23 نوفمبر 2020 (وال) رغم وصول المرأة إلى مراكز قيادية، لكنه مازالت النظرة لها، لم تتغير، وبالرغم أن قضية حرية المرأة، والمطالبة بحقوقها من القضايا المهمة، التي تطرح، إلا أن الدراما في بعض ما تقدمه، مازالت تمارس عليها صور العنف المختلفة، من خلال إهاناتها، أو خنوعها للرجل، أو تقويم دورها، سواء في داخل الأسرة، أو المجتمع.
وتشهد الدراما كما هو معروف تنافسا قويا، في عرض الموضوعات والمشكلات المختلفة، حيث تعرض مئات الأعمال الدرامية بشكل موسمي، متناولة جميع قضايا المجتمع وشرائحه.
وتحتل المرأة حيزا كبيرا في تلك الأعمال، سواء من حيث البطولة، أو المساحة، ومن الملفت للأنظار تقديم المرأة في صور مختلفة، وأنماط متعددة، فتقدم تارة بالضعيفة المسكينة، أو الغبیة، والنكدیة المتسلطة، أو النمامة، أو العروسة ذات الجمال، أو القوية المتجبرة، أو الحقودة الحاسدة، وغيرها من الصور التي تعد صورة من صور العنف ضد المرأة، والتي يسوق لها عبر الدراما، متخذة من أسلوب التفكير النمطي المستفز، الذي ظل ثابتا طوال فترات عديدة، بل أن بعض الشخصيات في الدراما، والتي اتصفت ببعض الصفات أو الألقاب السابقة، أصبحت مضربا للأمثال، ومثال يتداوله الناس فيما بينهم.
كل ذلك يعد عنفا، حتى وإن كان غير مباشر، لكن له تأثيراته، وانعكاساته على شخصية المرأة.
-مظاهر العنف في الدراما
لا تتعدى ممارسة العنف في الدراما على العنف الجسدي فقط، كما هو معروف، بل تتعداها لأكثر من ذلك، ففي أحد مشاهد مسلسل “عطر الشام” تتعرض شخصية “فوزية” زوجة “أبو عامر” إلى الابتزاز من قبل أحد أقاربها، مستغلا ضعفها، وصمتها حيال ما فعله بها، حتى لا يعلم زوجها بما حدث، ويتسبب لها في مشاكل وصلت لقتلها، غير أنها تنجو بأعجوبة.
مسلسل “خمسة ونص”، يقدم الطبيبة “بيان” ضحية لعنف الرجل، من خلال الطريقة التي تقدم بها “عمار” حيث يطلب من عناصره المسلحة محاصرتها، ورفع السلاح في وجهها، ومن ثم يدخلها معه إلى قصره الفاخر، وسط مفاجأة عارمة، وارتباك يحدث ما حدث.
مسلسل” صديقات العمر”، من خلال تقديمه لشخصيات معنقة تمثلت في “مريم، هند، نجلاء، عائشة” ،أحد الشخصيات تعرضت لعنف الأم التي تفضل نفسها وتتزوج، غير مهتمة بابنتها، وغير مراعية لمشاعرها في مرض والدها أو وفاته وهي شخصية “مريم”. أخرى تتعرض للعنف من خلال زوجة الأب، وضعف شخصية الوالد، وهي “هند” الفتاة الطموحة، والذكية، التي تجد نفسها في صورة أخرى من العنف، وهي تحمل مسؤولية أطفال في وجود والدهم غير المبالي بمسؤولياته.
يقدم المسلسل أيضا مظهر آخر من مظاهر العنف، وهو غياب الأب والأم، رغم وجودهما الفعلي، عن حياة الفتاة المراهقة” نجلاء”، فالأم تهتم بصديقاتها وناديها، والأب بسفره وأعماله، لتتحول شخصيتها إلى شخصية متمردة، تحاول لفت أنظار من حولها بأي وسيلة، ويمارس عليها العنف بنبذ تلك التصرفات ونقدها.
ومن أكثر الشخصيات تعنيفا في المسلسل “عائشة”، التي يتحكم فيها أخوها، في لباسها، وخروجها، وعلاقاتها بصديقاتها، وحتى تخصصها الدراسي، لتخرج بعد ذلك من عنف الأخ إلى عنف الزوج الأناني، الذي يرغمها على إنجاب الأطفال، دون مراعاة لإنسانياتها، ويفاجئها بزوجة في وسط بيتها، غير مراعٍ لمشاعرها او مشاعر أطفالها.
مسلسل “الهيبة”، والذي تظهر شخصية “نور رحمة”، الإعلامية المشهورة والتي تسعى لمحاربة الفساد من خلال عملها الإعلامي، غير أن المسلسل يظهر جانبا متناقضا في شخصية نور، التي عرفت بقوة شخصيتها ومحاربتها للفساد، مبرزا أن ما وصلت إليه لم يتم إلا من خلال علاقة، ربطتها مع شخصية سياسية معروفة وهو ثروت”، وهذا يعطي تساؤلا، هل يجب على المرأة أن تتنازل في مجال عملها، وقناعاتها بأفكار معينة لتحقق ما تريد الوصول إليه؟ ورغم ذلك، مارس ثروت العنف على نور، من خلال إهاناتها وضربها، عندما حاولت فتح ملف من ملفات الفساد في المجتمع هذه الصورة تظهر تغليب مشاعر المرأة على فكرها، وجعلها في صورة المستكينة لعنف الرجل، من أجل تحقيق ما تصبو إليه.
مشاهد تعنيف كثيرة للمرأة، يتضمنها المحتوى الدرامي، وكأنه قولب المرأة، ووضعها في هذه الصورة النّمطية، التي تمارس عليها من قبل الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن أحيانا.
تقديم العنف ضد المرأة، بصوره المتعددة، من خلال الدراما يعد سببا وجيها، توجه من خلاله أصابع الاتهام لكاتب العمل، ومنتجه، ومخرجه، جميعا. رغم أن بعض النقاد يرون أنه تقديم، وانعكاس للواقع، بالإضافة إلى جذب أكثر للجمهور، لما يحتويه من أحداث مثيرة متتالية، بالإضافة إلى نقلها إلى مشكلات موجودة حقيقة في المجتمع، قد تعطي الدراما حلولا لها.
تعدد القضايا
طرحت الدراما قضايا عدة؛ يعاني منها المجتمع، ونجدها جلية في بعض المجتمعات، ومن أبرزها “القاصرات”، والذي لعب فيه “عبد القوي” دور الرجل المقتدر ماديا الذي يهوى الزواج، بالبنات الصغار في السن-القاصرات-، مستغلا لظروف أهاليهن الاقتصادية الفقيرة، مستعرضا آثار هذه الزيجات السيئة على الفتيات، وما تسببه من عنف نفسي وجسماني وعاطفي.
كما طرحت الدراما صور لقضايا أخرى تشكل عنفا على المرأة، منها الأرملة، والمطلقة، والتي تأخرت سن زواجها، كمسلسل “عايزة أتجوز”، رغم قالبه الفكاهي، إلا أنه قدم أحد القضايا التي تظهر بقوة في المجتمع، ونظرة المجتمع لها، والذي عد سببا من أسباب العنف النفسي على المرأة.
-إحصائيات وأرقام
أعدت بوابة الوطن الإلكترونية، دراسة حول المسلسلات المصرية التي عرضت في عام 2016، بلغت فيها نسبة الصورة الإيجابية للمرأة 46.6 %، مقابل 52.4% للصورة السلبية، ومن أمثلة تلك المسلسلات: -الخروج: حيث بلغت نسبته 74%، وكان مصدر هذا العنف الرجل بنسبة 100%.
-الخانكة: ظهرت المرأة من خلاله بصورة سلبية بنسبة 42.7%، فى مقابل 57.3% للصورة الإيجابية.
-يونس ولد فضة: وتعرض هذا المسلسل إلى قضية إنجاب الذكور، وتفضيلهم عن الإناث، في صعيد مصر، وبلغت النسبة 90%.
آراء المهتمين
يرى بعض المهتمين، أن العنف يتخذ صورا عدة، ونماذجا مختلفة، وفي ذلك يقول السيناريست أحمد التهامي” نظرا لقلة الأعمال الليبية المحلية، سنتحدث عن الدراما المصرية أو السورية، حيث يتغير العنف بحسب التصنيف الطبقي للمرأة، ففي الطبقات الفقيرة يصل تشغيلها كمورد رزق للعائلة، بأشكال بالغة العنف، وضمن مهن لا تكفل كرامتها، مضيفا أن الأعمال الليبية تمارس تكرار نمطية ذكورية المرأة، من حيث حصرها في الأعمال المنزلية، وما شابهها، رغم أن هذا الأمر يختلف عن العنف، وإن كان ضمن نفس الثقافة، وبصور مكررة كقضايا ورثة المرأة، والعانس، وغيرها الكثير من الموضوعات”.
الأكاديمي بقسم الإذاعة والتلفزيون بجامعة بنغازي الأستاذ طارق علي الجحاوي يقول” الدراما الليبية لا أعتقد أن بها عنفا ضد المرأة، ويضيف بأنه لا توجد دراما تلفزيونية حقيقية، وأن الدراما الليبية بها صورة نمطية للمرأة”. -الصحفية والفنانة جيهان إسماعيل ترى من وجهة نظرها، أن العنف ضد المرأة يبدأ من كونها أنثى، لمن لا يعرف الدين، وكيف كرم المرأة مثلا عند الولادة، حيث يرحب الأب أكثر بالولد من البنت، وتميز الأم في التربية بينهما، كما إن المجتمع والثقافات لها دور في ذلك، مضيفة بأنه كلما قل الوعي بدور المرأة، قل الوعي بحقوقها ومكانتها.
أما إذا تحدثنا عن العنف الجسدي مثلا من تعامل الزوج، فأنا أري أن العنف المعنوي أشد على السيدة، إذا شعرت بأنها مجرد أداة أو األة بالمنزل، والدراما تقدم العديد من الأعمال بهذه الصورة، مثلا مسلسل ياريت اللبناني نوع مميز من العنف المعنوي، كما قدمت الدراما المصرية رائعة مسلسل نصيبي وقسمتك، من خلال قضايا منوعة بحلقات تخص العنف المعنوي والجسدي، متمثلة بالخيانة والضرب، ومعاملة الأسرة والرجال لها سوء في إطار البيت أو العمل “.(وال ـ بنغازي)
تقرير :- سليمة الخفيفي