حاورته: هدى الشيخي
بنغازي 17 أكتوبر 2021 (وال) -كشف المدير التنفيذي لمفوضية المجتمع المدني -بنغازي إبراهيم المقصبي أن إحدى أكبر المنظمات الدولية على مستوى العالم ارتكبت عبر ممثلها في ليبيا، عملية فساد ممنهجة من خلال بيعه لثمانين ألف يورو في السوق السوداء، وتم اكتشافه من خلال المتابعة الدقيقة ضمن عمل المفوضية.
وأوضح المقصبي في حوار أجرته مع وكالة الأنباء الليبية (وال) أن ممثل هذه المنظمة استلم المبلغ لصالح أعمالها في ليبيا، لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية أبلغت المفوضية بالخصوص، وهي بدورها قامت على الفور بتجميد عمل المنظمة.
وأشار إلى أن المفوضية قدمت خطابا رسميا للمنظمة، ليتضح أن القائمين بهذه التجاوزات موظفين بالإدارات الوسطى للمنظمة وتم فصلهم، بعد أن تقدمت المنظمة باعتذار رسمي للدولة الليبية وتكليف مفوض آخر، مؤكدة إخلاءها مسؤوليتها أية إجراءات قانونية تجاه الأطراف المتورطة باعتبارها تهريب عملة.
وعزا المقصبي حدوث بعض الاجتهادات أو الاختراقات والتجاوزات التي وصفها بالبسيطة؛ تأتي لجهل الموظفين الليبيين بالمنظمات الدولية والإجراءات والقوانين المحلية.
معايير دولية متعارف عليها في المنح
وحول المنح الدولية المقدمة للمنظمات المحلية، أوضح المدير التنفيذي للمفوضية أن “الآلية المتبعة تكمن في الإعلان المباشر عبر الصفحات أو المواقع الرسمية للجهات المانحة عن المنح المقدمة نظير تنفيذ مشاريع في ليبيا”، لافتا إلى “أن الأمر مرتبط بقوانين المانحين سواء الاتحاد الاوروبي أو وزارات الخارجية للدول الاتحاد الأوروبي والوكالة الأمريكية للتنمية وغيرها”.
وأشار إلى أن هذه الجهات المانحة تخصص هذه المنح من أموال الضرائب في بلدانها كنوع من المسؤولية الاجتماعية تجاه عمل منظمات المجتمع المدني، وتعزيز علاقاتها خارجيا، موضحا أن ليبيا دخلت ضمن الدول المستهدفة باعتبار بلادنا منطقة نزاع.
واستطرد المقصبي قائلا: “تتقدم المنظمات المحلية بمقترحاتها للحصول على المنح، وهنا تكمن المشكلة، لأن مهارات التقديم وفق المعايير الدولية المتعارف عليها، وآلية متابعة الإعلان الخاص بالمنح لا يمتلكها سوى عدد محدود جدا”.
وأوضح المدير التنفيذي للمفوضية أن عددا من المنظمات الأجنبية تحدد شركاءها المحليين، وتخصص لهم المنح، لافتا إلى أن متابعة الأمور من قبل المفوضية كشف أن هذه المنح لم ترد في التقارير المالية للمنظمات المحلية، والتي تبين بعد استدعائها والتحقيق معها بالخصوص أنها تتعامل مع المنظمات المانحة بحسابات مصرفية غير معلومة لدى المفوضية وحساباتها لدى المفوضية (صفر)، وهو ما عرّضها لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
كما أوضح أن تقارير عمل المنظمات الدولية التي تتطلع عليها المفوضية بينت أن بعض المنظمات المحلية تحصلت على منح دون أن تخطر المفوضية، ولذلك تم جميد عمل أكثر من منظمة للأسباب ذاتها.
أذونات محلية للدوليين
وفي هذا السياق، أكد المقصبي أن الإدارة العامة للمفوضية ببنغازي وفي محاولة منها لإيجاد فرص أكبر لاستفادة أكبر عدد محلي من المنح الدولية -بالنظر إلى شح الموارد والإمكانيات-تم الاتفاق مع المانحين لتعديل خطتهم في برامج الاستهداف المحلي لتنفيذ برامج (التنظيم الإداري، وبناء المؤسسة إداريا وماليا، وكتابة الاستراتيجيات المنظمة وكتابة المشاريع).
ولفت إلى أن من شأن هذه البرامج الرفع بمستوى الوعي والخدمات بالمنظمات المحلية، موضحا أنه خلال العام 2017 ميلادي، فقط؛ أثمرت هذه الشراكة عن تدريب قرابة 70 منظمة محلية.
وفي سياق آخر، أوضح المقصبي أن جل المنظمات الدولية المتواجدة في ليبيا متحصلة على الأذونات اللازمة لممارسة أنشطتها في البلد، لافتا إلى أن المنظمات الأجنبية غير الحكومية، مستنداتها مترجمة ومعتمدة من السفارة الليبية في الخارج والشؤون القنصلية في الداخل، ومع ذلك تمنح الموافقات الأمنية من الجهات ذات الاختصاص من عدمه.
وأشار إلى أن دخول المنظمات الدولية إلى ليبيا يتم بشكل شرعي وقانوني، وأن المفوضية تلزم هذه المنظمات بتقديم تقارير ربع سنوية عن أنشطتها وفقا للمشروع القادمة لتنفيذه في ليبيا والذي تمت الموافقة عليه مسبقا، مؤكدا أن الدورات التدريبة الخارجية تتم وفقا لترشيحات المفوضية.
ونفى المقصبي اعتقاد البعض أن ملف المنظمات الدولية أسير للفوضى أو أنه لا يخضع لأية ضوابط، مؤكدا تداخل عمل المفوضية مع عديد الجهات وعلى رأسها وزارة الخارجية والتعاون الدولي، والجهات الأمنية بما يعزز الأمن القومي لليبيا.
أنشطة مخالفة للأهداف المعتمدة
ومن جهة أخرى، أكد المدير التنفيذي للمفوضية – بنغازي أن أسماء المنظمات تضبطها لائحة معتمدة من مجلس إدارة المفوضية منذ العام 2016 ميلادي، مشيرا إلى أن المحاذير محددة وواضحة بحسب اللائحة.
وأوضح أن المنظمات يفترض بأنها تنشط وفقا للأهداف الموجودة في نظامها الأساسي، لافتا إلى أن تقارير أنشطة تلك المنظمات التي ترد للمفوضية تبيّن أن عددا منها مطابق لهذه الأهداف وغيرها ليس مطابقا لها.
وأشار إلى أن المفوضية تقوم بتوجيه المنظمات المخالفة وتنبهها، قائلا: إن “بعض المخالفات والشكاوى ترد من المنظمات وفيما بينها أو العاملين بها، تشير في مجملها لتغوّل رئيس مجلس الإدارة على بقية الأعضاء أو حيال شبهات فساد وغيرها.
وبشكل لافت للانتباه، أشار المقصبي إلى أن عددا من الشكاوى وردت للمفوضية من الجهات العامة حول عدد من المنظمات من بينها على سبيل المثال ورود شكوى من قبل صندوق الضمان الاجتماعي “صندوق الضمان الاجتماعي”، ومصرف “التجارة والتنمية “، ومصرف “ليبيا المركزي” حول إحدى المنظمات المحلية كونها تقوم بتجاوز قانوني في صورة الحجز الإداري على مؤسسات الدولة تحت مسمى محاربة الفساد و الإرهاب، مؤكدا أن نظامها الأساسي لا يمنحها الأحقية في هذا الإجراء ، إضافة إلى كون الحجز الإداري هو اختصاص أصيل لعدد من الجهات وفقا للتشريعات الليبية النافذة.
واعترف المدير التنفيذي للمفوضية أنه بالرغم من مرور عقد من الزمن على التجارب إلا أن معظم المنظمات المحلية لم تتمكن من ترسيخ ثقافة العمل المدني.
وأوضح أن بعض مؤسسي المنظمات يعانون عدم الفهم، وهم بهذا لا يتنصلون من مسؤوليتهم بإخضاع المنظمات لدورات تدريبية قبل منحها للإشهار، لتصبح مؤهل بكافة المهارات المطلوبة بالرغم من شبكة العوائق التي تجعلهم عاجزين.
وفي ختام اللقاء، قال المقصبي إن جل المشاكل التي تعاني منها المفوضية بسبب تقديمها للائحة معيبة، خاصة وأنه يسبقها تشريعات تنظم وتضبط عمل المجتمع المدني ماتزال غائبة هي الأخرى، على الرغم من تقديم مشروع القانون مرتين لكنه لم يعتمد.
حالة الانقسام التي تعيشها المفوضية
ولفت المقصبي إلى حالة الانقسام التي تعيشها المفوضية بوجود جسمين متوازيين في كل من بنغازي وطرابلس، إضافة إلى غياب الميزانية منذ أعوام خمسة، وعدم اكتمال الكادر الوظيفي، فضلا عن كون الموجود لم يحظ بالتأهيل المطلوب.
وقال: ” نحن في انتظار قرار حكومة الوحدة الوطنية بتوحيد المفوضية في جسم واحد”، معرب عن أمله في أن يتم الأمر ويصدر القرار قريبا.
وكشف أن عدد المنظمات المحلية المقيدة لدى المفوضية في ليبيا منذ العام 2011 بلغ 6000 منظمة، مؤكدا أن الناشطة والفاعلة منها لا تتجاوز الألف منظمة.
واستطرد قائلا إن: “لدى ليبيا 27 منظمة عالمية تعمل بإذن مزاولة ممنوح لها من قبل الإدارة العامة للمفوضية ببنغازي”، مؤكدا أن ضعف الإمكانيات يجل المفوضية مكتوفة الأيدي، وفقا لتعبيره.
وأضاف أن: أدوات المفوضية محدودة في المراقبة، وأنها تتم عبر التقارير الفنية والمالية من خلال التحديث السنوي، مشيرا إلى أنه وبمرور الوقت ومن خلال نماذج المفوضية الاسترشادية دربت المنظمات نفسها.
وأكد أن هذه الخطوة السنوية؛ لا تخفى حاجة المفوضية للمراقبة الدورية ووضع آلية مبسطة وسهلة، مشددا على أن المفوضية جهة داعمة ومنظمة أكثر من كوننا مراقبة ومسيطرة. (وال-بنغازي) هـ ش/ ا م