بنغازي 15 مارس 2021 (وال) تنوع قلمكم بين الشعر، وكتابة القصة القصيرة، هل تأتي كتابة القصة القصيرة كإسقاط لحالة واقعية تعيشونها؟ أم هي مجرد مجال آخر للإبداع يضاف إليكم.
من الغريب أني لم أكتب القصة ولا الرواية إلا بعد ثلاثين عاماً من كتابة الشعر، وللأمانة ربما كتبت قصة واحدة، لكن عندما شهدت الحرب في بنغازي ضد الإرهاب، وشاهدت بعينيّ حجم الدمار لمدينتي الغالية بنغازي، حيث انهارت مباني أحياء بأكملها، وقتها لم يسعفْني الشعر في كتابة التفاصيل، ووجدت نفسي أكتب عن جرح بنغازي قصةً إثر قصة حتى أصبحت كتابة القصة جزءًا من تكويني الإبداعي، وها أنا الآن في المجموعة القصصية الثالثة، بعد مجموعتي (الحبل الذي تدلى من السماء) و(مدينة بأكملها تنتحر) اللتين تبحثان عن ناشر، في ظل صعوبة النشر في ليبيا.
فالكتابة القصصية جاءت تلبية لحاجة إبداعية لأصنعَ بجماليات السرد المعادلَ الموضوعيَ للدمار.
“افرحُ جدا”؛ عنوان لأحد قصائدكم، كيف يمكن للشاعر أن يفرح بين طيات كلماته.
في ذروة وجع الشاعر؛ يجلس الفرح القرفساء في ركنٍ قصيٍّ في القصيدة، يتفرج على ألمه راجياً أن يتقدم الشاعر نحوه ليمد إليه يداً ويحملا المشكاة معاً، فالفرح شعاعٌ يمتهن اختراق عتمة النص، بل هو ذروة الوصول بالنص، وغاية الكتابة، فكل نص حقيقي يتجاوز حالة توثيق المشاعر الحالية إلى صنع مشاعر القادم، الألذ والأحلى والأنضج، وكل عمل فني – وإن صُنع من عجينة الحزن- إلا أن السعادة مطلبه الإنساني.
-صدر عن دار “مكتبة كل شيء” الفلسطينية، رواية “حارس القرون السبعة” عام 2017. *كانت الانطلاقة الأولى لكم في عالم الرواية، ومن سبها بدأت الحكاية، حدثنا عن هذه التجربة، والتي كان عالم الصحراء بدايتها
تدور أحداث الرواية في جنوب الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا بين زمانين: (1324م حيث رحلة الحج الكبرى لسلطان مالي منسا موسى) و(نهاية القرن العشرين)، حيث ترتبط خطوط وأحداث الرواية مع شخصيات بين الحقيقة والأسطورة.
في حركة خلف حدود الزمان تمددا وانحساراً بين عدة أماكن ومدن (تمبكتو في مالي – سبها في ليبيا- مكة المكرمة – أكرا عاصمة غانا- بعض مدن وقرى النيجر- كوتونو في بنين – منحنى نهر النيجر – بحيرة الفولتا).
وتعتني الرواية – التي انطلقت من مدينة “سبها” الليبية بين القرن الرابع عشر والقرن العشرين – بقيمٍ إنسانية عديدة، أهمها الحب والحكمة والأخوة بين بطل الرواية المالي، وشخصين آخرين من القدس وفزان منذ سبعة قرون، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن “حارس القرون السبعة” إضافة جديدة لزمان ومكان الرواية الفلسطينية.
وبعدها كتبت رواية (نهر النبي روبين) التي تدور أحداثها في الثلاثينيات من القرن العشرين في مدينة يافا، وكذلك رواية في الخيال العلمي/ السياسي، اسمها (الجزيء عزو) تدور أحداثها في مخيم جباليا في قطاع غزة، والروايتان أيضاً تبكيان من العتمة بسبب ظروف النشر.
-المتتبع لرحلة عطائكم يجدها متنوعة، من حيث التكريم والجوائز، ومنها حصولكم على لقب (فارس الإبداع العربي) بفوز ديوان (معمار الروح – قصائد في عشق القدس) عام 2020،تكريم مستحق، ماهي جوانب التنافس في هذا اللقب؟ وهل أضاف لكم مسؤولية تجاه ما ستقدم مستقبلا
طبعاً كان التنافس كبيراً على مستوى الوطن العربي للحصول على هذا اللقب، وهو الذي تولت تنظيمه مؤسسة النيل الفرات في مصر، وشاركت فيه بديوان (معمار الروح) الذي جمعت فيه ما كتبته عن مدينة القدس المباركة، والفوز زادني تمسكاً بالثوابت في ظل هذا الانهيار والسقوط العربي، ويجعلني أقبض على الجمر بكلتا يديّ لأنير داخلي قبل أن أنير ما حولي، وقد كتبت بعد الإعلان عن اللقب في صفحتي: “الحمد لله كثيراً والشكر لله، أهدي الفوز بلقب (فارس الإبداع العربي) إلى فلسطين وطناً من البحر إلى النهر ومن الناقورة إلى رفح، وإلى والدتي الغالية وزوجتي وولديّ وأخي وأخواتي وأصدقائي، أهديه إلى كل مثقفٍ عربي يقف ضد التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني، متعهداً بصون الثوابت الوطنية والثقافة العربية من كل محاولات التدنيس والتشويه، وأن أكون فارساً لحماية جماليات الأدب والفن والثقافة، من أجل كل راقٍ وأصيلٍ ومبدع.
مؤسسة “سيدة الأرض الفلسطينية”، رأتكم النموذج الفلسطيني للعام 2020 ،عن ليبيا المقيم فيها، وضمن الشخصيات الفلسطينية المؤثرة والفاعلة خارج فلسطين. لفتة طيبة، ماذا تحدثنا عن هذا التكريم، الذي يعتبر فخرا لليبيا وفلسطين.
تكريمٌ بهذا الحجم يتعبني، لأنه يعني أن أمسك المصابيح كلها بيدي، وأن أحافظ على التوازن في السير وسط الألغام، سعدت جداً بكم التهاني من كل أنحاء الدنيا، ومن ليبيا وفلسطين بالذات، ومن يومها وأنا أحلق بجناحين (ليبيا وفلسطين) ليس فرحاً، بل فينيقاً حارساً لجماليات بلدين تأصلا في الروح وتوشما في القلب.
جاء التكريم من مؤسسة مهمة تبدع سنوياً في رعاية الثقافة الفلسطينية، وتكرّم ثلاث فئات، الشخصيات العالمية المناصرة للقضية الفلسطينية، من زعماء وسياسيين ومثقفين، والثانية هي النماذج الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة خارج فلسطين، والفئة الثالثة تختص بالشخصيات الفلسطينية في داخل فلسطين.
وكوني مقيم في ليبيا، فقد اختارتني مؤسسة سيدة الأرض النموذج الفلسطيني في ليبيا، والحمد لله.
بل واختارتني لأرسم بالكلمات الجماليات التي رافقت انطلاق (ثوب سيدة الأرض) الفلسطيني الذي جمع كل تطريزات ونقوشات وتصميمات المدن والقرى الفلسطينية في ثوبٍ واحد، فكتبت القصيدة والأغنية الاستعراضية والتقارير المرئية عن هذا الثوب الذي يعد ابتكاراً فلسطينياً للمحافظة على تراثنا وهويتنا.
ماذا عن الجديد لدى أحمد العيلة
قصائدي تتدفق دوماً، وقصصي تظهر بين الحين والحين، وهذا يشرق في داخلي كل يوم مع مطلع كل شمس، كوني أتنفس بالشعر، والشعر والقصة القصيرة، لا يمكن التخطيط لحضورهما بل تأتي ومضاتهما دون موعد، إلا أن الجديد الذي أبحث هو في المشاريع الثقافية الكبيرة سواء في كتابة الرواية، أو تأسيس مشروعٍ ثقافي وطني في ليبيا حيث أقيم، وسيأتي اليوم الذي أعلنه فيه حين تتاح له الظروف.
فلسطين “الوطن والجذور”؛ ماذا يقول لها أحد أبنائها في ختام هذا الحوار
فلسطين لم تعد مجرد وطن، بل هي قيمة تُكمِل مثلث القيم: الخير والحق والجمال، إن لم تكن هي الخير؛ وقد بارك الله فيها وحوله، وهي الحق المقدس الذي ندافع عنه حتى تحريرها، وهي الجمال الأسمى الذي نعتز بالانتماء إليه، ليس نحن الفلسطينيين وحسب، بل كل عربي ومسلم هو منتمٍ في ذاته لفلسطين، فهي موضع الاتصال مع السماء في رحلة المعراج وباب السماء يوم المحشر وهي أولى القبلتين، وعندها تماماً تتحطم كل الجيوش الغازية لأمتنا، فهي خط دفاع أمامي وهي ترمومتر الاستقرار الحضاري للعرب والمسلمين، كيف لا، وكل الأنبياء والرسل مروا بها وصلوا بها ودعوا بها، ونحن الفلسطينيون نكتسب القوة بمفردات هذا التكوين المقدس.
وأخيراً أعاود شكري لوكالة الأنباء الليبية، وللصحافية المجتهدة الأستاذة “سليمة الخفيفي” على محاورتي، متمنياً من كل قلبي مستقبلاً زاهراً لليبيا، وأن نظل غارسين فسيلاً وراء فسيل دون أن تهزنا المحن.( وال ـ بنغازي) س خ