بنغازي 14 مارس 2021 (وال) في لحظة من الزمن تتحول الأحلام والذكريات الجميلة، التي احتضنتها تلك البيوت، والمدارس، والأسواق، وأزقة الشوارع إلى ركام، تفوح منه رائحة الدمار والتشرد والموت.
تلك الصورة رسمت ندبات في قلوب سكان تلك المناطق، سرقت أملاكهم، وقتلت أحلامهم،لم يكتف العدو بذلك، بل ترك خلفه ما يمكن أن يقضي على أكبر قدر من الأبرياء، بعد أن هزم ودحر، لقد ترك عدوا مستترا خلف الجدران، وبين السلالم، وفي الخزائن، وتحت الأبواب، “إنها الألغام ومخلفات الحرب”، تلك العيون المتربصة بكل جسم يتحرك من إنسان أو غيره.
وكالة الأنباء الليبية سلطت الضوء على آلية عمل تلك الشبكة الشيطانية، وكيف كان للمؤسسات المحلية دورا كبيرا في نزع وتفكيك أطنان منها.
الحديث في هذا الجانب المروع يطول، وتكثر به القصص المحزنة، والحكايات المؤثرة، وآخرها وفاة الشاب هارون القطعاني (22) عاما، بشارع البزار، خلال الأسبوع الماضي.
وكالة الأنباء الليبية، كان لها حديثا مطولا مع أحد أعضاء مؤسسة “لا” للألغام ومخلفات الحرب، السيد “خليفة محمد العبيدي”، وهو مدني، يعمل محاسبا في شركة الجوف، وعمل رئيسا للنقابة العامة للنفط، كما عمل أمينا مساعدا للنقابة العامة للنفط، وأيضا عضوا في الاتحاد العربي لعمال النفط، والمكتب التنفيذي لاتحاد عمال النفط العرب.
مؤسسة (لا) للألغام ومخلفات الحرب
يحدثنا خليفة قائلا: بدأنا العمل في مجال نزغ الألغام في أبريل 2011، بجهود ذاتية، دون دعم من أي جهة، ثم تكون فريقا من (24) متطوع، عام 2013، لتكوين مؤسسة (لا) لنزع الألغام ومخلفات الحرب، وهي مؤسسة تنزع الألغام ولا تزرعها، وتجمع مخلفات الحرب وتقوم بالتخلص منها.
ويضيف: تقدمنا لخدمة الوطن، حيث كانت قوات القذافي قبل اجدابيا-منطقة (9 كيلو )، وتلك المنطقة بها ألغام، والقوات كانت في المشاريع الزراعية، كانت محصنة بالمدفعية، ومن يحاول تجاوز الطريق المعبدة كان يتعرض للألغام.
فتطوعنا حيث كان من يقوم بنزع الألغام كبار في السن، وبعضهم متقاعدين، منذ قرابة عام (1992)، كانت بدايتنا معهم من خلال مساعدة عضلية فقط، وفي مدة قصيرة تعلمنا منهم آلية التعامل مع اللغم، حيث كانت الرغبة جامحة في العمل، والاستيعاب كبير، من أجل إنقاذ الوطن.
بدأ العمل من قاريونس حتى البوابة الشرقية لسرت، وكانت-فزعة وطن- كما وصفها، بمجموعة بلغ عددها (60) شخص، من بنغازي، درنة، القبة، إجدابيا، سلوق، البريقة، البردي، الكفرة، وكانت أكثر المناطق تلوثا بالألغام، هي منطقة البريقة، ورأس لانوف. وكانت أكثر المناطق خطورة، المنطقة الممتدة من إجدابيا إلى البريقة (80) كيلومتر، وللآن أؤكد على وجود مخلفات حربية بها.
في تلك الفترة كانت الإمكانيات محدودة، وعملنا بسياراتنا الخاصة، ولاتوجد لدينا سيارات صحراوية، والعمل كان على جانبي الطريق، بمسافة (5-10) كيلومتر، في اتجاه الغرب، ما بين البحر والطريق المعبدة، والمنطقة كانت تكثر بها الحركة، وبالتالي تكثر فيها البلاغات عن وجود مخلفات حربية، فوضعنا أرقام هواتفنا على الأماكن العامة، كالمساجد، والمدارس والمستشفيات، والجدران في الشوارع، ليستطيع المواطن التواصل معنا.
وبالفعل تم ابلاغنا بالعديد من البلاغات، واستطعنا تجميع كمية بلغت مايقارب (200) طن من المخلفات شديدة الخطورة.
كما حدث عام 2011، عندما تم التبليغ عن وجود لغم كبير بمنطقة –سيدي علي- بالقرب من دريانة، حوالي (35) كيلو متر شرق بنغازي، حيث تم الإبلاغ عن لغم بحري كبير، وتم التخلص منه، عن طريق صنف الهندسة العسكرية.
وبعد انتهاء العمليات الفعلية للمحور الشرقي، في شهر أكتوبر 2011، عادت الوحدات القتالية إلى معسكراتها، وتركت أرض المعركة موبوءة بالمخلفات الحربية والألغام.
وتمكنت الفرق المتطوعة حسب الإمكانيات المتاحة، من إزالة من إجدابيا إلى ميناء السدرة، حوالي (75%) من الألغام فوق الأرض، لكن تحت الأرض صعب، وخارج عن قدرتنا وإمكانياتنا.
وقال ” العبيدي” توقف أو قل نشاط المؤسسة حاليا، لأننا من جهات مختلفة، البعض من التعليم، والشركات، والشرطة، ، لم تقصر تلك الجهات التي نتبعها معنا، بل وشجعتنا على الاستمرار، لأن عملنا عمل إنساني ويخدم الوطن أما بخصوص ما يتم تجميعه من مخلفات، فتصنف من قبل خبراء في التسليح، من حيث صلاحية السلاح، وكانت تسلم الصالحة منها للقوات المسلحة، من خلال لجنة من أمرة القوات المسلحة، بقيادة الشهيد العميد محمد هدية، الذي تم اغتياله في شهر رمضان 2016.
مرجعيتنا ترجع لضباط وضباط الصف المتخصصين في هذا المجال، وهي إدارة الهندسة العسكرية والتسليح، ولهم الفضل الكبير في مساعدتنا وصقلنا.
مراحل زراعة الألغام على الأراضي الليبية
يبدأ “العبيدي” في تصنيف المراحل التي مرت بليبيا من حيث زراعة الألغام فيها، قائلا: كانت بداية زراعة الألغام في ليبيا منذ الحرب العالمية الأولى، وأثناء الحرب العالمية الثانية، وأثناء الاحتلال الإيطالي.
حيث شهدت الحرب العالمية الثانية معارك امتدت في المنطقة الممتدة من بئر حكيم -شرق طبرق-إلى أقصى غرب ليبيا، التي شهدت معارك” الحلفاء والمحور”، ونتج عنها زراعة أطنان من الألغام في تلك المناطق، ومازالت موجودة حتى الآن، أيضا تمت زراعة ألغام، في المناطق الحدودية.
كما توجد بمنطقة مسوس، وقنفودة، تحديدا بمنطقة تسمى- كرمة خير الله-، والزويتينة، من فترة الحرب العالمية الثانية، ، وكل هذه الألغام تؤثر بشكل أو بآخر على التنمية، والحياة الرعوية، والمتجولين، بصرف النظر عن جنسياتهم فهم بشر.
يستطرد في حديثه: انتهى عمل الفرق المتطوعة عند البوابة الشرقية لسرت، وكانت لدينا مجموعة عملت ما بين الدافنية ومصراتة، ومنهم الشهداء المقدم “مصطفى عقيلة المغربي”، و”طارق السعيطي”، و”صالح المسماري”.
مضيفا أن كل المدن الليبية بها فرق متخصصة في مجال نزع الألغام ،خطورة نزع اللغم وتفكيكه وعن أكثر ما يواجه المختصين في مجال نزع الألغام يقول: عدم وجود خرائط، لذلك فإن مسوس –جنوب شرق مدينة بنغازي بحوالي 130 كم، وحتى عام (2013) مازال بها ألغام، وعند زيارتنا لأحد الأماكن كزيارة تفقدية، بعد تحصلنا على خرائط، لنجد أنفسنا نقوم بتفكيك عدد (2) لغم خلال عشر دقائق، كما وجدنا في نفس المنطقة العديد من مخلفات الحرب.
ومن الشواهد على ذلك يقول: بعد (2011) زرعت منطقة الزنتان، ومناطق أخرى بالجبل الغربي، وأكثرها كانت ألغام أفراد، وهي ألغام صغيرة الحجم، ومصنوعة من البلاستيك، وعندما هطلت الأمطار والسيول جرفت حقول الألغام حتى الشواطئ البحرية لصبراتة، نتج عنها تلوث الشاطئ. كما أن الألغام التي زرعت في البريقة، كانت مزروعة بخرائط، وتعرف بالحقول المنظمة. أيضا هناك بعض العشوائيات، فعندما نجد الأبراج الخاصة بالضغط العالي للكهرباء، أو الاتصالات، والإرسال الإذاعي، نجدها سقطت، وبالتالي بالقرب منها ستجد لغما، كما حدث في منطقة الأربعين، ومرير قابس، في البريقة.
في أكتوبر2011، بدأت شركة الكهرباء بأعمال صيانة، للأضرار الخاصة بأبراج الكهرباء، فانفجر في العاملين لغما، لنجد (10) ألغام أخرى، ومن هنا وجدنا أن الهوائيات المتضررة مؤشرات لوجود ألغام، تأخذ بعين الاعتبار، ونجحنا في نزع ألغام حول (3 أو 4) هوائيات.
الصحراء
الصحراء بها ممرات برية، وكان يخاف من الالتفاف، خلال المعارك، فكانت تلك الممرات مفخخة، وهناك منطقة قرب البريقة تسمى “مرير قابس”، كانت بها ألغام –أفراد ودبابات- في الطرق الفرعية.
وبالتالي فإن اللغم يعطي إنذارا، ويمنع التقدم بشكل سريع، وفي (2011)، كانت معظم الألغام مزروعة بطريقة منظمة، حوالي (80%) منها، أي بطريقة حقول وفق الخرائط العسكرية.
مخلفات الحرب
تعد أكثر خطورة من الألغام، حيث أن الألغام ينبه عنها من خلال علامات، أو إشارات توضع في الطرقات، بواسطة الجهات المختصة، بينما مخلفات الحرب لا يعرف مكانها تحديدا، حيث ترمى بشكل عشوائي، كالقنابل اليدوية التي لم تنفجر، ونتيجة رغبة الإنسان في الاستكشاف، تسبب في انفجارها، مما تسبب في حدوث أضرار وحوادث بالغة.
وينوه؛ أن وضع الذخائر في المقاهي أو البيوت، أو المكاتب كمنظر جمالي سبب في حدوث الكثير من الكوارث.
مثلما حدث في مدينة إجدابيا، عندما وضع أحد أولياء الأمور، قذيفة “مدفع 23-مضاد للطيران”، في منزله، فسقطت القذيفة مسببة في إعاقة طفل كان بالقرب منها.
ويصف مخلفات الحرب، بأنها تبدأ من إطلاقة بسيطة، إلى الصواريخ الكبيرة، وأغلب العبث يحدث في المخلفات الحربية.
ونتيجة لعدم المعرفة بمدى خطورتها، من البعض، ظنا منه بأنها قطعة من الحديد، تجده يستخدمها في إشعال النار، أو استخدامها كمطرقة فتنفجر، كما حدث في مناطق القوارشة، وسيدي فرج.(وال ـ بنغازي) س خ
|