بنغازي 10 أبريل 2021 (وال)- أصبحت قضية التنمر من القضايا التي حققت تأثيرًا كبيرًا من ناحية وعي أفراد المجتمع بها، ومحاربة كافة أشكالها وقد كثفت العديد من الجهات الناشطة جهودها من خلال إقامة ندوات توعية وبرامج تثقيفية، على هذه الظاهرة وعلى آثارها وكيفية التصدي لها، خاصة بين طلاب المدارس.
ولكن ماذا إذا كان التنمر قد مُورّس من قبل المعلم على تلاميذه ؟، في حادثة قد أثارت استهجان العديد من مسؤولي المؤسسات التعليمية، حيث تعرضّ طفل في مرحلة الثانية الابتدائية في إحدى مدارس بنغازي، لاعتداء من قبل معلمته التي وضعت مشابك للشعر الخاصة بزميلته كعقاب له، وقامت بتعليقها على شعره عندما شاغب في سلوكه وقد منعته من أن يزيلها حتى نهاية الحصة الدراسية.
حيث عبّرت والدة الطفل “علي محمد” – في حديثها لوكالة الأنباء الليبية – عن صدمتها الشديدة عندما عاد إليها طفلها الأسبوع الماضي، وهو يشتكيها ما فعلته معلمته به، ليدخل بعدها “علي” في حالة نفسية سيئة وشعوره بالذعر، عندما يقوم أحد أفراد أسرته بالتحدث معه، وبعدم رغبته في التحدث والبكاء المتواصل، وعدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة.
تقول الوالدة بحرقة: ” نريد الذهاب بــ “علي” للمعالجة النفسية، خوفًا من أن تؤثر هذه الحادثة في شخصية الطفل مستقبلا، أيضًا على تحصيله العلمي الحالي، مؤكدة أن ما أثار غضبها هو التجاوز فيما فعلته المعلمة مع “علي”، حيث أن المعلمة لم تطلب من قبل التحدث مع العائلة أو أن تشتكي الطفل للأخصائية الاجتماعية، فقد تصرفت بشكل مباشر مع الطالب وقامت بأهانته.
تقول الأم أنها ذهبت للمدرسة وتحدثت مع المعلمة للتأكد مما قاله ابنها لتفاجأ برد المعلمة وتأكيديها أنها فعلت ذلك كون الطفل كثير الحركة ومشاكس أثناء الحصص، حيث قالت المعلمة وهي تشير بيديها على رأسها” نعم أنا وضعت مشابك الشعر له، وأنه لي الحق في تربيته بهذه الطريقة”.
وأكدت والدته أن والد “علي” ذهب وقدم شكوى للمعلمة في التعليم، أملا أن يتخذ في المعلمة كافة الإجراءات اللازمة لكي لا تكرر هذا الفعل مع طالب أخر.
من جانبه يعبّر الأخصائي النفسي الدكتور منصور الصيد عن صدمته من الحادثة، معتبرًا ما حدث تصرف خاطئ جدًا، وأن ما يمر بيه “علي” الآن نسميه في علم النفس “بالصدمة” التي سيتبعها اكتئاب، وعدم التحدث مع عائلته إشارة لذلك، فهو يعبر عن ذلك كردة فعل عما حدث له، حيث أنه لم يكن يتوقع هذا التصرف من معلمته، وتنمر باقي الطلبة عليه، معتبرًا ما حدث للطفل شيء مهين جدًا.
يتابع الصيد، أن المعلمة قد تعتقد إن هذا التصرف تصرف عادى لكن، الأطفال من عمر السنتين إلى ثمانية سنوات، يكون في مرحلة تكوين لشخصيته فعندما يتعرض لمثل هذا التصرف، فمن المؤكد أن يكون له تأثير كبير وأنه سيكون لدية مشاكل يعاني منها الطفل لفترات طويلة ليستطيع تجاوز ذلك.
وردا عن قول المعلمة إن ما قامت به نوع من التربية، فيؤكد الأخصائي النفسي أن هذا التصرف ليس تربية بل يعتبر إهانة مقصودة للطفل، بدليل أنه إذ كان سلوك تربوي عادي، فإن الطفل لم يكن ليتأثر بالطريقة التي تحدثت عنها الأم.
فالسلوك التربوي الصحيح لا يؤثر سلبًا على نفسية الطفل بل يجعله حذرًا أكثر، فمن الممكن إتباع أساليب أخرى للعقاب المدرسي من قبل المعلم على تلاميذه، كأن يطلب المعلم من الطفل الوقوف أمام السبورة، أو حرمانه من نشاط معين كالرياضة ومنع استخدامه لبعض الألعاب المفضلة وغيره، فالطفل سيصبح خائفًا من أن يتعرض لذلك فردة الفعل والتأثير سيكون أفضل بكثير مما فعلته المعلمة، فبتحويلها طفل ليكون بهيئة فتاة عن طريق وضع مشابك للشعر أو غيره، فبهذا السلوك هي قامت بتحقير ذات الطفل وإهانته بتحويله لمظهر فتاة، فاتحة كل المجال والفرصة للأطفال لكي يمارسوا عليه التنمر والتلفظ الذي سيكون تأثيره النفسي أشد قسوة من الجسدي.
لافتا بأن خطورة الأمر تكمنّ في أن المعلمة قامت بممارسة حقها وقوتها كمعلمة لتنفيذ هذا العنف على الطفل، وتحويله لأداة مستخدمة للإهانة من قبل كل المحيطين به، وتكوين فكرة لدي الطفل إن المعلمة والمدرسة سيجددون إهانته بهذه طريقة، بالإضافة إلى النظر له بنظرة دونية من قبل زملائه.
ويشير الاختصاصي النفسي إلى الآثار التي ستترتب لمثل هذه الاعتداءات النفسية، من اكتئاب وتدني المستوى الدراسي للطفل وعدم رغبته في الذهاب للمدرسة، وامتناعه عن التجاوب مع المعلمين أثناء الدروس لخوفه من التعرض لأي عقاب مشابه لذلك، بالإضافة للتأثير الاجتماعي وكيفية نظر باقي الطلبة له، فما حدث له مضاعفات سيئة جدًا، فبإنهاء صفته كطفل ذكر وتحويله لأنثى أمر خطير للغاية، وإعداد الطفل للفشل في التعليم ونفوره من المدرسة لاحقًا.
وقد قدم الدكتور منصور الصيد توجيهات لعائلة الطفل، أن يتم تشجيع الطفل ولابد من أن يتم عرض أمام الطفل بحضور المعلمة والمدير، أن تصرف المعلمة خاطئ وأن يقدم اعتذار له أمام زملائه لمحاولة لإرجاع ثقته بنفسه.
من جهتها، استنكرت بشكل كبير مُديرة إدارة الخدمة الاجتماعية والنفسية الدكتورة نادية البكوش هذه الحادثة، مؤكدة أن ما حصل هو جريمة بكل المقاييس بحق الطفل.
وقالت البكوش: “أن التعليم بالإضافة إلى تجريمه للعنف الجسدي ضد الطلاب، هناك أيضًا معايير لتعامل المعلمين مع الطلاب خاصة الفئة الابتدائية منها، فما حدث عنف لفظي وسلوكي معًا تم تطبيقه من قبل هذه المعلمة ضد الطفل، وأن هذا التصرف ليس من حقها، ولابد من أن يتم اتخاذ ضدها إجراء قانوني حال ثبتت الواقعة وبوجود شهود عليها، فالمعلم مهمته في حال واجهته صعوبة في التعامل مع أي طفل كان هو تقييم السلوك أولا ومن ثم التواصل مع الأخصائية الاجتماعية والمرشد النفسي في المدرسة، لتتواصل هي بدورها مع ولي أمر الطفل، وفقًا للترتيبات المنصوص عليها وعدم تجاوز الحدود”.
وأوضحت البكوش أنه في مثل هذه الواقعة يتم إعداد مذكرة بالخصوص، ويتم ذكر فيها جميع تفاصيل الحادثة ومشاركات الشهود، ليتم تحويله إلى مكتب المتابعة التابع لمكتب مراقبة التعليم بنغازي.
وأكدت البكوش أن ما حصل لا يمكن السكوت عليه، ومحاسبة كل معلم لا يحافظ على هذه الأمانة العلمية السامية، و لكي لا يتم الإساءة لشريحة باقي المعلمين الأفاضل الذين يمتهنون مهمة التعليم بالشكل الصحيح واحتواءهم المشاكل بطرق التربوية الصحيحة.
وفي ذات الشأن تواصلت وكالة الأنباء الليبية مع مراقب التعليم ببنغازي الأستاذ مصطفى بالحسن، الذي أعربّ عن استغرباه الشديد من تصرف هذه المعلمة.
وأكد بالحسن أن التعليم في كافة نواحي البلاد؛ يُشدد على عدم استخدام كافة أنواع العنف سواء كان لفظي أو نفسي ضد الطلبة، وأن في التعليم يمنع منعًا باتا كافة أنواع العنف ضد الطلبة والتجريح الكلامي، الذي له تأثير سلبي كبير على نفسية الطالب، فمثل هذه التصرفات ممنوعات داخل كل مؤسساتنا التعليمية.
ويتابع بالحسن: “فالطفل بالخصوص لابد من أن يتم احتوائه بشكل خاص، لكونه يمر بتجربة جديدة عليه بانتقاله من المنزل إلى المدرسة، فلابد من أن يكون الرابط بين المدرسة ومنزل كل طفل على سياق واحد، لتتم تهيئة الطفل بشكل صحيح وانخراطه بشكل سلس مع المواد التعليمية، بالإضافة إلى تركيزنا على الحفاظ على التعامل الهيّن مع الطفل خاصة في ظل ظروف الحروب التي عايشوها أطفالنا”.
وأوضح بالحسن أنه يتم متابعة كافة الخروقات من هذا النوع، وحال وصول معلومة عن أي حادثة يتم التحقيق فيها عن طريق إرسال لجنة تفتيش تقوم بالتحقيق مع كافة المسؤولين عن الحدث في المدرسة، ويتم التعامل معها وفقا للإجراءات المتبعة التي قد تصل إلى سحب الجدول التدريسي للمعلمة منها.
وأكد بالحسن أنه لا تهاون في التعامل مع مثل هذه الخروقات، لافتًا إلى أنه هناك الكثير من المعلمات والمعلمين الذين كان لهم الأثر الجيد لدى طلابهم وكانت لهم البصمة المهنية أثناء التعامل مع التلاميذ، أملا أن لا يسئ هذا التصرف الفردي لباقي المعلمين الذين يقومون بعملهم على أكمل وجه.
من جانب أخر، أجرت وكالة الأنباء الليبية استطلاع رأي بعض المعلمين والمعلمات لمعرفة كيفية تعاملهم مع طلابهم أثناء توجيهم، حيث تقول المعلمة إيمان ماضي: “لدي نوعين من العقاب استعمله مع تلاميذي في حال أخطأ فالأول أحرمه من الخروج للساحة المدرسية أثناء فترة الفطور ليتناول وجبته في الفصل، وأخر 10 دقائق أسمح له بالخروج، في الحقيقة أغلب تلاميذي يقومون بالاعتذار تلقائيًا، وأوضح له أني حزينة من تصرفه وسأمتنع عن تصحيح دروسه المكتوب لليوم، وأطرح عليه اتفاق بأن يقطع على وعد بعدم تكرار هذا التصرف، والثانية فكرة هي “العدو الخارجي” تكاد أن تكون الكلمة مضحكة، لكن كنت قد أطلعت على نظرية كهذه للتعامل وأن نكون فكرة أنا وتلاميذي أننا فريق واحد، ويد واحدة، ونقوم بحماية بعضنا خارج الفصل، وأنه لابد أن نجتهد لنتفوق على باقي الفصول سواء من الناحية التعليمية أو الناحية السلوكية، وقد لاقت هذه الفكرة نجاح مبهر.
في المقابل، يقول المعلم علي حمزة إن الشدة مطلوبة ولكن بحكمة، والعقاب النفسي أشد على أغلب الناس من الجسدي، يستذكر المعلم: “عندما كنت في مرحلة الرابعة الابتدائي عام 2000، كنا أطفال وكانت مدرستنا فاطمة نويجي، ذكرها الله بالخير، تواجه صعوبة كبيرة مع الطلبة المهملين، إلى أن قالت في يوم ما كلمة أثرت فيهم، بأن غدًا من لا يأتي بالواجب المدرسي ليس رجلا، لأن الرجال يوفون بكلمتهم ووعودهم، من ذلك اليوم أذكر التزام كل الفصل بالاجتهاد إلى أخر العام الدراسي، فاستخدام الأسلوب النفسي ذو تأثير كبير، ولكن يجب أن يتم تطبيقه بالشكل الصحيح والحذر”.
بدورها، تقول المعلمة زينب الورفلى: “بالنسبة لي كمعلمة للصفوف المرحلة الابتدائية، كان التعامل مع الطلبة عند توجيه أي ملاحظة عند تصرفهم بطريقة خاطئة أو غير لائقة، وعند إزعاج بعضهم البعض بالتنبيه اللفظي أولا، ثانيًا عند تكرار نفس التصرف بإعطاء أسئلة أو نشاط داخل الفصل، وعدم قبول أي إجابة من الطالب المخطئ أو النظر إليه، وأوضح له بأني حزنت من تصرفه ولست غاضبة عليه وأجد استجابة جيدة لهذا العقاب، وتقلل من إهدار وقت الحصة التعليمية، واجدها منطقية من حيث التأثير عليهم بطريقة جيدة غير مؤذية، وأما عند تكرار هذا التصرف فيتم توجيههم للأخصائي الاجتماعي، مع الإشارة إلى أن الأطفال في مثل هذه الأعمار، من الطبيعي جدًا تصرفهم وحركاتهم الكثيرة ولعبهم أيضًا، حيث تؤكد الدراسات بأن تركيز الطالب يقل بعد مرور 25 دقيقة من استمرار أي مدّ للمعلومات لهم .(وال- بنغازي) ف و/ ر ت
تقرير| فاطمة المبروك