سرت 25 يناير 2022 (وال) – يعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية من أولويات كافة الدول، ولا سيما المحاصيل الإستراتيجية (كالقمح والشعير)، كما يعد منهج ثابت وهدف استراتيجي يتطلب التوسع الأفقي بزيادة المساحات المزروعة، وأيضا التوسع الرأسي من خلال زراعة أصناف ذات إنتاجية أعلى.
سعي ليبيا للاكتفاء الزراعي
ليبيا كغيرها من الدول سعت إلى تحقيق اكتفاءها الزراعي، فقد عملت في الفترات السابقة على تقليص فجوة الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح، حيث وصل الإنتاج إلى 400 ألف طن، ولكن الأمور تبدلت بعد إجراءات التقشف التي أعلن عنها مصرف ليبيا المركزي عام 2015م، وتوقف الدعم للمزارعين من (الأعلاف والسماد واليوريا)، كما توقف شراء إنتاجهم فيما يتعلق بمحصول الشعير والقمح، وتُرك التسويق للعرض والطلب في السوق المحلي، ما أثر سلباً على هذا القطاع وفاقم من الأوضاع المعيشية للمزارعين.
وتستهلك ليبيا التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب عن 7 ملايين مواطن، نحو 1.8 مليون طن من الحبوب سنوياً، وتستورد 90% من القمح اللين من الخارج والباقي يُغطى من الإنتاج المحلي، كما يبلغ استهلاك ليبيا في العام 100 ألف طن من القمح الصلب، وتغطي باقي الاحتياجات عبر الاستيراد من الخارج، حيث يتركز محصول القمح ( الطري – الصلب) بالمشاريع الإنتاجية الصحراوية ومشاريع استثمار مياه النهر الصناعي.
وبحسب تقارير رسمية، تبلغ الأراضي الصالحة للزراعة في ليبيا ما يقارب 3 مليون هكتار، ويبلغ عدد المزارعين ما يقارب عن 100 ألف.
إنشاء جهاز استثمار المنطقة الوسطى لتحقيق الاكتفاء
ولدعم عملية الاكتفاء الزراعي في ليبيا، تم إنشاء جهاز استثمار مياه النهر الصناعي المنطقة الوسطى، بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة “سابقاً” رقم (247) لسنة 1425ميلادي، وكلف له اختصاصات وضع الخطط والبرامج الخاصة بتنفيذ المشاريع الزراعية المتكاملة ومتابعة كافة مراحل تنفيذها، بالإضافة إلى إعداد الدراسات والأبحاث الاقتصادية والفنية المتعلقة باستغلال واستثمار مياه المرحلة الأولى للنهر الصناعي، في الأنشطة الزراعية وتحديد مواقع هذه المشاريع.
وحدد له أيضاً اختصاصات تنفيذ المشاريع الزراعية والمرافق المكملة لها، إلى جانب إدارة وتشغيل المشاريع الزراعية الواقعة في إطار استغلال واستثمار مياه المرحلة الأولى للنهر الصناعي بالمنطقة الوسطى بعد الانتهاء من تنفيذها، وتصنيع وتسويق إنتاج المشاريع المقامة على مياه المرحلة الأولى بالمنطقة الوسطى، وتوفير الآلات والمـعـدات والمستـلـزمات اللازمـة لتـنفيذ المشاريع الواقعة تحت إشراف الجهاز.
سياسة التنمية الزراعية في ليبيا
وحول دور جهاز استثمار مياه النهر الصناعي في دعم تحقيق الاكتفاء الزراعي تحديداً في المنطقة الوسطى، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الإستراتيجية (القمح والشعير) خلال الفترة الحالية، تواصلت ـ وكالة الأنباء الليبية ـ مع رئيس لجنة إعداد قاعدة البيانات الزراعية بجهاز استثمار مياه النهر الصناعي المهندس (عبد الرحمن محمد عيسى) الذي قال: أن السياسية العامة للتنمية الزراعية في ليبيا تهدف إلى تحقيق أقصى زيادة ممكنة من الإنتاج المحلي الزراعي والحيواني، بما يكفل تحقيق أكبر نسبة ممكنة من الاكتفاء الذاتي من هذا الإنتاج، وتقليص الحاجة للاستيراد من الخارج إلى أدنى مستوى.
وتابع عيسى: تهدف هذه السياسة إلى زيادة فرص العمل المتاحة للأيدي العاملة الوطنية في المجال الزراعي إلى جانب زيادة الاستثمارات الوطنية في هذا القطاع، مع دعم سياسة التصنيع الغذائي للمواد الخام الزراعية، وبذلك أصبحت سياسة التنمية الزراعية بليبيا في خطين متوازيين، الخط الأول يهدف إلى تنفيذ المشاريع الإنتاجية الكبيرة التي تأخذ على عاتقها رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية (الحبوب والأعلاف)، والخط الثاني يهدف إلى تنفيذ المشاريع الاستيطانية من المزارع الصغيرة، ودعم القائم منها فعلاً لتحقيق الاستقرار السكني، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال من قبل قطاع الأفراد.
استراتيجية التنمية الزراعية اعتمادا على مياه النهر
وحول تحقيق الإستراتيجية العامة للتنمية الزراعية اعتماداً على مياه النهر الصناعي في المنطقة الوسطى الممتدة على طول التفرع الغربي للمنظومة من مدينة (إجدابيا إلى سرت)، أوضح المهندس الزراعي: أن جهاز استثمار مياه النهر الصناعي المنطقة الوسطى، قام بتنفيذ هذه الإستراتيجية والتي انحصرت في ثلاث اتجاهات رئيسية أولاً: دعم المزارع القائمة فعلا في مناطق ( السواوة و أبو زاهية ، الأودية الغربية ، وادي الحنيوة ، سلطان والعامرة ، وادي هراوة ، أودية الشرقية)، ثانيا: استصلاح مناطق جديدة واستثمارها زراعياً كمشاريع إنتاجية عامة كمشروع ( المزارع الكبيرة ومشروع وادي تامت) أو مشاريع استيطانية كمشروع (النوفلية و بشر)، ثالثا: تنفيذ بعض المشاريع محدودة الخدمة كمشروع (المراعي الوادي الأحمر ومشروع زراعة النخيل في الوادي الفارغ).
وأكمل عيسى: أنه تم وضع تركيبة محصولية مناسبة لهذه المشاريع، التي يمكن من خلالها تحقيق مردود اقتصادي جيد من استثمار مياه النهر الصناعي، تتوافق مع الإستراتيجية الغذائية العامة للدولة، والتي من خلالها يتم تحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي في مجال الإنتاج الزراعي خاصة (الحبوب والأعلاف)، حيث تشمل التركيبة المحصولية ( القمح ، الشعير ، الذرة الشامية ، البرسيم الحجازي ، مخلوط الشوفان ، الذرة الرفيعة ، الخضروات والفاكهة بأنواعهم ، النخيل).
مساحة المشاريع الزراعية في منظومة (إجدابيا – سرت)
وأشار إلى أن إجمالي مساحة المشاريع الزراعية في نطاق منظومة (إجدابيا – سرت) أكثر من 25 ألف هكتار.
مشروع المزارع الكبيرة
وحول المشاريع الإستراتيجية الزراعية الكبيرة التي أنشأها جهاز استثمار مياه المنطقة الوسطى لتحقيق الأمن الغذائي بين عيسى: أن لدى الجهاز مشروع المزارع الكبيرة المقيم على مساحة 5 ألاف و 400 هكتار، بأحدث نظم الري (الري المحوري)، مقسم إلى أكثر من 90 دائرة زراعية مساحتها (25/50/75) هكتار، خصصت 80% منها لزراعة محصول القمح، والمتوقع أن ينتج 20 ألف طن من القمح سنوياً، وهو ما يحقق الاكتفاء الزراعي بالكامل في المنطقة الوسطى، ويقلل فجوة الاستيراد من الخارج.
وأفاد: أن المشروع يتم تزويده بمخصصات مائية تقدر بـ 60 مليون متر مكعب سنوياً، من خلال محطات الضخ التي تم إنشاءها بالخصوص وربطها بخزان القرضابية الكبير الذي سعته 15 مليون متر مكعب.
وصرح عيسى: أنه نتيجة لتعرض المنطقة للحروب والاعتداء على جميع هذه المشاريع وسرقة معداتها ومكوناتها من (كوابل كهرباء وآلات الري)، بالإضافة إلى اعتداء المواطنين على منظومة النهر والتوصيلات غير شرعية، فقد أصبحت معظم هذه المشاريع خارج الخدمة.
وفي الختام، طالب المهندس الزراعي بجهاز استثمار مياه النهر الصناعي المنطقة الوسطى، الجهات المسؤولة في الدولة بالتدخل الضروري بالدعم المادي، لإعادة هذه المشاريع لما كانت عليه ليتم تحقيق السياسة العامة التي من أجلها أنشئ الجهاز.
الجدير بالذكر أن جهاز استثمار مياه المرحلة الأولى للنهر الصناعي بالمنطقة الوسطى، انشآ بموجب قرار اللجنة الشعبية العامة “سابقاً” رقم (247) لسنة 1425ميلادي، والصادر بتاريخ 9 ربيع الثاني، والذي بموجبه آلت إليه مهام ومسؤوليات والتزامات واختصاصات الهيئة العامة لاستثمار مياه النهر الصناعي بالمنطقة الوسطى.
وللجهاز ذمة مالية مستقلة ويتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويدار بلجنة إدارة شكلت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (763) لسنة 2020م. (وال – سرت)
تقرير: هند عيسى