نيويورك في 24 سبتمبر 2021 م ( وال )- ألقى رئيس المجلس الرئاسي ” محمد المنفي ” كلمة ليبيا أمام الدورة الـ (76 ) للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تناولت الموقف والسياسة الليبية تجاه العديد من المواضيع والقضايا المحلية والإقليمية والدولية ، وفيما يلي نصها حسبما وردت من المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي .
السيد الرئيس – أصحاب الفخامة والمعالي- حضرات السيدات والسادة .
في البداية يطيب لي باسم الشعب الليبي، أن أهنئكم على انتخابكم رئيساً للدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مُتمنيًا لكم النجاح والتوفيق في المهام المنوطة بكم، وأؤكد لكم استعداد وفد بلادي للتعاون معكم بما يسهم في تحقيق أهداف هذه الدورة – الشكر موصول كذلك إلى سلفكم على ما بذله من جهود خلال رئاسته لأعمال الدورة الماضية، كما لا يفوتني أن أشيد بالجهود التي يضطلع بها معالي الأمين العام للأمم المتحدة لتحقيق أهداف ومقاصد الأمم المتحدة.
إن انعقاد هذه الدورة في ظل الظروف الصعبة لجائحة كورونا وآثارها المستمرة، التي سببت خسائر بشرية فادحة، ومصاعب اقتصادية جمة في مختلف البلدان، يحتم علينا التأكيد مجدداً، على ما دعت إليه الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، من أنه لا سبيل للتصدي للوباء إلا بالتضامن وتعزيز التعاون الدولي المشترك، وتوحيد الجهود نحو القضاء على هذه الجائحة، والتأكيد على دعوة الأمين العام بشأن وقف العمليات العسكرية والنزاعات المسلحة، وتوفير الموارد لمواجهة هذه الجائحة.
السيد الرئيس – حديثي لكم اليوم يركز على التطورات في ليبيا لما تعكسه من تحديات وشواغل، مع اقتراب الموعد المحدد لإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل ، إن ليبيا تشهد مرحلة مفصلية بل ومصيرية، فإما النجاح نحو التحول الديمقراطي عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ومقبولة النتائج، ومن ثم الانطلاق نحو الاستقرار الدائم والازدهار، وإما الفشل والعودة إلى مربع الانقسام والصراع المسلح .
وبالنظر إلى هذه الوضعية الصعبة وما تعكسه من مخاوف، تبرز الحاجة إلى وجود ضمانات حقيقية نحو تحقيق النجاح الذي يصبو إليه الليبيون للوصول إلى دولة ديمقراطية مدنية- وبالرغم من الإنجازات التي سعينا لتحقيقها، سواء بتثبيت وقف إطلاق النار من خلال التصدي لأي محاولات لتقويضه، ومعالجة أي احتقان نشأ بين الأطراف، وأيضًا العمل مع اللجنة العسكرية المشتركة لفتح الطريق الرابط بين الشرق والغرب الليبي.
لا زالت مشكلة إخراج القوات والمرتزقة الأجانب من البلاد تشكل تحدياً حقيقيًا، وندعو في هذا الخصوص المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته لدعم الجهود الجارية في هذا الشأن، باعتباره من بين التحديات الهامة بما يسهم في إجراء الانتخابات بصورة آمنه وحرة ونزيهة وشاملة.
السيد الرئيس – لقد عملنا منذ استلام مسؤولياتنا على معالجة عدة ملفات هامة، وتحقيق الاستحقاقات المطلوبة، والمضي قدماً في بذل كل ما يمكن من جهود لضمان التنفيذ الكامل للالتزامات المتفق عليها، وخاصة خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، ومخرجات مسار برلين، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إلا إننا نواجه تحديات حقيقية وتطورات متسارعة تدفعنا من موقع المسؤولية التفكير في خيارات أكثر واقعية وعملية، تجنبنا مخاطر الانسداد في العملية السياسية الذي قد يقوض الاستحقاق الانتخابي، الذي نتطلع إليه ويعود بنا إلى المربع الأول.
من هذا المنطلق، وعبر هذا المنبر أعلن عن إطلاق دعوة تتضمن عددًا من العناصر والخطوات التي تهدف إلى الحفاظ على العملية السياسية، وتجنب البلاد الدخول في تعقيدات أزمة جديدة. ترتكز دعوتنا إلى اجتماع الأطراف المعنية ممثلة في قيادات المؤسسات السياسية والعسكرية المعنية، لتيسير الوصول إلى توافق حول ضمانات فاعلة للحفاظ على العملية السياسية، وإجراء انتخابات آمنة وشفافة ونزيهة ومقبولة النتائج ، العمل على هذا المسار يستلزم بالدرجة الأولى تنازلاً من الجميع، والتحلي بروح المسؤولية ، ووضع مصلحة الوطن فوق أي مصالح أخرى.
السيد الرئيس – قُدمت إلى ليبيا في السنوات الماضية عديد من المبادرات والمقترحات الدولية في محاولة لحل الأزمة والتي لم تكتمل شروط نجاحها، واستعادة لزمام المبادرة، وحرصاً على ملكية الليبيين وقيادتهم لها، تبادر ليبيا إلى استضافة اجتماع دولي خلال شهر أكتوبر القادم، وذلك في إطار طرح (مبادرة دعم استقرار ليبيا)، وهي تتناول مختلف المسارات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، استناداً على المخرجات السابقة بشأن ليبيا، وتهدف المبادرة إلى ضمان استمرار الدعم الدولي بصورة موحدة ومتسقة وفقاً لرؤية وطنية شاملة ، وسينعقد المؤتمر بمشاركة المؤسسات والجهات الوطنية ذات العلاقة، وكذلك الشركاء على المستويين الدولي والإقليمي.
لا شك أن المصالحة الوطنية تمثل عنصرًا أساسيًا في نجاح العملية السياسية وتحقيق الاستقرار الدائم. ولهذا شرع المجلس الرئاسي منذ بداية عمله على جعل هذا الهدف أولى أولوياته، من خلال تأسيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، وإطلاق المصالحة الشاملة بتاريخ 6 سبتمبر الجاري، تم خلالها عدة خطوات لإعادة بناء الثقة بين الليبيين، كان أولها تبادل المحتجزين، والإفراج عن عدد من السجناء الذين قضوا فترة أحكامهم، أو ثبتت براءتهم. كلنا نعلم أن مشوار المصالحة طويل ولا يكتمل إلا بتطبيق العدالة الانتقالية، والمصارحة والمكاشفة والاعتراف بالخطأ، وجبر الضرر، وكذلك العمل على عودة المهجرين والنازحين والكشف عن مصير المفقودين، فبهذه الخطوات يمكن أن نمضي قدماً نحو إنجاح مشروع مصالحة وطنية حقيقية وشاملة.
السيد الرئيس – على الجانب الاقتصادي، ينظر المجلس الرئاسي الليبي باهتمام والتزام كبيرين، إلى مخرجات المسار الاقتصادي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وشارك فيه نخبة من الخبراء الليبيين، ونعتقد بأن هذه التوصيات هي أحد أركان الحل ونزع فتيل الصراع في ليبيا، ابتداءً من التعامل مع المختنقات الآنية للاقتصاد، مرورًا بتوحيد المؤسسات الاقتصادية، وانتهاء بالقضايا الاقتصادية الإستراتيجية كالمشاركة في الثروة، وهيكلة الاقتصاد وإعادة الأعمار، ولما كان أحد مقاصد إنشاء الأمم المتحدة هو توحيد وتنسيق الجهود الدولية لمواجهة التحديات، ومعالجة الأزمات، والتصدي للتهديدات التي يشهدها العالم، فان بلادي كانت ولا زالت بوصفها عضو في منظومة الأمم المتحدة، تشارك في هذه الجهود الدولية.
فلطالما أدانت بلادي الإرهاب بجميع أشكاله وصوره ومصادره ودوافعه ومبرراته، وما فتئت تؤكد على أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا علاقة لها، ولا ارتباط بأي دين أو عقيدة، ولقد قارعنا واحدة من أسوأ وأشرس صور الإرهاب التي شهدها العالم أجمع في كل أنحاء ليبيا، وقدمنا فلذات أكبادنا من شباب بلادنا في سبيل الحفاظ عليها خالية من الإرهاب، وقد شهد القاصي والداني ملحمة اجتثاث تنظيم داعش الإرهابي من أرض ليبيا الطاهرة، وبذلك فإننا أيضاً قدمنا مساهمة عظيمة في التصدي الظاهرة الإرهاب على المستوى الإقليمي والدولي.
السيد الرئيس – رغم ما تعانيه بلادي من صعوبات وما تواجهه من تحديات أمنية واقتصادية خلال الأعوام الماضية، إلا أننا لم نغفل عن حماية وتعزيز حقوق الإنسان، ولقد ظلت هذه المسألة ضمن أولوياتنا، ونحاول الإيفاء بالتزاماتنا تجاه مواطنينا بالدرجة الأولى، وكذلك بالتزاماتنا الدولية ما استطعنا، وتعمل ليبيا بشكل بناء كعضو في مجلس حقوق الإنسان، ونتطلع لزيادة التعاون مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في ليبيا، والاستفادة من برامج الدعم التقني والاستشاري التي تقدمها المفوضية.
السيد الرئيس- لطالما شكلت ظاهرة الهجرة تحديًا كبيرًا أمام المجتمع الدولي، ولقد تأثرت بها بشكل مباشر دول بعينها من بينها بلادي التي ظلت تواجه تداعيات هذه الظاهرة، واستمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر البلاد، وما تسبب عن ذلك من مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية، وقد تحملت بلادي عبئًا كبيرًا يستوجب دعم المجتمع الدولي، فنحن نؤمن بأن هذه الظاهرة لا يمكن مواجهتها إلا بتضافر الجهود، ولا يمكن أن تتحمل ضريبتها دول العبور، مع تأكيدنا علي احترام الجانب الإنساني، وتوفير الحماية، واحترام حقوق الإنسان لهذه الفئة من المهاجرين.
السيد الرئيس –
إن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق باستمرار الأعمال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وإننا نؤكد على موقفنا الثابت الداعم للشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وستظل ليبيا داعمة للقضية الفلسطينية وما يقرره الفلسطينيون من توجهات للوصول إلى هدفهم المنشود بإنشاء دولة مستقلة.
السيد الرئيس – ليبيا من أقدم الأسماء في التاريخ، على أرضها تلاحقت الحضارات الفينيقية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، منذ أكثر من 10 آلاف عام، وساهمت في تطور الفكر الإنساني بإيجابية.
بلد الكنوز الصامتة والأعراق المتآلفة، عربًا وأمازيغ، وتبو، وطوارق، فسيفساء رائعة، تركت بصماتها على صخور جبالها في أكاكوس، والعوينات، وعلى شواطئ المتوسط في قورينا ولبده الكبرى، وفي واحاتها الجميلة في جرمة وغات وسط الصحراء.
ختامًا، أيها الشعب الليبي، شهد لكم التاريخ بالكفاح والنضال ومقارعة الاحتلال والاستعمار، وأثبتم قدرتكم على مواجهة التحديات والأزمات، أنتم شعب ذو إرادة قوية وعزيمة صلبة، وإننا على ثقة من أننا معاً سنكون قادرين على الخروج من هذه المحنة أقوي مما كان، وأصلب من ذي قبل. ستبقى ليبيا بشعبها العظيم واحدة موحدة شامخة حرة أبية. (وال) ف م/ ر ت