21 نوفمبر 2020 (وال) – أضحى انفلات اللسان بالأذى على النساء في السنوات القليلة الماضية، ثقافة أحاطت بأوساط المجتمع الليبي فنجد الكلمات تنطلق في الشوارع والبيوت والمصالح الحكومية، كالصفعات تتفكك المفردات وتتحول الأحرف إلى رصاصات تخترق السمع وتستقر في القلب.
وتعرف منظمة الصحة العالمية العنف بأنه “الاستخدام القصدي أو العمدي للقوة أو السلطة ,أو التهديد ضد الذات أو ضد شخص آخر أو عدد من الأشخاص أو المجتمع بأكمله وقد يترتب علي ذلك أذى أو موت أو إصابة نفسية أو اضطراب في النمو أو حرمان” ومن جهتها تعرف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه “أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”، ويتسع هذان التعريفان للعنف ليشملا جميع أشكال العنف .
وكالة الأنباء الليبية كانت لها جولة في شوارع بنغازي رصدت من خلالها آراء أفراد المجتمع في العنف الممارس ضد المرأة ومشاركة تجارب المعنفات .
كلمات كالرصاص
في رواية إحدى السيدات في بنغازي، ملخص يبرز بشاعة الشعور الذي يمكن أن تشوه به العبارات نفوس القوارير، تقول “آمنة محمد” أنها وأثناء ترددها المعتاد على أحد المصارف لإجراءات السحب، أثناء توزيع السيولة، قذفت بكلمات جارحة من قبل أحد الموظفين في المصرف و الذي سخر من وقوفها لساعات طويلة في الطابور الموسمي، أثناء توزيع السيولة، وذلك لكونها حامل في أشهر متقدمة.
وأوضحت “آمنة” أن الموظف تجرأ عليها بسيل من العبارات، التي وصلت إل حد الشك ،في رجولة زوجها الذي تركها تقف لساعات طويلة منتظرة جزء من أساسيات حقوقها .
تسترسل “آمنة” حديثها مؤكدة أن العنف اللفظي كالعنف الجسدي تماما كلاهما تعبير عن قصور في الفكر و عجز في الحجة و عدم توازن في العقل.
وتابعت” آمنة” أن العنف اللفظي هو علامة عدم كسب الحق و محاولة فرض فكرة وأن السب و الشتم دليل على غضب المعنف، و عدم رضاه على ذاته كونه لا يملك التربية والثقافة كل ما يملكه على حد وصفها رأس فارغ و وابل من الشتائم والعبارات الجارحة
قتلوا شغفها بكلمات
من جانبها صنفت الآنسة “أسمهان المالكي” العنف الذي طالها بعنف المرأة ضد المرأة بمحاباة الرجال ومباركتهم .
وأوضحت “المالكي” أن تجربتها في العنف اللفظي كانت أثناء تجربتها الأولى في مجال العمل بتخصصها .
وتابعت أن العنف النفسي واللفظي الذي تعرضت له من قبل مديرتها كان بدعم من مدرائها الرجال وبينت “المالكي” أنهم بيتوا النية لوضع العراقيل أثناء سير العمل، ويثبطوا من معنويات الموظفين غير المرغوب بهم الأمر الذي أدى بها إلى إنهاء مسيرتها في مجال تخصصها، قبل أن تبدأ.
وأشارت أن لهذه التجربة الشخصية أثر مدوي نفسي على حياتي قررت على إثرها مقاطعة أي عمل في مجال تخصصي، ورفض أي فرص عمل أخرى.
واختتمت “أسمهان” حديثها قائلة، أن الموظف الجديد ليس من الممكن أن يشكل خطرا على الموظف القديم.
العنف في أعين عامة الناس
من جهتها قالت السيدة “ريم محمد” إن دخل العنف اللفظي البيت أو مجال العمل ، غادره الحب والشغف والبركة سريعا، لهذا وجب مراقبة النفس ومحاسبتها والتساؤل الدائم هل نحن مصدرا للعنف والذل والقهر في بيئاتنا المختلفة أم العكس .
في المقابل قالت الآنسة “أسوة المعداني” إن لم تستطع أن تكون مصدر دعم وحب للنساء على الأقل لا تكن جرحا ومصدر ألم لهم ،فالحب والاحترام أساس أي علاقة أو انجاز ، وكلاهما لا يعيشان مع العنف بكافة أشكاله .
وفي ذات السياق أكد “عيسى المنصوري” أن العنف اللفظي ضد المرأة ،هو واحد من أخطر أشكال الموت النفسي البطيء.
وتابع أن العنف اللفظي، بلا أثر مرئي تنمو جذوره في نفسية المرأة، ويقتل شخصيتها وروحها مع مرور الأيام.
وتطرق “أسامة الهوني” إلى شكل آخر من أشكال العنف وهو العنف الأسري أو ما يطلق عليه الإساءة الأسرية.
وأوضح “أسامة” أن استخدام القوة المادية أو المعنوية بشكل عدواني داخل الأسرة، و يكون عادة باستخدام الشتائم و العبارات الجارحة و المقارنات بقصد الإهانة و التقليل من قيمة الأنثى .
ويرى “يوسف إبراهيم” أن العنف هو نقيض الرفق في القول والفعل، ويعتبر العنف اللفظي من أبرز أشكال العنف الممارس ضد المرأة. وتابع أنه عنف بدون وجود علامات ظاهرة أو كدمات مثل ما يحدث في العنف البدني و من الصعوبة تحديد الآثار والجروح النفسية التي يتركها العنف اللفظي خلافا للعنف الجسدي، مما يجعله أشد وطأة و ألما من العنف الجسدي.
تفسير علم النفس للعنف اللفظي
وفي حوار للوكالة الأنباء الليبية مع الطبيب النفسي “منصور فرج الحوتي” بين أن هذا النمط من العنف يكون باللفظ ، فوسيلة العنف هنا الكلام وهو كالعنف البدني من حيث تأثيره على نفسية المعنفة.
وتابع “الحوتي” أن هذا النوع من العنف يهدف إلى التعدي على حقوق المرأة، بإيذائها عن طريق الكلام والألفاظ الغليظة النابية والسباب والشتائم، وغالبا ما يسبق العنف اللفظي العنف الجسدي أو العكس تكون بداية التعنيف لفظية وختامها جسديا .
وأوضح “الحوتي” أن للعنف اللفظي أسبابا متعددة أبرزها، فقد المعنف قدرته على السيطرة على أعصابه ومشاعره، سواء كرد فعل طبيعي تجاه موقف أثاره أو آذى مشاعره، أو أن تكون طبيعة في الشخص.
وأضاف أن المعنف، يعتقد أن العنف هو الوسيلة المثلى لحل مشكلاته مع المرأة أو لاكتساب احترامه من خلاله اخافتها، لكنه لا يعرف أن النتيجة تكون غالبا عكسية وسلبية.
ونوه “الحوتي” أن لثقافة المجتمع والتربّية منذ الصغر الدور الأبرز، في انتشار العنف ضد المرأة حيث تعزز ثقافة المجتمعات العربية تسلط الرجل على المرأة، منذ صغره التي تكون من أهم أسباب تعنيف المرأة عند الكبر فضلا على الضغوطات الاجتماعيّة والمادية التي يتعرض لها الرجل وعدم التكافؤ المعرفي و التّفكك الأسري.
الإسلام يواجه ويتصدى ويحارب هذه الآفة
أجمع أهل العلم ،أن الشريعة الإسلامية، كرمت المرأة ومنحتها كافة حقوقها المشروعة و إن الإسلام قد حفظ للمرأة حقوقها المادية والمعنوية منذ بداية الرسالة المحمدية، وقضى على كافة أشكال التمييز ضدها بعد أن كانت في المجتمعات الجاهلية تعاني من التهميش وضياع الحقوق.
واستند أهل العلم في حديثهم بقول الله سبحانه وتعالى <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ> [النساء: 19].
وأوضح أهل العلم، أن المرأة مكرمة في الشريعة الإسلامية، وقد واجه الإسلام كافة أشكال العنف، الذي يمكن أن تتعرض له المرأة من عنف جسدي أو نفسي أو اجتماعي أو اقتصادي، في الوقت الذي كانت توأد فيه البنات في الجاهلية، خيفة الفقر أو السبي، أو تورث ضمن الميراث بعد وفاة زوجها، وكانت تحرم كذلك من الميراث وغيره من الحقوق الاجتماعية والسياسية، كما أمر الله سبحانه وتعالى الرجال أن يعاشروا نساءهم بالمعروف فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، وهو ما يشمل حسن التعامل والمعاشرة في القول والفعل.
وأشار أهل العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرص على المرأة وصيانة كرامتها بلغ حد أنه قد أوصى بها في أكثر من موضع فقال: «استوصُوا بالنساءِ خيرًا؛ فإنهن عندَكم عَوانٌ، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك»، وقال كذلك: «رفقًا بالقوارير»، بل كانت المرأة حاضرة في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأخيرة، قبيل انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث قال: «أيها النَّاس، اتَّقوا الله في النِّساء، اتقوا الله في النِّساء، أوصيكم بالنساء خيرًا”.
وشدد العلماء على أن الإسلام، لم يسلب المرأة حرية رأيها، بل أعطاها الحق في إبداء رأيها في اختيار شريك حياتها وجعل موافقتها شرطًا لصحة الزواج، وكفل حقها في التعلم والتعليم. (وال – بنغازي)
تقرير:- بشرى العقيلي