درنة 01 مارس 2021 (وال) – لم يكن مجرد الحديث قبل عامين ونصف من الآن على أي نشاط ثقافي أو رياضي في مدينة درنة معقل تنظيم داعش الإرهابي في شرق ليبيا إلا ضرب من الخيال، فما بالك باحتضان هذه المدينة الساحلية المطلة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط معرضها الأول للكتاب داخل ساحة المسجد العتيق، حيث اتخذ التنظيم ساحته منصة لإعداماته القاسية.
والإثنين الماضي، افتتحت الهيئة العامة للإعلام والثقافة بالحكومة الليبية، الدورة الأولى لمعرض درنة للكتاب بمشاركة أكثر من 40 دار نشر محلية وعربية، بنحو أكثر من 20 ألف كتاب من مختلف التخصصات والمجالات.
ودرنة المدينة الساحلية تحيطها سلسلة من الجبال المليئة بالكهوف والوديان على شكل هلال يمتد من الشاطئ إلى الشاطئ، سهلت تضاريسها مهمة تخفي عناصر الجماعات الإسلامية المتشددة على مدى عقود، لتعيد نشاطها عقب سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011 وتجعل المدينة معقلا لها قبل أن تعلن رسميا ولاءها لتنظيم داعش الإرهابي.
وخاضت قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر حربا على الجماعات الإسلامية التي احتلت المدينة منذ العام 2012 قبل أن تعلن تحريرها وعودتها لأحضان الوطن في أغسطس 2018 بعد قتال استمر لأربعة أشهر متتالية ساهم فيه سلاح الجو والمدفعية الثقيلة.
وقال محمود امجبر رئيس الهيئة العامة للإعلام والثقافة إن إقامة المعرض في هذا الوقت شكل تحديا ورمزية نقول من خلالها إن درنة عادت لحضن الثقافة والعلم وعادت منارة للأدب في ليبيا.
والمسجد العتيق الذي بني في العام 1663 ابان فترة الحكم العثماني لليبيا، يعد من أبرز الآثار الإسلامية في مدينة درنة وهو نواة المدينة القديمة، ويزخر بمئذنته الشامخة وقبابه وأعمدته الرخامية، وساحته الواسعة التي حولها تنظيم داعش منصة لأبشع طرق الإعدام حيث يقام على أنقاضها المعرض الحالي.
وحضر افتتاح المعرض مدير مكتب القائد العام، ومحافظ البنك المركزي في شرق البلاد، ومدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الذين رعيا هذه الدورة بالتعاون مع مؤسسة برنيق الليبية للصحافة والإعلام.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي اللواء خالد المحجوب إن قائد الجيش أصر على تنفيذ المعرض في هذا المكان لرمزيته ولإزالة الصورة الذهنية التي كانت سائدة في المدينة عن هذه الساحة التي شهدت القتل وقطع رؤوس الأبرياء على أيدي تنظيم داعش.
وأضاف “انتصر الجيش على الإرهاب، ونؤكد من خلال هذا المعرض أننا قادرون على الانتصار عليه بالفكر والثقافة”.
واختتمت فعاليات المعرض اليوم، وتتخلله أمسيات ثقافية وفنية، وأطلق على دورته الحالية اسم “الوحدة الوطنية” مستمرا لسبعة أيام، وشاركت فيه ستة دور نشر مصرية، وأخرى محلية من جنوب وغرب البلاد التي تشهد انقساما سياسيا حادا.
وفي 23 أكتوبر الماضي وقع طرفي الانقسام في الغرب والشرق اتفاق وقف إطلاق نار دائم بعد خمسة أيام من المناقشات في جنيف برعاية الأمم المتحدة.
وتستعد حكومة الوفاق الوطني غير الدستورية لإفساح المجال للحكومة الانتقالية الجديدة التي اُختيرت من خلال العملية التي قادتها الأمم المتحدة بهدف توحيد فصائل ليبيا المختلفة.
وقال الدبلوماسي السابق والصحفي ناصر الدعيسى إن مدينته أثبتت للعام أجمع أن “الوحدة الوطنية تحققها الثقافة وأن درنة رغم الذي جرى على أرضها، ورغم معاناتها لكنها لا زالت عنقاء تنتفض لتحرق الرماد وتمزق ليلها كي يبدأ الفجر دائما من أبوابها العتيقة وهي تحتضن وطن سرقه صعاليك السلطة”.
وفي بلد متعطش للثقافة والفن، شهد المعرض غير المسبوق توافد شعبي ورسمي كبير وعلى مختلف الأصعدة، ترى من خلاله تجول بين أروقة المعرض وتصفح لآلاف العنوانين التي على منصات العرض.
واعتبر علي جابر رئيس مؤسسة برنيق الليبية للصحافة والإعلام وصاحب دار البيان للنشر والتوزيع أن الحدث تاريخي وأعاد عجلة الحركة الثقافية في البلد الذي أنهكته الحرب للدوران، خاصة أن هذا المعرض يأتي عقب شهرين من معرض مماثل وسط بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية (1000 كم شرق) بعد سنوات من الاقتتال.
وقال رئيس اللجنة العليا للمعرض أنور الشويهدي في ختام فعاليات المعرض “الحمد الله كسرنا حاجز الخوف والريبة من مكان كانت تقطع فيه الرؤوس إلى مكان لبناء النفوس يشع بنور الثقافة والمعرفة تتحدث عنه جميع وكالات الانباء والتلفزيون والصحف”.
وأضاف “رسالتنا وصلت والشكر لك من ساهم معنا فى هذا العرس الثقافي”.
وزار معرض بنغازي في مطلع يناير الماضي قائد الجيش المشير خليفة حفتر، ورئيس الحكومة الليبية السيد عبد الله الثني في رسالة منهما لدعم النشاط الثقافي في البلاد. (وال – درنة) إ م/ ر ت