أثينا 05 سبتمبر 2021 (وال) -أعلنت وزارة الثقافة اليونانية، إن المؤلف الموسيقي اليوناني ميكيس ثيودوراكيس، الذي أسهمت موسيقاه الخالدة في فيلم “زوربا اليوناني” عام 1964 في ترسيخ صورة البلد المشمس السعيد في عيون الملايين من السائحين، توفي الخميس الماضي عن عمر يناهز (96) عاما.
وبقامته الطويلة وهيئته المفكرة وشعره المتموج، أطلقت موسيقى ثيودوراكيس رؤيته الخاصة للعالم: رؤية تقدمية وديمقراطية للشيوعية، وقالت وزيرة السياحة لينا ميندوني “اليوم فقدنا جزءا من روح اليونان ميكيس ثيودوراكيس، ميكيس المعلم والمثقف والثوري، ميكيس اليوناني، رحل”.
السياسي والموسيقار اليوناني العالمي ميكيس ثيودوراكيس، ربما يجهل البعض هذا الاسم، لكن موسيقاه لا يجهلها أحد، كثيرون رقصوا على موسيقى زوربا رقصة أصبحت عالمية، يعرفها الجميع إن لم يكن بآذانهم فبأجسادهم، وإن لم يكن بأجسادهم فبأعينهم التي تتابع تلك الحركات الشهيرة للرقصة الأشهر عالميا.
ثيودوراكيس هو مؤلف تلك الموسيقى، وغيرها من موسيقات عالمية، تجاوز من خلالها حدود الجغرافيا ليكون عابرا كل شبر في العالم كالضوء. وكان ثيودوراكيس المولود عام 1925 في جزيرة قريبة من السواحل التركية، قد دخل المعترك السياسي في سنوات الشباب، وتحديدا في فترة الحرب الأهلية التي عرفتها بلاده من عام 1945 حتى عام 1949.
وفي إحدى المظاهرات الصاخبة أصيب بجراح خطيرة حتى أن من كانوا بجانبه ظنوا أنه فقد الحياة، كما عرف في تلك الفترة السجن، وتعرض للتعذيب الوحشي، في السادس والعشرين من شهر مارس عام 1946، اعتبر من عداد الأموات، ونقل جسده إلى المشرحة، ولسوء حظ جلاديه نهض من بين الأموات، ليتم نفيه إلى جزيرة إيكاري، وبعدها إلى السجن الرهيب في ماكرونيسوس، حيث دفن حيا مرتين، وكان واحدا من قلة نجت من عمليات التعذيب هناك، لتطارده الكوابيس على مدى سنوات. وقبل ذلك التاريخ تم اعتقاله في طرابلس على يد قوات الاحتلال الإيطالي، وتعرض للتعذيب.
وبعد إطلاق سراحه عاد إلى أثينا، ليشارك في النضال ضد الاحتلال الألماني والإيطالي، في تلك الفترة حمل البندقية بيد، وكتب الموسيقى بالأخرى، مواظبا على تلقي الدروس في معهد أثينا العالي، بسرية.
لما فتح عينيه على الدنيا لاحظ أن الموسيقى هي الأكثر حضورا، فقد كانت أمه تغني له قبل النوم، وأثناء النهار، وكانت جدته تفعل الشيء ذاته.
وعندما كبر، تجول في الجزر اليونانية، وفي كل مكان يذهب إليه، كان يجد الناس يغنون، إما من فرط السعادة أو من فرط الحزن. والبحارة يغنون وهم يستعدون للإبحار، أو هم عائدون الى الموانئ، والمزارعون يحرثون، ويحصدون، وهم يغنون، والنساء يغنين في حفلات الأعراس وفي المآتم، الكل يغني.. واليونان كلها تغني، فالموسيقى هي الفن الأول في الكون.
شغف ثيودوراكيس بالموسيقى ظهر في سن مبكرة جدا، حيث اشترى آلة الكمان في سن الثامنة، وفي الثانية عشرة بدأ يكتب ألحانه الخاصة، وكانت سنوات 1954 – 1960 فترة نشاط قوي له، ألف خلالها ألحانا موسيقية للعديد من رقصات الباليه والأفلام السينمائية.
جهوده لم تضع هباء، فقد حصل على دبلوم عال في الموسيقى عام 1950، وبعد ثلاث سنوات التقى المرأة التي تزوجها، وغادر برفقتها إلى باريس، هناك تتلمذ على يد أشهر الموسيقيين الفرنسيين، ليحصل بعد أربع سنوات على الميدالية الذهبية في مهرجان موسكو، ويعتبر الفنان من أشهر واضعي موسيقى الأفلام، التي ألف فيها مقطوعات خالدة.
وقد نال جائزة البافتا لأفضل موسيقى كتبت لفيلم، عام 1970، وهو الفيلم الفرنسي “Z” الذي صورت أحداثه في الجزائر، للمخرج الشهير كوستا غافراس، ونال جائزة أوسكار الأفلام الأجنبية، وقام بالبطولة فيه إيف مونتان وإيرين باباس. “زد”، ليس الفيلم الوحيد الذي كتب موسيقاه، هناك أفلام أخرى، مصنفة بين الروائع، نذكر منها: إلكترا، وفيدرا، وأفيجينيا، وحالة حصار، ويوم خرجت السمكة من الماء.. ويبقى أهمها جميعا، الفيلم الذي حجب جميع العاملين فيه في الظل، وتسيد المشهد، حيث طغت الموسيقى والقصة على ما عداها ألا وهو “زوربا اليوناني” المقتبس عن رواية بنفس العنوان للكاتب اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس.
لم يستطع ثيودوراكيس وبطل الفيلم أنتوني كوين الخروج من عباءة شخصية زوربا المكتوبة بروح نادرة والمصقولة بأفكار الكاتب وتأملاته وجنونه، تحول الخيال، بجهود المخرج مايكل كاكويانيس، وجهود الممثلين ورفعة الموسيقى تحول الخيال إلى حقيقة واقعة، وكأننا بأشخاص الفيلم وأحداثه وموسيقاه، التي رقص العالم على أنغامها، موجودة منذ الأزل.
وفي عام 1964 حصد الفيلم جوائز الأوسكار، أفضل تصوير، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة مساعدة، لكن المفارقة أن ثيودوراكيس بموسيقى الفيلم التي انتشرت في شتى أرجاء العالم بقي في الظل، وفي تعليقه على سر النجاح الكبير لموسيقى فيلم زوربا قال “لم يكن الأمر صعبا علي.. فعندما قرأت الرواية، شعرت أن زوربا العاشق للحياة والفن يشبهني كثيرا، بل هو أنا، نعم أنا ولا أحد غيري”. ورغم أنه كان عضوا في الحزب الشيوعي، فإن ثيودوراكيس ظل عاشقا للحرية، رافضا للدوغمائية التي كانت تتحكم في النقد الراضخ لما كان يسمى بـ”الواقعية الاشتراكية”، وبعد انتهاء الدكتاتورية، انتخب نائبا في البرلمان، وكان دائم الدفاع عن القضايا العادلة، منتقدا كل مظاهر الفساد والظلم في بلاده.(وال أثينا )ح م/ س خ