بنغازي 29 مارس 2021 (وال) -باتت ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية “الرصاص العشوائي” في المناسبات المفرحة والحزينة، تؤرق الشأن العام وخاصةً المواطنين، الذين اشتدّ خوفهم على سلامتهم وسلامة ذويهم، بعد أن اخترق الرصاص أجساد الأبرياء دون سابق إنذار أو أي ذنب اقترفوه، إضافةً إلى ما ترتب عليها من إزعاج وهلع للأطفال والنساء والكبار في السن .
مساء يوم الجمعة -20 مارس- تعرض عدد (8) أطفال إلى إصابات، جرّاء سقوط قذيفة في حي زمزم ببنغازي، وصفها المكتب الإعلامي بمستشفى الجلاء بإصابات متوسطة وحرجة، ومنهم من تلقى الإسعافات الأولية وغادر المستشفى، والذي سجّل في في تاريخ 21 من فبراير الماضي، واقعة إصابة من إطلاق للرصاص، راح ضحيتها الطفل “غازي عبدالحميد سعد” (4) أعوام، جرّاء حيازة السلاح وتخزينه في المنازل .
وسبقت هذه الحادثة، مقتل الشاب “محمد طاهر الخفيفي” (16) عاما، من سكان حي الصابري، حيث كان حاضراً في مأتم زوج عمته في حي “الدولار”، يومها لم تمهله أحدى الرصاصات الطائشة، والتي لم يُعرف مصدر إطلاقها حتى تاريخ اليوم .
وفي أكتوبر من العام 2017 أطلق ناشطون مدنيون، حملة دعت إلى إيقاف إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات الاجتماعية، بعد مقتل المواطن “ماهر القطعاني (38)عاما”، والتي باتت أمراً مقلقا للغاية حسب وصفهم، نتيجة تسببها في أذى كبيرجدا لذوي الضحايا من سكان الأحياء في مدينة بنغازي، وشدّد الناشطون بأنه يجب على الأجهزة الأمنية صاحبة الاختصاص اتخاذ الإجراءات الرادعة لمكافحة هذه الظاهرة ومرتكبيها في أسرع وقت ممكن .
الرصاص العشوائي، حرم المواطن “عادل الترهوني (44) عاما، من سكان حي السلماني الغربي بمدينة بنغازي، من رؤية مولودته والتي كان ينتظرها بفارغ الصبر.
حيث يقول شقيقه “فايز” أن “عادل” تعرض لإصابة من رصاصة عشوائية أثناء تواجده في مأتم بالحي بتاريخ 28 أكتوبرمن العام 2016، وتم إسعافه إلى مستشفى الجلاء لكنه توفى نتيجة دخول الرصاصة إلى كتفه الأيسر .
ويتابع:” تم فتح محضر بالحادثة في مركز شرطة رأس اعبيدة، وسجلت ضد مجهول، وتم تسجيله في وزارة الشهداء والجرحى في مكتبها في حي الزيتون، وتخصيص منحة سنوية أو عيدية في كل عيد مبلغ وقدره (1000) دينار، كونه مدني وليس موظفاً في الدولة” .
-أرقام سجلت وأخرى اختفت
وخلال بحثنا عن إحصائيات أعداد الإصابات جرّاء إطلاق الرصاص العشوائي، منذ اندلاع المواجهات خلال العام 2011، واقتحام المدنيين لمعسكرات الجيش والمراكز الأمنية، واستحواذهم على الأسلحة والذخائر، لم نتمكن من الوصل إلى أي وثيقة تسجّل أرقام الضحايا خلال الأعوام 2011،2012،2013 .
ووثّق مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث، سقوط نحو (900) مدني بين قتيل وجريح جرّاء الإطلاق العشوائي الذي طال أحياء مدنيّة متفرّقة في الأعوام -2014،2015،2016، وبيَّنت الإحصائية التي تحصلت ـ وكالة الأنباء الليبيةـ على نسخة منها مقتل (146) مدني وإصابة (754) جريح خلال تلك السنوات .
وأشارت إحصائيات مستشفى الجلاء ببنغازي، إلى أن عدد الإصابات من إطلاق الرصاص العشوائي، بلغت خلال “العام2016″، بلغت (36) قتيلا و(264) )جريحا، فيما بلغت خلال “العام 2017″، عدد (11) قتيلاً و (118) جريحا، وبلغت أعداد الإصابات خلال “العام 2018″، عدد (3) قتلى و (52) جريحاً، فيما أشارت إحصائيات لمركزي شرطة “رأس اعبيدة، والحدائق “، إلى أن عدد الإصابات من إطلاق الرصاص العشوائي، بلغت خلال “العام 2020″، عدد (116) إصابة ما بين خطيرة ومتوسطة.
-استنكار للظاهرة
مساعد مدير مديرية أمن بنغازي في شئون التوعية و الأعلام الأمني ، عقيد فريد جويلي، أكّد عبر بث مرئي ل”قناة المستقبل” بتاريخ 19 يناير الماضي، أنّ ظاهرة الرصاص العشوائي شديدة التعقيد والحساسيّة ولا يجوز في أي حال من الأحوال تبسيطها وحصر معالجتها في الشق الأمني أو العسكري فقط .
وقال جويلي:”أنّ جهاز الأمن قد يقف عاجزا أو يكون أداؤه متواضع، نظرا لعدة أسباب من أهمها، عدم استقرار الدولة وهشاشة مؤسساتها وحالة الانقسام السياسي، وحالة الحرب والاستنفار الذي تعيشه منذ ما يقارب عن (10) سنوات، هذا كله خلق بيئة غير منضبطة وحالة الفوضى جعل من المؤسسة الأمنية مهما بذلت ومهما عملت لن تعطي مردود بنسبةر( 100%) “.
ولفت جويلي، إلى أن الظاهرة لا تَلقَ ذلك الرفض الشعبي والمجتمعي، بل على العكس تماما، فهذه العادة تُعد تقليد شعبي عريق يعود في الواقع إلى سنوات طويلة مضت من موروث وعادات العرب، كتعبير عن الفخر والبطولة مثلا، واصفاً ظاهرة الرمي العشوائي، بأنها عبارة عن ثقافة ضارة أو مرض سرطاني ينخر في مجتمعنا.
ويختتم قائلا: “للأسف لا يوجد رصاص طائش بل يوجد فكر طائش، فكر فارغ وثقافة قاتلة، وعلينا أولا لوم أنفسنا وتأنيب الضمير هو بداية حل المشكلة، كما أنّه علينا جميعا أن نبدأ بالتغيير في بيوتنا لا أن نقف مكتوفي الأيدي وأن نقول بيتي آمن وأبنائي في أمان” .
-رأي الدين
من جانبه، وصف عضو اللجنة الفرعية للإفتاء بنغازي الكبرى، إبراهيم بالأشهر، أن هذه الظاهرة ب”المستنكرة”، مؤكدا أن كل ما يضر حرمه الإسلام، مستشهدا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار” .
وقال بالأشهر:” ولاشك أن هذا فيه ضرر، ونتكلم عليه من عدة جوانب، من جانب الضرر الذي يلحق المسلمين بسبب هذا الأمر، عندما يكون هذا السلاح بيد من يحسن ومن لا يحسن وعندما يستغل هذا السلاح وعندما يستغل هذا السلاح في مناسبات ويبقى يرمي في الهواء ولا يدري أن هذا الرصاص قد يسقط على أبرياء وهذا قد حصل، والآن يكون قد شرع في قتل نفسٍ معصومة، ويقول العلماء أن من سقط عليه الرصاص العشوائي وتوفي فإن هذا الشخص تلزمه الدية والكفارة وهي صيام شهرين متتابعين” .
وأوضح :”فأنت لا تدري عندما ترمي هذا الرصاص هل سقط على أناس توفوا بسببك ويلحقك جراء ذلك العقوبة والحكم الشرعي وأنت لا تعلم، لذلك هذا الأمر فيه إيذاء للمسلمين فكان محرما، فالله عز وجل يقول “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً”، فأنت تسببت في إيذاء جارك الذي هو داخل البيت مع أهله وأولاده، وتسببت في إيذاء الرجل الكبير والمرأة العجوز ونشر الرعب بين الأطفال وإيذاءهم ومرضهم وعدم راحتهم واستقرارهم” .
بالأشهر، بين أن هناك لوائح وقوانين تمنع من ذلك وهذا يخص جانب الجهات المسئولة، وقال:” فإذا كان هذا الأمر مقننا مخصصاً في حمل السلاح ومرخصا فيبقى استعماله في حيزهذا الترخيص، أما هذا الفعل فلا يجوز بوجه من الوجوه فيكون من ارتكبه قد خالف اللوائح وعليه العقوبات الرادعة، لذلك العقوبات في الإسلام تأتي عقوبات رادعة زاجرة لمن لم ينتهي بهذا النصح والإرشاد والبيان” .
وختم بالأشهر تصريحه:” اللجنة العليا للإفتاء أصدرت فتاوى في هذا وعمّمت الأوقاف خطب في فترة سابقة على الخطباء التابعين لها، ونشرت وكانت في لقاءات مع جهات مسئولة ليكون مكافحة هذا الأمر، ونعلم أن الجهات المسئولة تقوم بواجبها ثم يحصل أن الناس إذا لم يتم متابعتهم ينفلتون، وهذا واجب الجميع الجهات الناصحة والجهات المسئولة ووعي الناس بمغبة وفساد هذا الأمر” .
-تحذيرات وتعليمات لم تلق استجابة
السلطات التشريعية والتنفيذية التي تولت تسيير البلاد منذ فبراير من العام 2011 ، لم تتخذ أي مبادرات جادة في جمع السلاح وفرض العقوبات على المخالفين، واكتفت بإصدار تحذيرات من إطلاق الرصاص في المناسبات الاجتماعية وغيرها، وتوعدت بفرض عقوبات مشددة على المخالفين .
ونشر مكتب الإعلام التابع لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الليبيّة الحاكم العسكري درنة – بن جواد الفريق عبدالرازق الناظوري، في فبراير من العام 2018، تعليمات للأجهزة الأمنية إنهاء ظاهرة إطلاق الرصّاص العشوائي، داعيا وسائل الإعلام إلى المساهمة في إنهاء الظاهرة.
وفي أبريل من نفس العام، حذرت مديرية أمن بنغازي المواطنين والعسكريين من إطلاق الرصاص العشوائي خلال الأفراح والمناسبات وفي الأحياء السكنية وشوارع المدينة، وقال المعاون للشؤون الأمنية في المديرية العقيد حسين الشلماني، أن من يخالف التعليمات سيعرض نفسه للمساءلة القانونية، مطالبا الجميع بالتعاون مع العناصر الأمنية في هذا الصدد .
وتقول أستاذ القانون الجنائي في جامعة بنغازي، دكتورة جازية شعيتير، في تصريح لها خاص لوكالة الأنباء الليبيّة، أن رماية الرصاص بعشوائية هي ظاهرة جانبية لظاهرة أخرى أكبر خطورة وهي ملامح انتشار السلاح في أيادي غير مخولة باستعمالها قانونا، وهي من نواتج أحداث فبراير من العام 2011، حينما فتحت المخازن، وتم أيضاً جلب السلاح عبر الحدود.
وأكدت شعيتير، أن حل هذه الإشكالية يكون ضمن سياسات عامة بشأن جمع السلاح وتسريح المحاربين، ضمن في إطار دستوري يحتكر السلاح والقوّة فقط للسلطات التنفيذية في الدولة المدنية تحت وزارتي الدفاع والداخلية، اللتان تمتلكان قرار إيقاف فوضى امتشاق السلاح واستخدامه دون مبررٍ قانوني .
ونوهت شعيتير، إلى أنه انتظمت خلال العشر سنوات الماضية ندوات وورش ومحاضرات من قِبل حقوقيين ومنظمات محلية، تنادت من أجل إيقاف فوضى استخدام الأسلحة خاصةً في المناسبات الاجتماعية، مشيرةً إلى القانون رقم (2) للعام 2014 الصادر عن المؤتمر الوطني العام، بخصوص تقرير بعض الأحكام في شأن حظر الأسلحة والذخائر والمفرقعات .(وال بنغازي).
تقرير| فاتح مناع