تاكنس” أحمد النعاس، لوكالة الأنباء الليبية_ والمشارك في الحملة: بخصوص مشاركة الاتحاد ” أننا كنا دائما ننادي بمكافحة ظاهرة السحر التي أهلكت الحرث والنسل، ودمرت العديد من البيوت ولكن كنا دائما نصطدم بعدم وجود رادع قوي للساحر أو جريمة السحر في القانون الليبي الذي يصنفها ضمن عمليات النصب والاحتيال وهذا يعد اجحافا كبيرا في حق المتضرر ، الذي قد يرتقي حد الضرر الى ازهاق روحه أو جنونه.”
وأكد “النعاس” على دعمه الكامل لهذه الحملة ويطالب مجلس النواب بأن يحتكم إلى الشريعة الإسلامية، في إقامة الحد على الساحر وندعم مشروع القانون المقدم من هيئة الأوقاف التابعة للحكومة المؤقتة، بخصوص السحر وينادي عبر وكالة الأنباء الليبية، بحد القصاص في ظاهرة القتل العمد الذي أصبح مستشري في المجتمع، وكذلك حد السرقة حتى يكون هناك رادع حقيقي لمكافحة الفساد في الأرض بشتى أشكاله.
الدين والسحر
كان للشيخ “فرحات العمامي ” عضو في اللجنة العليا للإفتاء، جانب آخر يندرج تحت السحر ، وهم من يدعون بأنهم شيوخ روحانيون، حيث قال لوكالة الأنباء الليبية: ” انتشار من يسمون أنفسهم أطباء أو شيوخ روحانيين، فإن التسمية بحد ذاتها لا تجوز لعدم وجود دليل من الكتاب والسنة يثبت هذا الشيء”.
نبه ” العمامي” الناس الذين أصابهم سحر أو مس، من الذين يعالجون الناس باسم الدين ويتخذون من وراء علاجهم أموالا، ويستخدمون أشياء ممنوعة شرعا ، وقال بأنهم سحرة ومشعوذون.
وقال ” العمامي : (فلا يذهب المتضرر إلا لمن يرى فيه خيرا، وأن ينظر إلى طريقة علاج الشخص الذي يعالج،. وبأن يكون مؤمنا صالح يخاف الله).
وتطرق “العمامي” في حديثه عن الوسوسة قائلا : “أن العين حق ،ولابد للإنسان أن يحتاط ،وأن يتخذ الإنسان الحيطة والحذر بالوسائل الشرعية ولكن لا يجوز للإنسان أن يتظنن ويظن في الناس حتى يأخذ ذنب هذا الشخص ،أو كما يقول هذا سحرني أو هذا أصابني بعينه وهذا فيظن به الظنون حتى يبقى أثم هذا الفعل أعظم من سحر أو اغتياب”
وختم “العمامي” قوله :” السحر موجود والعين موجودة، ولكن الله جعل لكل داء دواء فعلى الإنسان أن لا يتخذ طرق علاج محرمة أو وسائل بدائية مخالفة أو الذهاب إلى الناس الذين يدعون ذلك، وهذا لا يجوز شرعا ويعتبر ضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل لابد من المؤمن أن يعرف بأنه في دار اختيار وبلاء وقد يصيبه الله بعدة ابتلاءات فعليه الصبر”
أهمية علم النفس ومنظوره في السحر
وقال الأخصائي والمستشار النفسي الدكتور “أحمد الصادق”، إن الأسباب النفسية التي تدفع الإنسان في مجتمعنا إلى اللجوء أولا إلى العلاج الروحاني والشرعي قبل التأكد من سلامة الشخص نفسيا هي:ـ “أن ثقافة المجتمع تلعب دورا أساسيا في هذا التخلف، حيث أن الثقافة النفسية ودور العاملين في هذا المجال لازال غير مفعل بشكل جيد، وكلما قمنا بنشر الوعي بالثقافة النفسية ومحاربة الخرافة والدجل واستغلال بعض من يسمون أنفسهم بمشايخ للعلاج الروحاني كلما زاد الوعي وإدراك المواطن في مجتمعنا. ”
وقال” الصادق” ” من بين الحالات التي أثرت فيّ، فتاة كانت تعاني من اكتئاب شديد، وتأتيها هلاوس سمعية، ، فقامت أسرتها بعرضها على شيخ و أكد إصابتها بمس شيطاني، وقام بعلاجها بطريقته ولكن دون جدوى ولم يقم ـ للأسف ـ بالاعتراف بعجزه عن علاجها بطريقته و أصر على أنها “ملبوسة بجان” ساءت حالة الفتاة، وقامت بالانتحار وبررّ الشيخ المعالج ، بأن الجان شارك في قتلها.”
وبين “الصادق ” أن انتشار الدجالين الذين يستغلون ثقافة قلة ثقافة المجتمع بترويج تجارتهم وبالتالي فإنهم أزاحوا الناس عن المسار الطبيعي للعلاج، وانتشار العطارين المصابين بالهوس والعظمة وأصبحوا يعتقدون أنهم قادرين على علاج كل الأمراض بما فيها الأمراض النفسية والعقلية.
ووضح “الصادق” بأن الشيخ أو المعالج ربما يحفظ القران أو يحفظ بعض الآيات والصور، ولكنه جاهل تماما بعلوم الطب النفسي ومن هنا فإنه يكون دائما على خطأ ، في تشخيص الحالة لأنه لا يمتلك المعرفة بأمور الطب النفسي ومن ذلك فإنه يشخص من منظور واحد ويجهل تماما علم الطب النفسي.
غياب الثقافة يضيّع المجتمع
يرى “الصادق ” أن ثقافة الطب النفسي ، لازالت غائبة عنا ونسبة الحالات التي يمكن أن يكون علاجها نفسي كثيرا، ولكن للأسف تعامل على أنها سحر ولبس شيطاني و يرجع السبب في غياب ثقافة الطب النفسي، إلى تقصير من العالمين في مجال الطب النفسي حيث أنه يتوجب عليهم نشر الثقافة النفسية على أوسع نطاق.
وبين “الصادق” تقصير الدور الإعلامي حيث قال : “الإعلام هو الوسيلة الوحيدة والأنجح لنشر الثقافة النفسية، فالإعلام غير مهتم كثيرا بهذا المجال ولا يقومون بدعوة أطباء نفسيين وأخصائيين نفسيين لعمل ندوات وحلقات لنشر الوعي، ومحاربة الخرافة والدجل والضحك على عقول البسطاء ،
تحدث ” الصادق ” عن نسبة الحالات التي ممكن أن يكون علاجها الأساسي هو اختصاص الطب النفسي، ولكنها للأسف عوملت على أنها حالات سحر ومس،وهي 99 % أي تقريبا كل الحالات بدون مبالغة .
ختم الحديث “هذا الموضوع يحتاج إلى حلقات وشرح أكثر ليعلم الإنسان علامات الأمراض والمشاكل النفسية وهو دور التثقيف فنشر الثقافة النفسية، هي الحل الوحيد للحد من تفاقم الأمراض والحد من ضحك التجار الدين وتجار العطارة على عقول البسطاء” (وال ـ بنغازي) ف و