بنغازي 15 مارس 2021 (وال) -كرمت مؤسسة “سيدة الأرض” الفلسطينية، الشاعر الفلسطيني “أحمد بشير العيلة”، النموذج الفلسطيني عام 2020 في ليبيا، ضمن الشخصيات الفلسطينية المؤثرة والفاعلة خارج فلسطين.
أعلنت ذلك في حفلها السنوي، الثالث عشر، والذي أقامته في 16 فبراير 2021 ، وبحضور عدد من الوزراء والسفراء والشخصيات الوطنية، على مسرح الهلال الأحمر في رام الله، بتكريم عدد من أحرار العالم من شخصيات عربية وعالمية داعمة للقضية الفلسطينية وشخصيات فلسطينية فاعلة عالميا.
وكالة الأنباء الليبية، تابعت الحدث، وكان لنا هذا الحوار مع الشاعر “أحمد بشير العيلة”.
-الشاعر في سطور
شاعر فلسطيني، ولد في مخيم رفح (7-6-1966) م، وهو من قرية يـبـنا الفلسطينية – قضاء الرملة، أقام منذ (1975) في مدينة بنغازي – ليبيا مذ كان طفلاً، وأكمل تعليمه فيها حتى تحصل على بكالوريوس فيزياء – كلية العلوم – جامعة بنغازي (قاريونس)-1990م.
له خمسة دواوين شعرية ورواية مطبوعة، وتدرس قصائده الشعرية في مناهج الأدب والنقد في أقسام اللغة العربية، وأجريت عنها دراسات أكاديمية في جامعات منها: عين شمس المصرية والأقصى والجامعة الإسلامية الفلسطينيتين وبنغازي الليبية، وسطام بن عبدالعزيز السعودية.
ورد اسمه وأعماله في عدة موسوعات ومعاجم منها معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، ودليل كتاب فلسطين، ومعجم الكتاب الفلسطينيين، من معهد العالم العربي – باريس، و”الموسوعة الكبرى للشعراء العرب” الصادرة في المغرب، “موسوعة أعلام فلسطين” وكذلك “شعراء فلسطين في القرن العشرين” و”معجم شعراء فلسطين”، وأنثولوجيا فلسطين الصادرة عن مؤسسة إينر تشايلد الأميركية، كما ترجمت بعض قصائده وقصصه إلى الإنجليزية والإسبانية والإيطالية.
-أحمد بشير العيلة الاسم يكفي عند ذكره، فهو شخصية رائدة في مجال الثقافة والأدب. كيف يحدثنا ضيفنا عن بداياته، والتي يتشوق القارئ لمعرفتها، وترضي فضوله، وبمن تأثرتم، ومن كان سببا في صقل موهبتكم.
أرحب أولاً بوكالة الأنباء الليبية شاكراً إياها على هذا الاهتمام، فأنا أعتز بأن كل عطائي الثقافي نبت هنا في هذه الرقعة الطاهرة (ليبيا) التي أنتمي إليها بكل وجداني، لقد أتيتُ بنغازي الحبيبة طفلاً في التاسعة من عمري، الذي يبلغ الآن أربعة وخمسين عاماً، عمرٌ بأكمله بكل تفاصيله عشته في بنغازي التي سيطرت كثيراً على كتاباتي، أكثر أحياناً مما كتبت عن القدس، وعشت فيها كل المشاعر الإنسانية بين تاريخها وتاريخي بين المنح والمحن، والفرح والترح، بل في كل ظروف الحرب والسلام طوال نصف قرن من حياتي.
أدبياً، بدأت كتابة الشعر في المرحلة الإعدادية، إلا أن الإيقاع الشعري تملكني بقوة في الصف الأول الثانوي على سبورة فصلي في مدرسة شهداء يناير، كان مدرس اللغة العربية الأستاذ (صميدة) رحمه الله يدخل الفصل ويجد أبياتي مكتوبة على السبورة، يقرأها متسائلاً عمن كتبها، فقال لي: “يجب أن يرى هذا الشعر النور”، وحفزتني هذه الكلمات بتشجيع من صديقي صلاح بحري أن أزور مجلة الثقافة العربية وأعرض عليهم كتاباتي، رحبوا كثيراً بي، وبدؤوا في نشر قصائدي في باب القراء.
ثم ما لبتث سريعاً أن نقلها الأستاذ الشاعر حسن السوسي رحمه مشرف ملف الشعر إلى باب الشعر بالمجلة بجانب كبار الشعراء العرب، في بداية الثمانينيات، وبدأت قصائدي ومقالاتي تنشر على صفحات مجلة الثقافة العربية، التي تعرفت فيها على أقطاب الوسط الأدبي ومنهم أستاذي ومعلمي القاص الكبير سالم العبار، الذي نقل خطواتي إلى الأثير وظل ينشر لي في برنامجه واسع الانتشار (ما يكتبه المستمعون)، ومنه ولجت بواسطة مقدمه المرحوم الأستاذ “عبد الله عبد المحسن” إلى الفضاء الإذاعي ناشراً قصائدي بصوته الرخيم في برامج الإذاعة وأشهرها برنامج نوافذ أثيرية الذي يعده الأستاذ “إبراهيم عبد الحميد” ـ أطال الله في عمره ـ ومن ثم أصبحتُ معداً في الإذاعة الليبية وإذاعة صوت الوطن العربي الكبير وإذاعة صوت إفريقيا بعد ذلك.
وحين وصلت إلى الجامعة كان مقر كلية العلوم في وسط المدينة في حي السكابلي بسيدي حسين، بين مختلف المقار الإعلامية، وكان اسمي معروفاً وقتها من تردده الدائم في الإذاعة، حيث عملت فوراً في الصحيفة التي تصدر عن الجامعة؛ صحيفة قاريونس، محرراً ومشرفاً للصفحة الثقافية، وهكذا من هذه البدايات تشعبت اهتماماتي في أنواع الكتابة بين الأدبية والصحفية والإذاعية، وتشعبت معارفي وتوطدت مع كبار الشخصيات في الأدب والفن والثقافة الإعلام. –
خرجتم من فلسطين، واستقر بكم المقام في بنغازي منذ عام 1975.، ماهو طيف الذكريات الذي يراودكم لمخيم رفح، حيث قضيتم فيه مهد الطفولة والصبا.
لا شيء في الذاكرة عن مخيم رفح، فقد أُخرِجت من أزقته بعد نكسة 1967 طفلاً لم يتعدَ العام ونصف العام، حيث منع الاحتلال الوالد ـ رحمه الله ـ الذي كان يدْرس في مصر من دخول فلسطين، فالحرب قطعت الرحم بين الناس وقسمت الأرض والعباد، فلحقنا الوالد إلى الإسكندرية حيث بقينا بضعة سنوات ثم لحقناه إلى بنغازي حين أتاها معلماً في منتصف السبعينات، وكل ما هنالك من ذاكرة عن فلسطين هو الذاكرة الجمعية التي احتلت ذاكرتي الشخصية وربما حلت محلها.
وأني أرى فلسطين بكل تفاصيلها بعين هذه الذاكرة بل أعيش فلسطين بالحواس الخمسة للذاكرة الجمعية، التي اكتسبتها من ألم الغربة الذي نهش والديّ، وأجرى فيهما أنهاراً من شوق.
–بين التخصص الأكاديمي “الفيزياء”، وتدريسه، وتقديم الأبحاث العلمية في هذا التخصص، واتجاهكم للشعر، والصحافة محلياً في ليبيا، وعربياً أيضا، بالإضافة إلى الإعداد والتقديم الإذاعي في عدة محطات إذاعية، وأيضا الإخراج المرئي، وكتابة السيناريو، كيف استطعتم التميز في تلك المجالات الأكاديمية، والأدبية، وماذا أضاف هذا التنوع لخبرتكم.
كان الشعر هو البوابة الكبيرة التي دخلتُ منها إلى عالم الأدب والإعلام بل والكتابة العلمية، فالشعر كفيل بأن يقوي الجملة ويزين العبارة ويعمّق المعنى ويميّز الأسلوب بل وينمّي التخيل مما يجعل التأثير عالياً والتكوين سامياً، والعطاء فريداً، موهبة الشعر تمكنك من الإبداع في كل مجالاته سواءً العلمية أو الفنية أو الأدبية، كون الخيال مادة الشعر، والخيال مادة كل إبداع.
من هنا تتنوع عندي الكتابة، إبداعياً؛ بين القصيد والمقالة والقصة والرواية؛ وفنياً بين الكتابة الصحافية والإذاعية والعلمية.
“هموم الذي لا بلاد لأبنائه”؛ ديوان شعر، صادرعن دار رؤيا لأعمال الطباعة والنشر، في بنغازي 2012. حدثنا عن هذا الديوان؛ وكيف قدمت هموم أبناء فلسطين من خلال لوحاتك الأدبية.
“هموم الذي لا بلاد لأبنائه”؛ ديوانٌ قريبٌ إلى روحي من حيث كمّ الألم الذي بُنِيتْ فيه قصائده السبعة عشرة الطوال حجماً والمتأوهاتِ موضوعاً، تنوعت تضاريس القصائد بين عميقة الألم مثل القصيدة التي حملت عنوان الديوان وقصيدة نهر البارد وشارع زمو وعلى عتب السماء وغيرها، مروراً بالقصائد الأكثر صوفية ووجداناً مثل رحلة الصوفي الأخيرة إلى غزة وبكاء الطير ، وصولاً إلى القصائد العاطفية الأكثر هدوءاً، مثل صيغ جديدة، وعاشقتي تفتحُ تونس والقهوة لم تحضر بعد. –
نضال صباحي: من أجل شعاع يدخل قلبي كنبي في هذا الصبح … أقاتل من أجل كتاب مفتوحٍ جانب أوردتي قرب الفجر … أقاتل من أجل تراب فوق زجاج مهموم بمجيء الضوء … أقاتل من أجل تدافع عطر الحمضيات إلى رئتي بكل الحب … أقاتل إلى آخر القصيدة ، هذا مطلع لأحد قصائدكم؛ هل يعد الأدب المقاوم، أحد صورالنضال؟ وكيف يكرس الأديب قلمه من أجل هذا النضال
بالتأكيد للكلمة فعلٌ أقوى من الرصاص، فالقصائد هي الفدائي الأول للثورة الفلسطينية الكبرى منذ الاحتلال الإنجليزي لفلسطين والشعر يتقدم المناضلين، بل يحمل لهم بوصلتهم، ويرفع لهم الراية المغروسة في الروح، فكانت قصائد حسن البحيري ومطلق عبد الخالق وإبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود؛ الذي استشهد في “معركة الشجرة”، وهو صاحب الأبيات الشهيرة: “سأحمل روحي على راحتيَّ .. وألقي بها في مهاوي الردى فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى. ونفسُ الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيلُ المنى …”.
وكم حارب العدو قصائد بأسمائها، ملاحقاً إياها من بيتٍ إلى بيت، مثل قصيدة “الكلمات العابرة” لمحمود درويش، بل تعمد العدو بشراسة على اغتيال الشعراء حتى في المنافي، مثل اغتيال الشاعر كمال ناصر الذي اغتاله الموساد في بيروت وهو يكتب مقالاً عن صديقه الشاعر المرحوم عيسى نخلة، فباغته أفراد من وحدة الاغتيال وأفرغوا في جسده ثلاثين رصاصة، بل إن أول ما كان العدو يبحث عنه ويدمره من بيت إلى بيت أثناء اجتياحه لبيروت في 82م، هو اسطوانات وأشرطة مغني القصائد الفلسطينية مارسيل خليفة.
القصيدة الفلسطينية أكبر عدوٍ للمحتل، ليس لأنها تحرض الناس عليه، بل لأنها تربة لجذور كل زيتونةٍ ونخلة وإنسان، ولأن القصيدة حارس الذاكرة والتاريخ والمشاعر، وهي حاضنة الإنتماء الفلسطيني، ومرضعة الأمل ضوءَ وجودنا، والأهم أن العدو بكل ما يصنع من نجوم، يعجز كل أدبائه أن تصل كتاباتهم إلى شبرٍ من طودنا، بل أتحداهم أن يبدعوا قصيدةً واحدة تشبه قصائدنا، لا لشيء إلا لأنهم مزيفون.
-معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، ذكركم فيه كأحد الشعراء العرب. كيف تنظر للشعر المعاصر في هذه الفترة؟ وماهي أكثر القضايا التي تجدها تثير الشاعرالعربي
الشعر العربي دوماً في الطليعة، يترجم بصدق حالة الأمة، بل هو ثرمومترها، وميزان قوتها الحساس، فيمكننا بالفعل أن ندرس الأمة العربية تاريخاً واجتماعاً وسياسةً وإبداعاً من خلال الشعر، الشعر العربي هو النوافذ الملونة التي تطل على الواقع والمفتوحة في جسد الواقع، بكل قضاياه التي تنوعت كثيراً في الشعر المعاصر، تطور شكلاً وموضوعاً وتصويراً، لكن الموضوعات التي ظلت تلح على الشاعر العربي مذ عرفنا الشعر العربي من قرابة 1500 عامٍ، هما موضوعا: المرأة والأرض، وهما اللذان يشكلان جدلية وجودية وإبداعية وجمالية مهما اختلف الموضوع، المرأة والوطن أساس الموضوعات الشعرية، وكل ما عداهما مجرد تشكيلات جمالية لا تجد ذاتها إلا من خلالهما.(وال ـ بنغازي) س خ